استدل في القرآن الكريم على ضرورة العبادة عبر ثلاثة طرق: فتارة عن طريق المبدأ الفاعلي، وتارة أخرى عن طريق المبدأ الغائي، وتارة ثالثة عن كلا الطريقين.
فالمثال على الاستدلال عن طريق المبدأ الفاعلي هو ما جاء في الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. يعني: يتعين عليكم أن تعبدوا الله، لأنه خالقكم ومبدأ وجودكم.
والمثال على الاستدلال عن طريق المبدأ الغائي هو: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} [يونس: 104]: لأن الحديث في هذه الآية يدور حول عبادة الرب الذي يتوفى الناس. وتعليق حكم العبادة على وصف (الذي يتوفاكم) فيه إشعار بالعليّة، وهو علامة على إمكانية جعل الوصف المذكور الحد الأوسط للبرهان على ضرورة العبادة؛ أي: لا بد من عبادة الله؛ لأن رجوع جميع الخلائق إليه.
أما المثال على الاستدلال عن طريق المبدأين الفاعلي والغائي معاً فهو الآية التي تتحدث عن كلام وموقف مؤمن آل فرعون، وهي من أعظم آيات القرآن الكريم: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22]. ففي الآية الأخيرة استدل على لزوم العبادة بكون الله سبحانه «فاطرًا» من جهة، وبكونه عز وجل «مرجعاً» من جهة أخرى. فتقرير البرهان الأول هو أن الله فاطر، وأنه لا بد للفاطر من أن يعبد، وتقرير البرهان الثاني هو أن الله مرجع (رجوع الناس إليه)، وأنه تتعين عبادة المرجع.
كما ويقول في محل آخر: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 17]. ففي صدر هذه الآية يجري الكلام عن الرب الذي يرزق الإنسان (رزقًا ماديًّا ومعنويًّا)، (المبدأ الفاعلي)، كما أن الحديث يدور في نهايتها عن الرب الذي يكون رجوع الناس إليه (المبدأ الغائي).
كذلك فقد استدل بكلا المبدأين في أواخر سورة هود: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123]؛ فجملة (لله غيب السماوات...) ناظرة للمبدأ الفاعلي. وجملة (وإليه يرجع...) ناظرة إلى المبدأ الغائي.
والرسالة التي تحملها هذه الآية، هي أنه إذا كان مبدأ جميع الموجودات ومنتهاها بيد الله، فلا بد من عبادته. في الآية المذكورة جاء الأمر بالتوكل أيضاً؛ فالإنسان الذي يدرك أنه عاجز عن إنجاز أعماله، ولا مفر له من اتخاذ وكيل من أجل تلبية حاجاته، لا بد أن يتخذ الوكيل الذي يكون بمقدوره الوفاء بكل مقتضيات الوكالة أفضل من غيره.
تنويه: إن أفضل البراهين من وجهة نظر علم المنطق هي تلك التي تتضمن العلة الفاعلية والعلة الغائية معاً، بالإضافة إلى اهتمامها بالنظام الداخلي لذات الشيء وعلة قوامه.
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عبد الحسين دستغيب
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ محمد صنقور
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
مَن أحبّ شيئًا لهج بذكره
(المهدوية، جدليّة الإيمان والمواجهة في الفكر العالميّ والضّمير الإنسانيّ) جديد الكاتب مجتبى السادة
وحيانيّة الفلسفة في الحكمة المتعالية (2)
الأطفال يبدأون التفكير منطقيًّا أبكر مما كان يعتقد
وقوع المجاز في القرآن (2)
سيكولوجية الكفر
المسلّمي يدشّن كتابه الجديد: (آداب المجالس الحسينيّة)
زكي السالم: (معارض الكتاب بين فشخرة الزّائرين ونفخرة المؤلّفين)
لا تجعل في قلبك غلّاً
قانون معرفة الفضائل الكلي