آلت حركة التفكير في العالم، والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة، إلى المنطقة الأكثر تعقيداً وغموضاً مع بدايات القرن الحادي والعشرين. المقترحات الفكريّة التي عامت فوق سطح التحولات في العالَمين معاً، كانت أدنى إلى استعادات لميراث فكري لا يُرى إليه في الغالب إلا كمقدس عصيّ على الانتقاد والمراجعة.
ولئن كان ثمة من مساعٍ قصدت تجاوز الحكاية التقليدية للميراث المشار إليه، فهي لم تتعد أطراف الحديث حول واجبية إنشاء قول مرجعي جديد في فضاء التفكير المعاصر. لقد قُيَّض لما يجوز تسميته بـ “فتنة النهايات” أن تجتاح مفاهيم ومسلمات ومناهج انحكم الفكر إلى منطقها سحابة قرنين كاملين. سوى أن هذه الفتنة لم تفلح في وضع الأختام على سؤال “ماذا بعد.. وما الذي يمكن عمله”؟..
ذلك بأن ختام فكرة ما بعد أن أدّت وظيفتها، لا يعني موتها المطلق أو دخولها كهف النسيان، فإنها وأن كفت عن الأخذ بناصية الزمن واستيلاد الحقائق الواقعية وانتاج الظواهر تبقى ماثلة في مرآة الفكر لملء ما تركته من فراغ. ومع أن ما حدث في نهاية القرن العشرين من تحولات في أنظمة القيم شكل حافزاً على تمامية التجربة في مسار التفكير الأيديولوجي، فقد جاء التنظير لشائعة النهايات أدنى إلى “مانيفستو أيديولوجي” أطلقته طلائع الليبرالية الجديدة لتبرر استواءها على عرش العالم.
وقتذاك، لم تكن الأطروحة النيوليبرالية تدرك أنها تختم على نفسها وهي تعلن ختام تاريخ ظنَّت أنه بات طي أذرعها. وما كان ذاك ليكون، إلا لأن منطق التاريخ، لا يقبل الفراغ، ولو أشكل على الفاعلين فيه في لحظة ما، إدراك الخطط الهادية لملئه من جديد.
وسط الجدل المفتوح على النهايات والبدايات، سنرى كيف تولَّد سجالٌ انبرى كثيرون فيه إلى التساؤل عما إذا كان الفكر – والفكر العربي على وجه الخصوص – قد استراح من مشقة الحفر في أرض المفاهيم، أو أنه أعرض عن مهمته المفترضة لإنجاز فتوحات معرفية تؤسس لسؤال “المابعد”.
سنرى أيضاً كيف دارت حركة الفكر مدار أسئلة لا إجابات ناجزة عليها، بينما ظهر من جانب آخر وكأن هذه الأسئلة تعبر نفقاً لا مستقر له ولا مستودع. ثمة من رأى أن الانتقال من زمن إلى آخر يولِّد فسحة خاوية من اليقين. وغالباً ما تكتظ فسحة انتقالية كهذه بفتنة النظر والعمل. ومثل هذا التوصيف لا يجانب الصواب ما دمنا أسرى زمن عارض لا يلبث أن ينصرم ولو بعد حين.
مع الدخول في هذه المرحلة ستشهد الجغرافيا الحضارية الأوسطية مساءلات قلقة حول هموم كانت ألفتها لأجيال خلت. نذكر منها على الأخص، القضايا التي امتلأ بها ميراثها الفكري حول سجالية التقدم والتأخر. وعلى نصاب التمثيل، سنلاحظ أن حركة التفكير اتخذت لنفسها خطوطاً ومسالك تجاوزت معها المفاهيم الصارمة لإيديولوجيات الحداثة، ولا سيما الماركسية والقومية والليبرالية.
سنلاحظ أيضاً، أن المزاج العام لبيئات التفكير بات يفصح عن مراجعات تمس الكثير من التأسيسات النظرية التي قامت عليها مناهج الحداثة الغربية أيام اختصامها مع اللاهوت الديني. كذلك لم يعد التصنيف التاريخي لليسار واليمين على أحواله المألوفة، حتى بدا وكأنه ينقلب على عقبيه. ففي الحقلين الفكري والسياسي نشأت حيال هذين المفهومين الكلاسيكيين، معايير مستحدثة غلب فيها حكم المصلحة على حكم القيم. فما عاد اليسار يساراً كما عهدناه بصورته الرومانسية. ولا اليمين يميناً مثلما كان وهو يعتلي صهوة المدافعة عن الأوليغارشيات الغاشمة في العصر الكلاسيكي للرأسماليّة.
والنظام التصنيفي الذي أنشأته حداثة الغرب على نصاب الاختصام المؤبد بين ثنائيات القيم الإنسانية لم يعد كما هو في سيرته الأولى. لقد حصل مع الطفرة الكبرى للنيوليبراليّة تحوّل عميق بدا وكأنّه يلغي الحدود الصارمة بين المتناقضات. عند بعض المفكّرين في الغرب صار المقدس على سبيل المثال هو أفضل طريق لفهم الدنيوي، وأن الشأن الديني لم يعد يهم المؤمنين وحدهم، بل قد يكون أهل الإيمان هم أقل الناس استفادة منه لأنهم أخذوا منه بالفعل ما يحتاجونه.
ماركس مثلاً لم يستفد من الشأن الديني ولم يتأمل بما يكفي بظاهرة الإيمان بالمسيح، أي من الطاقة الثورية الحقيقية لأنه لم يطرح مسألة الممارسة (البراكسيس) طرحاً صحيحاً، وخصوصاً حيال ما يجعل الفكرة الإيمانية تتحول الى قوة مادية. صار الكلام في الاجتماع السياسي والوقائع اليومية موصولاً بالغيب واللاّشعور. وما ذاك إلا لافتقاد الانساق المعرفية السائدة جاذبيتها، بعد كل ما توفرت عليه من ضوابط ومناهج وقواعد فهم.
وأما الذي حصل ليندفع مسار التفكير في مثل هذا المنحى المفارق فهو الاضطراب الشديد في فهم التحولات والفراغ المعرفي الناجم عنها. قد يكون هذا هو السبب الذي يجعل العوامل الحافزة لتوليد فكر حضاري مستحدث، كامناً في تلك المنطقة بالذات. والمفكر الذي كتب على نفسه ملء ما استطاع من مساحات الفراغ، هو نفسه الذي يستطيع التعامل مع موجباتها وشرائطها.
وليس من الإفراط، القول إن مثل هذه المهمة توجب نشاطاً تنظيرياً مفارقاً للذي عهدناه في خلال الطفرة الأمبريالية مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. آنذاك سيطر التنظير الانفعالي على ديناميات التفكير. ثم آلت هذه الديناميات الى ظهور رومانسيات ثورية انتهت – على الرغم من روحانيتها وتضحياتها – الى الخيبة.
مثل هذه المهمة أيضاً، لا توجب في المقابل مفكراً لا منتمياً كذاك الذي مسه طائف الحبوط واللاَّيقين، ثم استغرق في التطيُّر والعدمية. المفكر الذي تحتاجه منطقة الفراغ، هو ذاك الذي يرى الى كل لحظة بعين كونها حقيقة واقعية. وهو الذي يستشعر مسؤولية التفكير بنوع السؤال من قبل يستظهره ليلقيه على الملأ قصد انتزاع الأجوبة. السؤال الذي يُستدرجُ برفقٍ ويُنحت بدراية واعتناء، ثم ليُحمل على محمل الجد، ثم ليمضي السائل بواسطته الى اختبار ذاته واختبار الغير في آن.
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد جعفر مرتضى
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
المراد من العلم النافع
ما هي حقيقة الذكاء؟ وكيف نزيده قوّة؟
التنظير في أفقه العربي والإسلامي
محتوى الكلمات ينشط العمليات الدماغية في اللاوعي
زكي السالم: في المسابقات الشّعرية: موقفك من التّصويت بين الوجوب والتّفويت
وليد الكعبة
دنيا عليّ عليه السّلام (3)
ولولا أنت يا علي
لماذا ولد الإمام علي (ع) في الكعبة
لَا يَمَسُّهُ إلَّا المطَهَّرُونَ