السيد محمد حسين الطبطبائي ..
المشهور بين الحكماء أن للماهيات ، وراء الوجود الخارجي ، وهو الوجود الذي ، يترتب عليها فيه الآثار المطلوبة منها ، وجودا آخر لا يترتب عليها فيه الآثار ، ويسمى وجوداً ذهنيًّا ، فالإنسان الموجود في الخارج قائم لا في موضوع ، بما أنه جوهر ، ويصح أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة بما أنه جسم ، وبما أنه نبات وحيوان وإنسان ، ذو نفس نباتية وحيوانية وناطقة ، ويظهر معه آثار هذه الأجناس والفصول وخواصها ، والإنسان الموجود في الذهن المعلوم لنا إنسان ذاتاً ، واجد لحده ، غير أنه لا يترتب عليه شيء من تلك الآثار الخارجية.
وذهب بعضهم إلى أن المعلوم لنا ، المسمى بالموجود الذهني شبح الماهية لا نفسها ، والمراد به عرض وكيف قائم بالنفس ، يباين المعلوم الخارجي في ذاته ، ويشابهه ويحكيه في بعض خصوصياته ، كصورة الفرس المنقوشة على الجدار، الحاكية للفرس الخارجي ، وهذا في الحقيقة سفسطة ، ينسد معها باب العلم بالخارج من أصله.
وذهب بعضهم إلى إنكار الوجود الذهني مطلقاً ، وأن علم النفس بشيء إضافة خاصة منها إليه ، ويرده العلم بالمعدوم ، إذ لا معنى محصلاً للإضافة إلى المعدوم.
واحتج المشهور على ما ذهبوا إليه ، من الوجود الذهني بوجوه :
الأول أنا نحكم على المعدومات بأحكام إيجابية ، كقولنا بحر من زيبق كذا ، وقولنا اجتماع النقيضين غير اجتماع الضدين ، إلى غير ذلك والإيجاب إثبات ، وإثبات شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، فلهذه الموضوعات المعدومة وجود ، وإذ ليس في الخارج ففي موطن آخر ونسميه الذهن.
الثاني أنا نتصور أموراً تتصف بالكلية والعموم ، كالإنسان الكلي والحيوان الكلي ، والتصور إشارة عقلية لا تتحقق إلا بمشار إليه موجود ، وإذ لا وجود للكلي بما هو كلي في الخارج ، فهي موجودة في موطن آخر ونسميه الذهن.
الثالث أنا نتصور الصرف من كل حقيقة ، وهو الحقيقة ، محذوفاً عنها ما يكثرها بالخلط والانضمام ، كالبياض المتصور بحذف جميع الشوائب الأجنبية ، وصرف الشيء لا يتثنى ولا يتكرر ، فهو واحد وحدة جامعة لكل ما هو من سنخه ، والحقيقة بهذا الوصف غير موجودة في الخارج ، فهي موجودة في موطن آخر نسميه الذهن.
قد استشكل على وجود الماهيات في الذهن ، بمعنى حصولها بأنفسها فيه إشكالات ، الإشكال الأول ، أن القول بحصول الماهيات بأنفسها في الذهن ، يستلزم كون الشيء الواحد جوهراً وعرضاً معاً وهو محال ، بيان الملازمة أن الجوهر المعقول في الذهن جوهر ، بناء على انحفاظ الذاتيات ، وهو بعينه عرض لقيامه بالنفس قيام العرض بمعروضه، وأما بطلان اللازم ، فللزوم كونه قائماً بالموضوع وغير قائم به.
الإشكال الثاني ، أن الماهية الذهنية مندرجة تحت مقولة الكيف ، بناء على ما ذهبوا إليه ، من كون الصور العلمية كيفيات نفسانية ، ثم إنا إذا تصورنا جوهراً ، كان مندرجاً تحت مقولة الجوهر لانحفاظ الذاتيات ، وتحت مقولة الكيف كما تقدم ، والمقولات متباينة بتمام الذوات فيلزم التناقض في الذات ، وكذا إذا تصورنا مقولة أخرى غير الجوهر ، كانت الماهية المتصورة مندرجة تحت مقولتين ، وكذا لو تصورنا كيفاً محسوساً ، كان مندرجاً تحت الكيف المحسوس والكيف النفساني ، وهو اندراج شيء واحد تحت نوعين متباينين من مقولة ، واستحالته ضرورية.
قالوا وهذا الإشكال أصعب من الأول ، إذ لا كثير إشكال في كون شيء واحد جوهراً وعرضاً ، لأن التباين الذاتي الذي بين المقولات ، إنما هو بين الجوهر والكيف والكم وغيرها ، وأما مفهوم العرض بمعنى القائم بالموضوع ، فهو عرض عام صادق على تسع من المقولات ، ومن الجائز أن يعم الجوهر الذهني أيضاً ويصدق عليه ، لأن المأخوذ في رسم الجوهر أنه ، ماهية إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع ، فمن الجائز أن يقوم في الذهن في موضوع ، وهو إذا وجد في الخارج كان لا في موضوع هذا.
وأما دخول الماهية الواحدة تحت مقولتين ، كالجوهر والكيف وكالكم والكيف ، والمقولات متباينات بتمام الذوات ، فاستحالته ضرورية لا مدفع لها.
وبالتوجه إلى ما تقدم من الإشكال ونحوه ، ذهب بعضهم إلى إنكار الوجود الذهني من أصله ، بالقول بأن العلم بإضافة من النفس إلى الخارج ، فالمعلوم مندرج تحت مقولته الخارجية فقط ، وقد عرفت ما فيه.
وبعضهم إلى أن الماهيات الخارجية ، موجودة في الذهن بأشباحها لا بأنفسها ، وشبح الشيء يغاير الشيء ويباينه ، فالصورة الذهنية كيفية نفسانية ، وأما المقولة الخارجية فغير باقية فيها ، فلا إشكال وقد عرفت ما فيه.
وقد أجيب عن الإشكال بوجوه ، منها ما عن بعضهم أن العلم غير المعلوم ، فعند حصول ماهية من الماهيات الخارجية ، في الذهن أمران أحدهما ، الماهية الحاصلة نفسها على ما كانت عليه في الخارج ، وهو المعلوم وهو غير قائم بالنفس بل قائم بنفسه ، حاصل فيه حصول الشيء في الزمان والمكان ، والآخر صفة حاصلة للنفس قائمة بها، يطرد بها عنها الجهل وهو العلم ، وعلى هذا فالمعلوم مندرج تحت مقولته الخارجية ، من جوهر أو كم أو غير ذلك ، والعلم كيف نفساني ، فلا اجتماع أصلا لا لمقولتين ولا لنوعين من مقولة.
وفيه أنه خلاف ما نجده من أنفسنا عند العلم ، فإن الصورة الحاصلة في نفوسنا عند العلم بشيء ، هي بعينها التي تطرد عنا الجهل ، وتصير وصفا لنا نتصف به.
ومنها ما عن بعض القائلين بأصالة الماهية ، أن الصورة الحاصلة في الذهن ، منسلخة عن ماهيتها الخارجية ، ومنقلبة إلى الكيف ، بيان ذلك أن موجودية الماهية متقدمة على نفسها ، فمع قطع النظر عن الوجود لا ماهية أصلا ، والوجود الذهني والخارجي مختلفان بالحقيقة ، فإذا تبدل الوجود بصيرورة الوجود الخارجي ذهنيًّا ، جاز أن تنقلب الماهية ، بأن يتبدل الجوهر أو الكم أو غير ذلك كيفاً ، فليس للشيء بالنظر إلى ذاته حقيقة معينة ، بل الكيفية الذهنية إذا وجدت في الخارج ، كانت جوهراً أو غيره ، والجوهر الخارجي إذا وجد في الذهن ، كان كيفاً نفسانيًّا ، وأما مباينة الماهية الذهنية للخارجية ، مع أن المدعى حصول الأشياء بأنفسها في الذهن ، وهو يستدعي أصلا مشتركا بينهما ، فيكفي في تصويره أن يصور العقل ، أمراً مبهماً مشتركاً بينهما ، يصحح به أن ما في الذهن هو الذي في الخارج ، كما يصور المادة المشتركة ، بين الكائن والفاسد الماديين.
وفيه أولا أنه لا محصل لما ذكره ، من تبدل الماهية واختلاف الوجودين في الحقيقة ، بناء على ما ذهب إليه ، من أصالة الماهية واعتبارية الوجود.
وثانياً أنه في معنى القول بالشبح ، بناء على ما التزم به من المغايرة الذاتية ، بين الصورة الذهنية والمعلوم الخارجي ، فيلحقه ما لحقه من محذور السفسطة ومنها ما عن بعضهم ، أن العلم لما كان متحداً بالذات مع المعلوم بالذات ، كان من مقولة المعلوم إن جوهرا فجوهر ، وإن كما فكم وهكذا ، وأما تسميتهم العلم كيفاً ، فمبني على المسامحة في التعبير ، كما يسمى كل وصف ناعت للغير كيفا في العرف العام ، وإن كان جوهراً.
وبهذا يندفع إشكال اندراج المقولات الآخر تحت الكيف.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان