ولكي تتضح فكرة الموقف، يجب أن نشير إلى معنى القضايا الإخبارية التكرارية. فإن المنطق الوضعي يقسم القضايا إلى قسمين:
الأول هو القضايا الإخبارية وهي كل قضية تتحفنا بعلم جديد وتصف الموضوع بوصف لم يكن مستبطنًا في الموضوع نفسه، فإذا قلنا أن كل إنسان يموت، فإننا نقدم وصفًا جديدًا للإنسان غير مجرد أنه إنسان، ووصفًا جديدًا لسقراط غير مجرد أنه سقراط، وبذلك تكون القضية إخبارية تركيبية.
والقسم الآخر هو القضايا التكرارية، وهي كل قضية تكرر عناصر الموضوع بعضها أو كلها، فلا تضيف إلى علمنا شيئًا جديدًا سوى إبرازها لتلك العناصر، بحيث تصبح مذكورة ذكرًا ضريحًا بعد أن كانت متضمنة. على سبيل المثال، قولك "الأعزب ليس له زوجة" يعتبر وصفًا سلبيًا متضمنًا في كلمة "الأعزب"، لأن الأعزب هو عبارة عن من لا يوجد لديه زوجة، وبالتالي لا تضيف هذه القضية إلى علمنا بالأعزب شيئًا جديدًا، وبذلك تصبح القضية تكرارية.
فيما يتعلق ببحثنا الذي نعالجه الآن، يحاول المنطقيون الوضعيون من التجريبيين أن يدرجوا قضايا الرياضة كلها في القضايا التكرارية، ويفسرون الضرورة واليقين فيها على أساس خلوها من الأخبار وعمقها في إعطاء معرفة بالموضوع. في الحقيقة، في القضية الرياضية التي تقول إن 1 + 1 = 2، لا نجد تكرارًا عميقًا، لأن الرمز 2 يدل على نفس الشيء الذي يدل عليه 1 + 1، فقد استخدمنا في هذه القضية رمزين متكافئين يدلان على عدد معين، وقلنا أن أحدهما يساوي الآخر، فهو في قوة قولنا أن 2 = 2. وكذلك الأمر في القضية الهندسية التي تقول إن المربع له أربعة أضلاع، فالوصف مستبدن في الموضوع، فتكون العملية في القضية عملية استخلاص من الموضوع، لا عملية تركيب بين الموضوع ووصف جديد.
وهذه الفكرة القائلة بأن القضايا الرياضية مجرد تكرار ليست صحيحة في رأينا، لأن عدداً من القضايا الرياضية لا يمكن إدعاء ذلك فيها، فمثلاً القضايا القائلة أن الخط المستقيم هو الأقصر بين نقطتين، لا يمكن القول بأنها قضية تكرارية، بل هي قضية إخبارية تركيبية؛ لأن "الخط المستقيم"، وهو موضوع القضية، صفة كيفية، و"الأقصر"، وهو الوصف الذي منحته القضية، صفة كمية، والصفة الكمية ليست مستبطنة في الصفة الكيفية، فالقضية إذن إخبارية. وكذلك قولنا "2 ÷ 4"، إذ نواجه صفتين مختلفتين، فأن مفهوم النصف يختلف عن مفهوم العدد "2"، فيكون الحكم بأحدهما على الآخر تركيباً وإخباراً، لا تكراراً واجتراراً.
ولا نريد في مجالنا المحدود هذا أن نتوسع في نقد هذه الفكرة، وإنما نريد أن نتناولها بالنقد بالقدر الذي يتصل بموضع البحث، أي نريد أن نعرف مدى نجاح هذه المحاولة الوضعية لإنقاذ المنطق التجريبي من المأزق الذي تورط فيه. إذا افترضنا أن القضايا الرياضية تكرارية كلها، فهل يكفي القول بذلك لحل المشكلة وتفسير الفرق بين القضية الرياضية والقضية الطبيعية على أساس المنطق التجريبي.
ونجيب على ذلك بالنفي، لأنه من حقنا أن نطالب المنطق التجريبي بتفسير الضرورة واليقين في القضايا التكرارية.
ولنأخذ القضية التكرارية النموذجية القائلة: بأن (أ) هي (أ)، فإن مرد اليقين بهذه القضية إلى الإيمان بمبدأ عدم التناقض، وهو المبدأ القائل: أن النفي والاثبات يستحيل اجتماعهما، لأننا لو لم نؤمن بهذا المبدأ، لكان من الممكن أن لا تكون هي (أ) وإنما كانت (ب) على أساس استحالة اجتماع النقيضين في وقت واحد.
وإذا عرفنا: أن مبدأ عدم التناقض هو أساس الضرورة واليقين في القضايا التكرارية، فما هو تفسير الضرورة واليقين في نفس هذا المبدأ بالذات؟
ولا يمكن للمنطق الوضعي أن يجيب على ذلك: بأن هذا المبدأ يشتمل على قضية تكرارية أيضاً، لأن القضية التي يعبر عنها المبدأ، إخبارية وليس تكرارية، والاستحالة التي يحكم بها، ليست مستبطنة في اجتماع النقيضين؛ بمعنى أننا حين نقول: اجتماع النقيضين مستحيل، لا نستخرج هذه الاستحالة من نفس مفهوم اجتماع النقيضين، فأنها ليست من عناصر هذا المفهوم، ولهذا كان قولنا ذلك يختلف عن قولنا: اجتماع النقيضين هو اجتماع النقيضين. وهذا الفارق المعنوي بين القولين، يبرهن على أن القول الأول بيس مجرد قضية تكرارية.
وما دام مبدأ عدم التناقض قضية إخبارية تركيبية، فالمشكلة تعود من جديد لأن المنطق التجريبي مطالب عندئذ بتفسير الضرورة واليقين في هذه القضية الإخبارية. فأن زعم أن هذه القضية الإخبارية مستمدة من التجربة، كسائر المعارف الرياضية الطبيعية، أصبح عاجزًا عن تفسير الفرق بينها وبين القضايا الطبيعية. وإذا اعترف المنطق التجريبي، بأن مبدأ عدم التناقض يعبر عن معرفة عقلية سابقة على التجربة، ويستمد ضرورته من طابعه العقلي الأصيل، فهذا يعني هدم القاعدة الأساسية في المنطق التجريبي وإسقاط التجربة عن وصفها المصدر الأساسي للمعرفة البشرية.
وهكذا تبقى قصة اليقين في القضايا الرياضية على أساس المنطق التجريبي معلقة.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع