قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}

قوله تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(1) أنْ يتحمَّل الإنسان أثقالَ وتبعاتِ ذنوبه التي ارتكبها فذلك مفهوم ولكن مِن غير المفهوم تحميلُه أثقال وتبعات ذنبٍ لم يرتكبْه، فإنَّ ذلك منافٍ للعدل، إذ كيف يتمُّ تحميلُه أثقال وتبعاتِ ذنبٍ لم يرتكبه وإنَّما ارتكبه غيرُه، وكذلك فإنَّ هذا المعنى منافٍ لقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(2)

 

الجواب

 

ليس معنى الآية تحميلُ الإنسان تبعاتِ ذنوبٍ لم يرتكبْها أو تحميله تبعاتِ ذنوبٍ ارتكبها غيرُه، فلا يتحمَّل الإنسان- كافراً كان أو غيره- يوم القيامة سوى تبعاتِ الذنوب التي اقترفها بمحضِ اختياره كما قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}(3) وقال تعالى:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(4) وقال تعالى:{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى *وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}(5) 

 

معنى الآية المباركة:

 

وأمَّا معنى الآية فهو أنَّ الإنسان يتحمَّل يوم القيامة تبعاتِ الذنوب التي اقترفها بنفسِه وبمحض اختياره، وهذا هو معنى قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} وكذلك فإنَّ الإنسان يتحمَّل تبعاتِ الذنوب التي تسبَّب في وقوعها، وهذا هو معنى قوله تعالى:{وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} فمفاد الآية هو أنَّه كما يتحمَّل الإنسان تبعاتِ الذنوب التي اقترفها بنفسه كذلك فهو يتحمَّل تبعاتِ الذنوب التي تسبَّب في وقوعها، فمؤدَّى الآية المباركة قريب من مؤدَّى قوله تعالى:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}(6) فالمضلِّون يحملون أوزار ضلالهم، ويحملون في ذات الوقت أوزار إضلالهم، فلأنَّ الضلال الذي وقع فيه غيرُهم كان مُسبَّباً عن إضلالهم لذلك فهم يحملون أوزارَ هذا الإضلال، فالإضلالُ كان من فعلِهم وسوءِ اختيارهم لذلك فهم يتحمَّلون تبعاتِ أوزاره، وهذا لا ينفي عن الضالِّين تبعاتِ ضلالهم الذي وقعوا فيه عن اختيارٍ منهم كما ورد في الحديث الشريف:"

 

.. وأيُّما داعٍ دعا إلى ضلالة، فاتُّبع، فإنَّ عليه مثل أوزار من اتَّبعه مِن غير أنْ ينقص من أوزارهم شيء"(7) فالداعي إلى الضلال إنَّما استحقَّ الوزر لأنَّه كان سبباً في ضلال من اتَّبعه، وأما مَن اتَّبعه فهو يستحقُّ الوزر لاختياره الضلال، فالداعي إلى الضلال يتحمَّل وزرين: وزر ضلاله، ووزرَ إضلاله لغيره، وأمَّا من اتَّبعه فيتحمَّل وزراً واحداً هو وزرُ اختياره للضلال.

 

الآية لا تنافي العدل الإلهي:

 

والذي يؤكِّد أنَّ الآية لم تكن بصدد إفادة أنَّ الإنسان يتحمَّل تبعاتِ أوزار غيره هو ما أفادته الآية التي سبقت هذه الآية وهي قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}(8) فالذين كفروا كانوا يُحرِّضون على الكفر ويُغرون الناس بزعمهم أنَّهم سوف يتحمَّلون تبعات كفر مَن اتَّبع سبيلهم فتصدَّت الآية لتفنيد زعمهم وأفادت أنَّ أحداً لا يتحمَّل خطايا غيره، فمَن يُخطأ فإنَّه يتحمَّل تبعاتِ خطاياه كاملةً، فلا يحمل غيرُه شيئاً من خطاياه وإنْ زعم أنَّه سوف يتحمَّلُها أو يتحمَّل شيئاً منها، ثم جاءت الآية الثانية لتتوعَّد هؤلاء الكفار المحرِّضين للمؤمنين على الكفر فأفادت أنَّ هؤلاء سوف يحملون أثقال كفرِهم وأثقالاً أخرى هي أثقالُ إغرائهم وتحريضِهم الآخرين على الكفر، فهم لا يحملون أثقال وأوزار غيرهم وإنَّما يحملون أثقال وأوزار إضلالهم للآخرين، وذلك لا ينافي العدل الإلهي كما هو واضح إذ أنَّ الإضلال والتسبيب في الضلال من عملهم وفعلهم، فهم يتحمَّلون تبعاتِ فعلهم.

 

الآية لا تنافي قوله:{ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}:

 

فالآية لا تنافي قوله تعالى: {ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} فإنَّ معنى هذه الآية هو أنَّه لا تحملُ نفسٌ آثمة إثمَ نفسٍ أخرى فكلُّ نفسٍ تتحمَّل تبعات ما اقترفته من آثام، ولا تتحمَّل تبعاتِ ما اقترفه الآخرون من آثام، وهذا المعنى لا ينافي ما أفادته الآية من سورة العنكبوت، فإنَّ مفادها أنَّ النفس تتحمَّل تبعات التسبيب لوقوع الآخرين في الآثام، والتسبيبُ من فعل النفس واختيارها فكما أنَّ مباشرة الإثم من فعل النفس فكذلك التسبيب لفعل الإثم فإنَّه من فعل النفس فكما أنَّ مباشرة الزنا من فعل النفس فكذلك التسبيب لوقوع الزنا من فعل النفس، وكما أنَّ مباشرة القتل ومطلق الظلم من فعل النفس فكذلك التسبيب لوقوع الفتل ومطلق الظلم من فعل النفس، وهكذا هو اختيار الضلال والتسبيب إلى الوقوع في الضلال فإنَّ كلاً منهما من فعل النفس، ولذلك تكون المؤاخذة على التسبيب للإثم كالمؤاخذة على مباشرة الإثم فكلٌّ منهما فعلٌ اختياريٌّ للنفس يؤاخذ عليه المكلَّف. هذا هو مفاد الآية المباركة وليس ما توهَّمه صاحبُ الإشكال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- العنكبوت: 13.

2- الأنعام : 164.

3-فاطر: 118.

4- البقرة: 134.

5- النجم: 38، 39.

6- النحل: 25.

7- جامع أحاديث الشيعة- السيد البروجردي- ج14/ 26. وفي كتاب ثواب الأعمال للشيخ الصدوق روى بسنده عن ميمون القداح عن أبي جعفر عليه السلام قال : أيما عبد من عباد الله سن سنة هدى كان له أجر مثل أجر من عمل بذلك من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، وأيما عبد من عباد الله سن سنة ضلال كان عليه مثل وزر من فعل ذلك من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" ص132.

8-العنكبوت: 12.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد