علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمود حيدر
عن الكاتب :
مفكر وباحث في الفلسفة السياسية، مدير التحرير المركزي لفصلية "الاستغراب".

قهريَّة الفراغ وتداعياته

قهريَّة الفراغ

 

لا أحد ينجو من قهرية الفراغ. وهذا النوع من القهرية ينتسب في الغالب إلى فيزياء الجسد الذي يميل على الدوام إلى رغبة محمومة للإشباع الذاتي. يفعل ذلك أهلُ هذا الحال، بغية القبض على زمنهم وهو ينسرب من بين الأضلع كماءٍ ثقيل.

 

تداعيات الفراغ العجيب

 

وهل تأتي وَخَزَاتُ الشك من عند غير العقل؟

 

ولولا أن أصرَّ العقلُ على كبريائه الأرضي لَمَا مَكَثَ في كهفه دهراً يكابدُ رمضاءَ الجهل.

 

السؤالُ سمتُ العقلِ، والشكُّ مآلُه. وما الألم المرتَّبُ على السؤال المكتظِّ بالشك إلَّا جزاء ما اقترف السائلُ من غلواء الطلب. والذين يسألون – لما أسدلوا على أبصارهم حجاب الرؤية – خاب سؤالهم وما كان لهم من جواب.

 

والسؤال من غير تبصُّر سؤالٌ فانٍ، وليس الفاني بقادر على الاستفهام المحيي. فإذا كان الجواب متضمَّنًا في كل سؤال يُسأل، فكل ما لا يتضمَّنُه السؤال استحال فهمه. فالعقلُ المحتجبُ بالأسئلة الفانية لا يستطيع الحصول على جواب حين يُسأل عن شيء خارج حياضه.

 

وما ذاك إلَّا لأن العقلَ المستغرقَ في الأعراضِ العارضِة لا يقوى على إبرام ميثاق مع الأصل. فما هو مستتر في الأصل، محفوظ بأصله ويتأبَّى على الإظهار. وما دام العقل مفصولًا عن أصله، نائيًا منه، كيف له أن يتعرّف عليه أو يقر له بالحضور؟..

 

لا ينبغي للسؤال الساكن في العالم الفاني أن يطلب الإجابة عن عالم لافاني. والذي حالُه الفناء، لا يقدر على النفاذ الى الذي شأنه الحياة والديمومة.

 

فما السبيل إذًا تلقاء هذا الانسداد؟

 

جواب محتمل: ثمة ملاذٌ بين ملاذَين أسميناه الفراغ العجيب. وما كان هذا إلَّا تلطُّفًا بحال السائل، وبحثاً له عن مطرح آمن يؤوي اليه.

 

تنبيهٌ للذي سيغادر “الفراغ العجيب” إثر مشقة:

 

يقول الهاتف المستتر: ينبغي لك أن لا تغفل عن أمرٍ بيَّن.. وهو أنك لم تفارق الفراغ العجيب بعد. والذي أدخلك إليه شاء لك أن تُمتحن كرة أخرى. فلو أَعَرْتَ طرْفَك لسواه انقطع صوتُه عنك، وحلّت عليك ضوضاء الريبة.

 

في محضره، دع عنك حساب السؤال. فلئن عدتَ إلى الفاني، عاد إليك الفاني ظافرًا.. ثم لا يدعك إلَّا وأنت مُسجىً تحت سلطانه الغشيم. فمن كان إلهُهُ السؤال لم يُجِبْهُ إله السؤال. والسؤال المميت منقصة الكثرة، وحجبٌ عن الأحدية. واعلم أنه عندما يتبدد السؤال الفاني يصير الإنصات سيد الفراغ العجيب.

 

نعمة الإنصات:

 

بها تهدأ نار العقل. وبها يعبر الناجون من كثافة السؤال إلى لطف التساؤل، ومن محرابها ينعطف القلق النازل في الأرض القفر إلى الحَيْرة السارية في سماء الرجاء. فمن كان له حظّ الإنصاتِ، استوت له الهجرة إلى الضفة الأخرى من الحضور.

 

فإذا تهيّأت له لوازم العبور فلن يعبر إلا بميثاق. والميثاق لزومُه الإصغاء. فمن كانت له أذنٌ واعيةُ استغنى عن النظر بالسماع. هنالك فقط يُهتفُ له من وراء ستر: لو أصَخْتَ السمعَ عَرَفْتَ الطريق. ولو أغمضْتَ الطَّرْفَ قليلًا جاءتك الكلمات همسًا، فجميع ما ورد على مسمعك استحقّ لك بالاغماض. إلَّا أنك لا تلبث في العتم إلَّا قليلًا، حتى يلوح لك برقٌ يملأ الصدر.

 

فليس عليك حالَذاك أن تجزع لوهلة الضوء، أو أن تستريح لوهم الوصول. فالذي ظهر في المشاهدة أن هو إلَّا نفحٌ عابر يترجح بين الوهم والحقيقة. ثم لك أن تصطفي وترجِّح..

 

إما أن تنصرف عما بدا لك من إيهام، وإما أن تهمَّ به كجسر نجاة أخير.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد