المترجم: عدنان أحمد الحاجي
حين تكون لدينا مهمة ينبغي لنا أن ننجزها - وخاصة إذا كانت المهمة غير مستحقة في المستقبل القريب (أي لم يحن موعد إنجازها وتسليمها بعد) - فإننا نميل إلى الانتظار حتى نقترب من الموعد النهائي لنعمل عليها بجد، وأحيانًا نستعجل إنجازها في الوقت المطلوب. لماذا نتصرف بهذا التصرف؟ ولماذا نسوّف؟
سأؤجل الإجابة عن هذا السؤال للحظة، وأبدأ بدلاً من ذلك بسؤال هو أكثر أهمية: لماذا ننشغل بأي شيء؟ أو بشكل أكثر تحديداً؟ لماذا ننشغل بأي شيء يتطلب منا جهدًا أو مهارة معينة؟ في حال بقيت كل العوامل والظروف كما هي، وحدثت الأمور كما نتوقع، فنحن لا نرغب عمومًا في بذل جهد ذهني(1) أو بدني(2)، إذًا لماذا لا نتحاشاها جميعاً؟ السبب واضح: إنجاز الأمور التي نرغب فيها، وتحاشي الأمور التي لا نرغب فيها يتطلب بذل جهد(3). كما قال تيدي روزفلت Teddy Roosevelt، "فقط من خلال العمل والجهد المضني نستطيع أن نتقدم في الأمور التي من شأنها أن تحسن ظروف حياتنا". بالنسبة لنا، هذه الأمور يمكن أن تحدث بمجرد إنجازنا المهمة (على سبيل المثال، تقاضينا استحقاقاتنا المالية / رواتبنا، أو إثارة إعجاب أقراننا) أو يمكن أن تكون مستحقة في الأمد الطويل (على سبيل المثال، نجاح وظيفي أو ترقية وظيفية، أو الحصول على سمعة إيجابية).
لكن لا يكفي أن تكون هذه الحوافز مستحقة لكي تؤثر في سلوكياتنا. بل ينبغي أن نأخذ أهمية هذه الحوافز في الحسبان حتى نغيّر مقدار الجهد الذي نقرر استثماره. بالنتيجة، لن نبذل كل ما في وسعنا لإنجاز المهمة لو أحسسنا أن المكافأة لم تكن مهمة بشكل معتبر، أو لو لم نكن نعرف أننا سنحصل على تلك المكافآت. قد يبدو ذلك واضحًا، لكنه قد يكون مهمًّا لفهم عملية التسويف(1).
قرار التغلب على الموانع يأتي طبيعيًّا عندما نهرب من تهديد وشيك، أو نلاحق سيارة آيس كريم قريبة منا. عندما تكون المكافآت والتهديدات المحتملة مرتبطة بموعد نهائي في المستقبل البعيد، سيكون تأثيرها فينا أقل(5). نحن ببساطة أقل اهتمامًا(6) بالجزرة والعصا [أي بالثواب والعقاب] كلما أحسسنا ببعدهما (بمسافتهما البعيدة) الزماني عنا، وهذا ما يجعل حشد الجهد اللازم صعبًا علينا، خاصةً عندما نكون محاطين كثيرًا بالجزرة (التي تتراوح بين مهام نحصل على مكافآت أكثر فورية بعد إنجازها، إلى مشتتات للذهن ومضيِّعة للوقت، مثل الانشغال بتصفح تويتر وإنستغرام).
حقيقة أن الحصول على المزيد من الحوافز الفورية التي تشعر بأنها أكثر أهمية بالنسبة لنا، هي جانب من سبب تسويفنا لكن الجانب الآخر يتعلق بأنواع الجهد الذي تتطلبه هذه المهام. بشكل عام، لا يعد إنجاز واجب للصف الدراسي أو مشروع للعمل أمرًا سهلاً كما هو الحال في ممارسة تمرين رفع الأثقال. هذه المهام تتطلب تخطيطًا، مما يعني التفكير بأخذ جميع المقاربات الممكنة، والتي تؤثر في النتائج في الاعتبار والاختيار بين هذه المقاربات قبل الشروع في إنجاز المهمة، هذه عملية لا نستمتع عادة بالعمل عليها(7). تكاليف التخطيط السابق على الشروع في التنفيذ، قد تجعل بداية المهمة هذه منفرة بشكل خاص(8)، وتنتهي بمشاعر سلبية أخرى حين نريد أن نشرع في هذه المهمة(9) (مثل عدم الثقة بالنفس).
بمجرد أن نتوصل إلى خطة، نحتاج إلى إكمال جميع الخطوات التي خططنا لها قبل أن نصل إلى هدفنا النهائي(10). كل من هذه المهام الفرعية تتطلب منا بذل بعض الجهد(11)، لكن مكافأة هذا الجهد لا تأتي إلا حين ننجز المهمة بأكملها. ليس من الواضح كيف يتأثر التسويف بالمهام الفرعية المطلوبة، لكن وجود هذه المهام الفرعية يمكن أن يسهم في رغبتنا في التسويف بطريقتين على الأقل. أولاً ، قد نُحبط في كل مرة ننجز فيها مهمة فرعية إذا لم نحصل على مكافأة بعدها. ثانيًا، الفواصل الزمانية بين المهام الفرعية تخلق فرصًا لنا للاستسلام إلى إغراء الجزرة القريبة منا (على سبيل المثال، الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي من وقت لآخر)، الأمر الذي يتطلب منا بعد ذلك بذل جهدًا إضافيًّا لإعادة تركيز انتباهنا على المهمة الفرعية التالية.
عندما تضع كل هذه العوامل معًا، يبدو الأمر منطقيًّا في أننا سنشرع في العمل على المهمة عندما نكون قريبين جدًّا من موعد إنجازها النهائي (عندما تكون الجزرة والعصا أكثر بروزًا وأهمية)، ونميل إلى أن نؤجل المهمة ككل بدلاً من تجزئتها إلى أجزاء يمكن التحكم فيها بمرور الزمن.
فهم هذه الآليات يمكن أن تساعدنا على أن نعرف أساليب لتجنب التسويف. على سبيل المثال، لو كافأنا أنفسنا على إنجاز المهام الفرعية، فسنتمكن حينئذٍ من أن نجعل المكافأة النهائية تبدو أقل بُعدًا من الناحية الزمانية؛ بالإضافة الى تصعيد دوافعنا لمواصلة العمل على المهمة الفرعية التالية. البحث الأخير يبين أن هذه المقاربة بعينها - التي تجمع بين الفكرة القديمة المأخوذة من علم النفس والتي تسمى التكييف السلوكي shaping [وهي طريقة لخلق سلوك جديد وذلك بتوفير تعزيزات تتصاعد في المستوى كلما قربتنا من السلوك المطلوب](12) وبين الأفكار الجديدة بشأن كيف تُبقي الناس منهمكين في لعبة فيديو - تعدّ طريقة فعالة في جعل الناس أقلّ تسويفًا.
ــــــــــــــ
مصادر من داخل النص وخارجه
1- http://https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2970648/
2- http://https://psycnet.apa.org/record/1944-00022-000
3- https://www.annualreviews.org/doi/full/10.1146/annurev-neuro-072116-031526
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/تسويف
5- https://www.nature.com/articles/nn.4173
6- https://journals.aom.org/doi/abs/10.5465/AMR.2006.22527462
7- https://www.pnas.org/doi/abs/10.1073/pnas.1405725111
10- http://https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0959438812000876
11- http://https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S1364661311002592
12- https://en.m.wikipedia.org/wiki/Shaping_(psychology)
المصدر الرئيس
https://www.brown.edu/carney/news/2019/04/16/why-do-humans-procrastinate-neuroscientist-explains
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)
نظرة إجماليّة في السّير المعنوي
علوم القرآن