محتوى السورة
تتضمّن السورة تعاليم للنبي صلى الله عليه وآله خاصة، وللنّاس عامة تقضي أن يستعيذوا باللَّه من شرّ كل الأشرار، وأن يوكلوا أمرهم إليه، ويأمنوا من كل شرّ في اللجوء إليه.
فضيلة السورة
عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «أنزلت عليّ آيات لم ينزل مثلهنّ المعوذتان». وأبو عبيدة الحذاء عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام قال: «من أوتر بالمعوذتين، وقل هو اللَّه أحد، قيل له: يا عبد اللَّه! أبشر فقد قبل اللَّه وترك».
وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: «يا عقبة! ألا أعلمك سورتين هما أفضل القرآن، أو من أفضل القرآن»؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه. فعلّمني المعوذتين، ثم قرأ بهما في صلاة الغداة، وقال لي: «إقرأهما كلّما قمت ونمت». إنّ هذه الفضائل نصيب من جعل روحه وعقيدته وعمله منسجماً مع محتوى السورة.
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
بربّ الفلق أعوذ: يخاطب اللَّه سبحانه نبيّه باعتباره الأسوة والقدوة، ويقول له: « قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ * مِن شَرّ مَا خَلَقَ». «الفلق»: من «فَلَق» أي شقّ وفَصَل؛ وسمي طلوع الصبح بالفلق لأنّ ضوء الصبح يشق ظلمة الليل؛ ومثله الفجر، أطلق على طلوع الصبح لنفس المناسبة.
وقيل: إنّ الفلق يعني ولادة كل الموجودات الحيّة، بشرية كانت أم حيوانية أم نباتية. فولادة هذه الموجودات تقترن بفلق حبّتها أو بيضتها، والولادة من أعجب مراحل وجود هذه الأحياء. وقيل: إنّ الفلق له معنى واسع يشمل كل خلق، لأنّ الخلق، هو شقّ ستار العدم ليسطع نور الوجود.
وكل واحد من هذه المعاني الثلاثة (طلوع الصبح - وولادة الموجودات الحيّة - وخلق كل موجود) ظاهرة عجيبة تدل على عظمة الباري والخالق والمدبّر، ووصف اللَّه بذلك له مفهوم عميق.
«مِن شَرّ مَا خَلَقَ»... من كل موجود شرّير من الإنس والجن والحيوان وحوادث الشرّ والنفس الأمارة بالسوء، وهذا لا يعني أنّ الخلق الإلهي ينطوي في ذاته على شرّ، لأنّ الخلق هو الإيجاد، والإيجاد خير محض. يقول سبحانه: «الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ» «1».
بل الشرّ يعرض المخلوقات حين تنحرف عن قوانين الخلقة، وتنسلخ عن المسير المعين لها، على سبيل المثال، أنياب الحيوانات وسيلة دفاعية تستخدمها أمام الأعداء، كما نستخدم نحن السلاح للدفاع مقابل العدو، فلو أنّ هذا السلاح استخدم في محله فهو خير، وإن لم يستعمل في محله كأن صوّب تجاه صديق فهو شرّ.
وجدير بالذكر أنّ كثيراً من الأمور نحسبها شرّاً وفي باطنها خير كثير، مثل الحوادث والبلايا التي تنفض عن الإنسان غبار الغفلة وتدفعه إلى التوجه نحو اللَّه هذه ليس من الشرّ حتماً.
«وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ». «غاسق»: من الغسق، وهو شدّة ظلمة الليل في منتصفه. «غاسق»: تعني إذن في الآية: الفرد المهاجم، أو الموجود الشرّير الذي يتستر بظلام الليل لشنّ هجومه.
«وقب»: من الوَقب، وهو الحفرة، ثم استعمل الفعل «وَقَبَ» للدخول في الحفرة؛ وكأنّ هذه الموجودات الشريرة المضرة تستغل ظلام الليل، فتصنع الحفر الضارة لتحقق مقاصدها الخبيثة، وقد يكون الفعل يعني: نَفَذَ وتوغّل.
«وَمِن شَرّ النَّفثَاتِ فِى الْعُقَدِ». «النفاثات»: من «النفث» وهو البصق القليل؛ ولمّا كان البصق مقروناً بالنفخ، فاستعملت نفث بمعنى نفخ أيضاً.
كثير من المفسرين قالوا إنّ «النفاثات» هي النساء الساحرات، وهي صيغة جمع للمؤنث ومبالغة من نَفثَ، وهذه النسوة كن يقرأن الأوراد وينفخن في عقد، وبذلك يعملن السحر، وقيل: إنّها إشارة للنساء اللاتي كن يوسوسن في أذن الرجال وخاصة الأزواج ليثنوهم عن عزمهم وليوهنوا إرادتهم في أداء المهام الكبرى.
الفخر الرازي يقول أنّ النساء لأجل كثرة حبّهن في قلوب الرجال يتصرفن في الرجال يحولنهم من رأى إلى رأى ومن عزيمة إلى عزيمة «2».
وهذا المعنى في عصرنا أظهر من أي وقت آخر، إذ إنّ إحدى أهم وسائل نفوذ الجواسيس في أجهزة السياسة العالمية استخدام النساء، اللائي ينفثن في العقد، فتنفتح مغاليق الأسرار في القلوب ويحصلن على أدقّ الأسرار.
وقيل: إنّ النفاثات هي النفوس الشريرة، أو الجماعات المشككة التي تبعث بوساوسها عن طريق وسائل إعلامها لتوهن عزيمة الجماعات والشعوب.
ولا يستبعد أن تكون الآية ذات مفهوم عام جامع يشمل كل أولئك ويشمل أيضاً النمامين والذين يهدمون بنيان المحبة بين الأفراد.
«وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ». هذه الآية تبيّن أنّ الحسد أسوأ الصفات الرذيلة وأحطها، لأنّ القرآن وضعه في مستوى أعمال الحيوانات المتوحشة والثعابين اللاسعة والشياطين الماكرة.
«الحسد»: خصلة سيئة شيطانية تظهر في الإنسان نتيجة عوامل مختلفة؛ مثل: ضعف الإيمان، وضيق النظر، والبخل. وهو يعني طلب وتمنّي زوال النعمة من شخص آخر. والحسد منبع لكثير من الذنوب الكبيرة. في الكافي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: «إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة السّجدة / 7.
(2) التفسير الكبير 32 / 196.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عادل العلوي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي المشكيني
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
زهراء الشوكان