محتوى السورة
هذه السورة تتحدث عن أناس كرسوا كل همهم لجمع المال، وحصروا كل قيم الإنسان الوجودية في هذا الجمع. ثم هم يسخرون من الذين لا يملكون المال وبهم يستهزئون.
السورة تتحدث في النهاية عن المصير المؤلم الذي ينتظر هؤلاء، وكيف أنّهم يلقون في جهنم صاغرين، وأنّ نار جهنم تتجه بلظاها أوّلًا إلى قلوبهم المليئة بالكبر والغرور، وتحرقها بالنار، بنار مستمرة.
فضيلة تلاوة السورة
في المجمع عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله قال: «من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمّد وأصحابه». وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «من قرأ ويل لكل همزة في فريضة من فرائضه، نفت عنه الفقر وجلبت عليه الرزق وتدفع عنه ميتة السوء».
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
سبب النّزول
في المجمع: قيل: إنّ الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان يغتاب النبي صلى الله عليه وآله من ورائه صلى الله عليه وآله ويطعن عليه في وجهه. وقيل: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، وكان يلمز الناس ويغتابهم. ولكن، إن قبلنا أسباب النزول هذه فلا ينفي ذلك شمولية مفاهيم الآيات، بل إنّها تستوعب كل الذين يحملون هذه الصفات.
التّفسير
الويل للهمّازين واللمّازين: تبدأ هذه السورة بتهديد قارع وتقول: «وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ»... لكل من يستهزئ بالآخرين، ويعيبهم، ويغتابهم، ويطعن بهم، بلسانه وحركاته وبيده، وعينه وحاجبه.
«الهمزة» و«اللمزة»: صيغتا مبالغة. من مجموع آراء اللغويين في الكلمتين يستفاد أنّهما بمعنى واحد، ولهما مفهوم واسع يشمل كل ألوان إلصاق العيوب بالناس وغيبتهم والطعن والاستهزاء بهم، باللسان والإشارة والنميمة والذم.
أساساً، الإسلام ينظر إلى شخصية الإنسان وكرامته باحترام بالغ، ويعدّ أيّ عمل يؤدي إلى إهانة الآخرين ذنباً كبيراً. وفي أمالي الصدوق عن النبي صلى الله عليه وآله قال: «أذل الناس من أهان الناس».
وفي عوالي اللئالي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: «رأيت ليلة الإسراء قوماً يقطع اللحم من جنوبهم ثم يلقمونه، ويقال: كلوا ما كنتم تأكلون من لحم أخيكم. فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الهمازون من أمّتك اللمازون».
ثم تذكر الآية التالية منبع ظاهرة اللمز والهمز في الأفراد، وترى أنّها تنشأ غالباً من كبر وغرور ناشئين بدورهما من تراكم الثروة لدى هؤلاء الأفراد، وتقول: «الَّذِى جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ» بطريق مشروع أو غير مشروع. فهو انشدّ بالمال انشداداً جعله منشغلًا دائماً بعدّ المال والالتذاذ ببريق الدرهم والدينار.
تحول الدرهم والدينار عنده إلى وثن ويرى فيه شخصيته وينظر من خلاله أيضاً إلى شخصية الآخرين، ومن الطبيعي أن يكون تعامل مثل هذا الإنسان الضال الأبله بالسخرية والاستهزاء مع المؤمنين الفقراء.
«عدده»: من (عدّ) بمعنى حَسَب. هذه الآية تقصد الذين يدّخرون الأموال ولا ينظرون إليها باعتبارها وسيلة بل هدفاً، ولا يحدّهم قيد أو شرط في جمعها، حتى ولو كان من طريق الحرام والاعتداء على حقوق الآخرين وارتكاب كل دنيئة ورذيلة، ويعتبرون ذلك دليلًا على عظمتهم وشخصيتهم.
هؤلاء لا يريدون المال لسد حاجاتهم الحياتية، ولذلك يزداد حرصهم على جمع المال كلّما كثرت أموالهم، وإلّا فإنّ المال في الحدود المعقولة ومن الطرق المشروعة ليس بمذموم، بل إنّ القرآن الكريم عبّر عنه في موضع بأنّه «فضل اللَّه»؛ حيث يقول تعالى في الآية (10) من سورة الجمعة: «وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ».
وفي موضع آخر يسميه خيراً، كقوله سبحانه في الآية (180) من سورة البقرة: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ».
مثل هذا المال ليس بالتأكيد مبعث طغيان، ولا وسيلة تفاخر، ولا دافع سخرية بالآخرين، لكن المال الذي يصبح معبوداً وهدفاً نهائياً، ويدعو أصحابه من أمثال «قارون» إلى الطغيان، هو العار والذلة والمأساة ومبعث البعد عن اللَّه والخلود في النار.
ومثل هذا المال لا يمكن جمعه وعدّه إلّا بالسقوط في أوحال الحرام. في الخصال عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: «لا يجتمع المال إلّ ابخصال خمس: ببخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، وإيثار الدنيا على الآخرة».
في الآية التالية يقول سبحانه: «يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أخْلَدَهُ». ما أتفه هذا التفكير! قارون بكل ما كان يملكه من كنوز لا تستطيع العصبة أولو القوّة أن تحمل مفاتحها، لم يستطع أن يستخدم أمواله لتأخير مصيره الأسود ساعة واحدة: «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ» «1». الأموال التي كان يمتلكها الفراعنة: «مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ» «2»، تحولت في ساعة إلى غيرهم: «كَذلِكَ وَأَورثنَاهَا قَوْمًا ءَاخَرِينَ» «3».
لذلك فإنّ هؤلاء اللاهين بأموالهم، حين تزول من أمام أعينهم الحجب والأستار يوم القيامة يرفعون عقيرتهم بالقول: «مَا أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ» «4».
من هنا يتبيّن أنّ الظن بقدرة المال على الإخلاد، هو الذي يدفع إلى جمع المال، وجمع المال أيضاً عامل على الاستهزاء والسخرية بالآخرين عند هؤلاء الغافلين.
القرآن الكريم يردّ على هؤلاء ويقول: «كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ». كلّا، ليس الأمر كما يتصور، فسرعان ما يقذف باحتقار وذلّة في نار محطّمة « وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفِدَةِ».
«لينبذنّ»: من نبذ، أي رمي الشيء لتفاهة قيمته. أي إنّ اللَّه سبحانه يرمي هؤلاء المغرورين المتعالين يوم القيامة في نار جهنم كموجودات تافهة لا قيمة لها، ليروا نتيجة كبرهم وغرورهم.
«الحطمة»: صيغة مبالغة من «حطّم» أي هشّم. وهذا يعني أنّ نار جهنم تهشّم أعضاء هؤلاء.
عبارة «نار اللَّه» دليل على عظمة هذه النار؛ و«الموقدة» تعني استعارها المستمر.
والعجيب أنّ هذه النار ليست مثل نار الدنيا التي تحرق الجلد أوّلًا ثم تنفذ إلى الداخل، بل هي تبعث بلهبها أوّلًا إلى القلب، وتحرق الداخل وتبدأ أوّلًا بالقلب ثم بما يحيطه، ثم تنفذ إلى الخارج. لماذا لا تكون كذلك، وقلوب هؤلاء الطاغين مركز للكفر والكبر والغرور، وبؤرة حبّ الدنيا والثروة والمال؟!
إنّهم في هذه الدنيا أحرقوا قلوب المؤمنين بسخريتهم وهمزهم ولمزهم؟! العدالة الإلهية تقتضي أن يرى هؤلاء جزاء يشبه أعمالهم.
الآيات الأخيرة من السورة تقول: « إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ». و«مؤصدة»: من الإيصاد، بمعنى الأحكام في غلق الباب. هؤلاء يقبعون في غرف تعذيب مغلقة الأبواب لا طريق للخلاص منها، كما كانوا يجمعون أموالهم في الخزانات المغلقة الموصدة.
جمع من المفسرين قال: إنّها الأوتاد الحديدية العظيمة التي تغلق بها أبواب جهنم حتى لم يعد هناك طريق للخروج منها أبداً، وهي بذلك تأكيد على الآية السابقة التي تقول: «إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة القصص / 81.
(2) سورة الدخان / 25 - 27.
(3) سورة الدخان / 28.
(4) سورة الحاقّة / 28 و 29.
السيد عبد الحسين دستغيب
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ فوزي آل سيف
أحمد الرّويعي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حسين آل سهوان
أحمد الرويعي
أسمهان آل تراب
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
اسجدوا للّه شكراً
هل نملك إرادة حرة واقعًا؟
السُؤال في عين كونه جوابًا (2)
سورة الهمزة
الإمام الحسين (ع): الخروج إلى الشّهادة على بيّنة
طريق الكوفة إلى الشام مشاهد ومواقف
الشّعر الحديث شاهد على قتل الحسين عليه السّلام
وجوه من ذاكرة الجاروديّة، جديد الكاتب علي منصور الحايك
السُؤال في عين كونه جوابًا (1)
فاجعة الطَّفّ: أبعادُها، ثمراتُها، توقيتُها