إيمان شمس الدين
لا شك أن فكرة الخلود فكرة فطرية مُكْتَنَزة في كل إنسان، لكن ترجمتها في واقعه مختلفة في رتبتها، سواء على مستوى الفهم وبالتالي على مستوى التطبيق.
وسعي الإنسان الدؤوب نحو الكمال بمختلف معانيه وأشكاله المادية والمعنوية، دليل جلي على سعيه الدؤوب للخلود.
هناك ارتباط صريح بين الخلود كفطرة واشتداد الوجود كحركة، فالخلود بدلالاته الحقيقية لا يرتبط بالفناء أبدًا، بالتالي هو لا يرتبط بهذه الدنيا إلا بمقدار ما يحقق له اشتداد وجوده لخلوده.
فالجسد يموت والموت لا يلتقي مع فطرة الخلود، لذلك تتجلى معاني الخلود أكثر هنا من حيث الدلالة والمفهوم، وبالتالي توجه العقل نحو السلوك الواقعي لتحقيق دلالة مفهوم الخلود.
فحينما يدرك العقل أن الدنيا مرتبطة بالفناء ارتباط عضوي وظيفي، وأن فكرة الخلود لا تتحقق فيها، فإنه سيكتشف بذلك أن هناك ما وراء هذه الدنيا، وأن هناك في ذلك العالم تتحقق فطرته وميله للخلود، فالكمال لا يجتمع مع النقص، وأصل وجود الدنيا نقص، وأصل وجود الإنسان قائم على الفقر والنقص، لذلك هو دومًا يسعى للكمال ولكن باتجاهات مختلفة باختلاف إدراكه لمعنى الكمال.
وإدراك الإنسان لحقيقة الخلود، يجعله يسعى في هذه الدنيا دومًا نحو اشتداد وجوده أكثر، فكلما أدرك مرتبة كمال كلما اشتد وجوده في ذلك العالم وارتقى في مقامات خلوده فيه، وكلما سعى في إدراك معاني وطرق وصوله إلى ذلك العالم حتى يحقق فيه خلوده المرتبط بكماله، كلما اشتد وجوده في هذه الدنيا وفي ذلك العالم، واشتداد وجوده في الدنيا يتجلى بأداء دوره الاستخلافي ومعرفته من أين وفي أين وإلى أين، بالتالي ارتباط أصل وجوده بمبدأ التوحيد، وارتباط مسلكه بمسلك الموحدين، فيتحرر بذلك من كل أنواع العبوديات، سواء عبودية هوى النفس، والشهوات حتى الحلال منها، أو عبودية عقله للآخرين وعبوديته لأغلال البشر، وعبوديته للمستبدين، بل عبوديته للقلم والفكرة، فكلما توغل في فهم التوحيد، كلما تحرر، وكلما تحرر كلما اشتد وجوده، وكلما اشتد وجوده في الدنيا كلما تجلت الحقيقة في محيطه وأصبح هاديًا ودليلًا ونورًا يستضاء به إلى الحق، وكلما اشتد وجوده كلما ارتقى في مرتبة خلوده في الآخرة.
فيصبح وجوده مرتبطًا بوجود الحق، فيشتد نحو الحق لا نحو ذاته حتى يفنى تمامًا في الحق، وإذا فنى بات جسده في الدنيا مظهرًا من مظاهر الحق، ولكن روحه محلقة في العالم الحقيقي الذي يرى فيه خلوده، فيصبح لا ينطق إلا للحق، ولا يتحرك إلا للحق، ولا يتنفس إلا للحق، وبذلك لا تأخذه في الله لومة لائم، فتزول حجب الاستكبار والاستعباد وقابليات الاستبداد ويتجلى في وجوده الحق فقط. وهنا لا يصبح مقبولًا لديه أنصاف الحلول، والخدع الشرعية والقانونية وحيلهما ولا وجود لسلطة عنده إلا سلطة الحق. وهنا حتى لو قتل لأجل الحق فلا يبالي فيخلد في الدنيا، وفي أعلى المراتب في عالم الخلود الحقيقي. وهذا هو الخلود الكامل.
فاشتداد الوجود مرتبط بأن تكون عبدًا لله وفي طوله من حيث الاهتداء والهداية، وهنا تتحقق فكرة الخلود في الدنيا وفي ذلك العالم الذي يشتد فيه وجودك أكثر وتتجلى فيه حقيقتك أكثر فينكشف عنك غطاءك ويصبح هناك بصرك حديد.
وفطرة الخلود مرتبطة بالحركة لا بالسكون، لذلك الكدح من سمات الدنيا حتى ملاقاة الحق، فالخلود مرتبط بالكدح وحركة الإنسان الدؤوبة نحو الكمال، وأما السكون فهو نقيض فكرة الخلود تمامًا، لذلك قد يصل الإنسان مرتبة كمال عالية ثم يتوقف عن الحركة، فإذا توقف إما يقف هنا أو يعود القهقري فيخسر كماله اللائق بآدميته، لذلك عليه أن يكون في حركة مستمرة فلا يوقفه عُجب، ولا رياء ولا تكبر، فكلها موانع للكمال واستمرار الحركة، فما أوتيتم من العلم إلا قليلًا.
فتأمل..
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان