المترجم: عدنان أحمد الحاجي
الآن، وانت تقرأ هذه الكلمات دون الكثير من التفكير أو الجهد الواعي. بسرعة البرق، تتحرك عيناك من اليسار إلى اليمين [والعكس في حالة قراءة نص عربي] عبر الشاشة، محاولً بطريقة أو بأخرى اصطناع معنى ما، من شأنه أن يكون سلسلة من خربشات سوداء.
القراءة بالنسبة لك ليست عملية سهلة فقط – بل عملية تلقائية. تطالع كلمة ولا تقرأها يكاد يكون ذلك من المستحيلات، لأن تروس معالجة اللغة المكتوبة تبدأ في الحركة بمجرد أن يرى القارئ المتمرس شيئاً مكتوباً(1).
ومع ذلك، على الرغم من إغراء التفكير في أن القراءة أمر متأصل فينا، فلا ينبغي أن نُخدع. تعلّم القراءة ليس عملية سهلة أو طبيعية.
الأمثلة الأولى للغة المكتوبة ترجع إلى حوالي خمسة آلاف سنة مضت(2)، وهي جانب بسيط من الـ 60 ألف سنة أو أكثر قضاها الإنسان في استخدام اللغة المنطوقة.
وهذا يعني أن نوعنا البشري لم يكن لديه ما يكفي من الوقت لتطوير شبكات دماغ تؤهله لتعلّم (القراءة والكتابة). بل كانت كذلك من خلال سنوات من الممارسة والإرشادات التي ساعدتنا على تكوين تلك الروابط العصبية لأنفسنا.
كيف يكتسب الدماغ القراءة
الأدمغة تقوم بإعادة تنظيم نفسها باستمرار. في أي وقت نكتسب مهارة جديدة، تصبح الروابط بين الخلايا العصبية، التي تسمح لنا بأداء تلك المهارة أقوى. وتزداد هذه المرونة العصبية خلال مرحلة الطفولة(3)، وهذا هو السبب في أن الكثير من التعلّم يصبح مضغوطاً ضمن مرحلة ما قبل المراهقة.
عندما يصبح الطفل متعلماً، لا يوجد "مركز للقراءة" متجسداً بشكل سحري في الدماغ. ولكن تنشأ شبكة من الوصلات العصبية لربط مناطق الدماغ التي لم تكن مرتبطة مع بعضها سابقاً. القراءة أصبحت وسيلةً للوصول إلى مركز اللغة في الدماغ [ما يعرف بمنطقة بروكا] من خلال البصر، مما يعني أنها تستفيد من الهيكل الذي استخدم بالفعل للتعرف على الأنماط البصرية وفهم اللغة المنطوقة.
رحلة الكلمة
عندما يمر القارئ المتمرس بكلمة مطبوعة، تنتقل تلك المعلومات من عينه إلى الفص القذالي (في الجزء الخلفي من الدماغ)، حيث تتم معالجتها كأي مثير بصري آخر. ومن هناك، تنتقل إلى التلفيف المغزلي الأيسر، والمعروف باسم "صندوق بريد" الدماغ. وهو المكان الذي يتم التعرف على الخربشات السوداء كحروف في كلمة. وصندوق البريد هو محطة توقف خاصة في رحلة الكلمة لأنه يتطور فقط نتيجة لتعلم القراءة. وهو غير موجود في الأطفال الصغار جدًا(4) أو الراشدين الأميين(5)، ويكون نشطًا بشكل أقل في الذين يعانون من عسر القراءة(6)، الذين لديهم فرق بيولوجي في الطريقة التي تعالج بها أدمغتهم نصّاً مكتوباً.
تُخزن الكلمات والحروف في صندوق البريد - لا بشكل فردي من الأشكال أو الأنماط المتذكرة (عن ظاهر قلب)، ولكن كرموز. وهذا هو السبب في أن القارئ المتمرس يستطيع أن يتعرف على الكلمة بسرعة، بغض النظر عن نمط الخط (cAsE) أو شكله(7).
ومم ثم ترحل المعلومات من صندوق البريد إلى الفص الجبهي(8) والزمني من الدماغ، ليعمل على إيجاد معنىً ونطق للكلمة. هذه هي نفسها المناطق التي يتم تنشيطها عندما نسمع كلمة(9)، لذلك فهي مختصة باللغة، لا مختصة بمجرد القراءة والكتابة.
ونظرًا لأن المعلومات يمكن أن تنتقل بسرعة عبر مسارات المشابك العصبية السريعة للقارئ المتمرس، فإن الرحلة بأكملها تستغرق أقل من نصف ثانية(10).
ولكن ماذا يحدث في دماغ طفل يبلغ خمس سنوات، والذي لا تزال مسارات مشابكه العصبية السريعة قيد الإنشاء؟
الدماغ النامي
بالنسبة للأطفال الصغار، فإن عملية الانتقال من قراءة المكتوب إلى معرفة المعنى بطيئة ومجهدة. ويرجع ذلك جزئيّاً إلى أن القراء المبتدئين لم ينشئوا بعدُ مخزونًا من الكلمات المألوفة التي يمكنهم التعرف عليها بالرؤية، لذا عليهم بدلاً من ذلك أن "يستنطقوا" كل حرف أو ترتيب الحروف الأبجدية.
في كل مرة يمارس الأطفال فك رموز الكلمات، فإنهم يقومون بتشكيل روابط عصبية [دماغية] جديدة بين المنطقة البصرية ومركز اللغة المنطوقة في الدماغ، مضيفين تدريجيّاً حروفاً وكلمات جديدة إلى صندوق البريد المهم جدّاً.
تذكر، عندما يتعرف القارئ المتمرس على كلمة بالرؤية، فإنه يعالج الحروف في تلك الكلمة، لا شكلها(11). ومن ثم، يمكن للتوجيهات التعليمية أن تدعم تعلم الأطفال من خلال إبراز الطابع الرمزي للحروف - وبعبارة أخرى، من خلال لفت الانتباه إلى العلاقة بين الحروف وأصوات الكلام.
هنا، الأدلة من أبحاث تصوير الدماغ(12) وأبحاث التعليم تتلاقى لتظهر أن تعليم الصوتيات(13) في وقت مبكر من حياة الطفل يمكن أن يساعده في بناء شبكة قراءة فعالة في الدماغ.
ما الذي يمكن أن يحمله المستقبل لتطوير التعلم؟
وكما تتطور التكنولوجيا، يجب أيضاً أن يتطور تعريفنا لما يعني كون الشخص "متعلماً". الأدمغة الشابة تحتاج الآن للتكيف ليس فقط مع اللغة المكتوبة، بل أيضاً مع وسائل التواصل السريعة الخطى والتي من خلالها تُعرض اللغة المكتوبة. فقط الزمن كفيل بإخبارنا عن كيف يؤثر هذا في تطور تلك المناطق الدماغية التي هي بمثابة إسفنجة رمادية اللون واقعة بين أذنين.
ـــــــــــــــ
مصادر من داخل النص وخارجه
1- https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/0963721414540169
2- http://https://www.elsevier.com/books/forensic-document-examination/lewis/978-0-12-416693-6
3- http://https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3222570/?report=reader
4- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/20395549
5- http://https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/21071632
6- https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1111/j.1467-8721.2006.00452.x
8- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1111/apa.13018
9- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/18838044
10- http://https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2734884
12- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/20395549/
13- http://https://theconversation.com/explainer-what-is-phonics-and-why-is-it-important-70522
المصدر الرئيس
https://theconversation.com/explainer-how-the-brain-changes-when-we-learn-to-read-76783
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)