علمٌ وفكر

العلم

 

الدكتور عبد الهادي الفضلي .. 
المراد بالعلم هنا العلم الحضوري، فإنه تعالى عالم بذاته علماً حضورياً لحضور ذاته عند ذاته.
وهو عالم كذلك بجميع المعلومات.


إثبات صفة العلم له:
استدل المتكلمون لإثبات صفة العلم للّه تعالى بما يرى ويشاهد في مخلوقاته من إحكام في الصنع، وحكمة في الخلق، ونظام في التكوين، حيث قالوا: إن الأفعال المتقنة والمنتظمة لا تصدر إلا عن عالم.
وهذا من البداهة في مقام الوضوح.


واستدل الحكماء بما حاصله:
إن جميع الممكنات هي معلولة له تعالى إما ابتداء وإما بالواسطة. ولأنه تعالى يعلم ذاته - وهي علة جميع الممكنات - فهو يعلم بها جميعاً، لأن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول.
الإدراك. البصر. السمع. الإرادة:
ويدخل في صفة العلم كل من الصفات الأربع التالية:
- الإدراك.
- البصر.
- السمع.
- الإرادة.
وذلك لأن إدراكه للمدركات معناه علمه بها.
وكذلك البصر والسمع فإنهما يعنيان علمه بالمسموعات والمبصرات.
ومثلها الإرادة لأنها - في أسلم ما عُرّفَتْ به - علمه تعالى بما في الفعل من المصلحة، الداعي لإيجاده.


عموم علمه تعالى:
ويعني أن علمه تعالى يتعلق بجميع المعلومات.
والدليل على ذلك:
هو «تساوي نسبة جميع المعلومات إليه لأنه حي، وكل حي يصح أن يعلم كل معلوم، فيجب له ذلك لاستحالة افتقاره إلى غيره»(1).
ولكن الحكماء ذهبوا إلى أن علمه تعالى لا يتعلق بالجزئيات. واستدلوا على هذا:
بأن الجزئيات تتغير.
وتغيرها يستلزم تغير علمه تعالى، وهذا محال.


ومثلوا لذلك:
أنه لو علم تعالى جلوس إنسان معين في مكان معين، ثم غادر هذا الإنسان ذلك المكان. فإن بقي علمه تعالى كما هو لم يتغير مع تغير الحالة من الجلوس إلى تركه فهو الجهل.
وإن لم يبقَ فهو التغير.
وكلا الأمرين (الجهل والتغير) ممتنع في حقه تعالى.
وردوا:
بأن المتغير هو التعلق الاعتباري لا العلم الذاتي.
وذلك لأن إضافة العلم إلى المعلوم كإضافة القدرة إلى المقدور، فكما لا تعدم القدرة بعدم المقدور المعين، وإنما الذي يعدم هو الإضافة بينهما، والإضافة أمر اعتباري لا صفة حقيقية.
فكذلك هنا لا يتغير العلم بتغير المعلوم المعين، وإنما الذي يتغير الإضافة التي بينهما، وهي أمر اعتباري لا صفة حقيقية.
أفاد هذا العلامة الحلي في نهج المسترشدين(2)، وأفاده بتقرير آخر في كشف المراد(3)، أقام دليله فيه على أساس من برهان الحكماء في إثبات صفة العلم المقدم ذكره، قال:
«إن كل موجود سواه ممكن. وكل ممكن مستند إليه. فيكون عالماً به.
سواء كان (ذلك الممكن) جزئياً أو كلياً، وسواء كان موجوداً قائماً بذاته، أو عرضاً قائماً بغيره، وسواء كان موجوداً في الأعيان أو متعقلاً في الأذهان - لأن وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضاً فيستند إليه -، وسواء كانت الصورة الذهنية صورة أمر وجودي أو عدمي، ممكن أو ممتنع.
فلا يغرب عن علمه شيء من الممكنات ولا من الممتنعات. وهذا برهان شريف قاطع».
_________________
(1) الباب الحادي عشر 23 .
(2) ص 34 .
(3) ص 221 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد