قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

دعوة النّبي العالميّة

 قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158].

 

جاء في حديث عن الإِمام الحسن المجتبى (عليه السلام) قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا محمّد، أنت الذي تزعم أنّك رسول الله، وأنّك الذي يوحى إليك كما يوحى إلى موسى بن عمران؟ فسكت النّبي ساعة ثمّ قال: «نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا خاتم النّبيين، وإمام المتقين، ورسول ربّ العالمين». قالوا: إلى من، إلى العرب أم إلى العجم، أم إلينا؟ فأنزل الله هذه الآية التي صرّحت بأنّ رسالة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رسالة عالمية(1).

 

ولكن مع ذلك لا يمكن إنكار ارتباط هذه الآية بالآية السابقة المتعلقة بصفات النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والدعوة إلى اتباع دينه وشريعته. ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [ الأعراف: 157].

 

وفي البداية يأمر الله تعالى رسول الله قائلاً: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]. إنّ هذه الآية مثل آيات كثيرة أخرى من القرآن الكريم دليل واضح على عالمية دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي الآية (28) من سورة «سبأ» أيضاً نقرأ: {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس}.

 

وفي الآية (19) من سورة الأنعام أيضاً نقرأ: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} أي بلغه القرآن. وفي مطلع سورة الفرقان نقرأ: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} فهو أُرسل إلى الناس كافة ليحذرهم من المسؤوليات.

 

هذه نماذج من الآيات التي تشهد بعالمية دعوة الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)..... ثمّ إنّه وصف الإله الذي يدعو إليه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاث صفات:

 

1 ـ (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فله الحاكمية المطلقة.
 

2 ـ (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) فلا معبود يليق للعبادة سواه.
 

3 ـ (يُحْيِي وَيُمِيتُ) بيده نظام الحياة والموت.
 

وبهذه الطريقة تنفي هذه الآية ألوهية غير خالق السماوات والأرض، وألوهيّة كل صنم، وكذا تنفي التثليث المسيحي، كما وتؤكّد على رسالة النّبي العالمية وقدرة الله تعالى على أمر المعاد.

 

وفي الختام تدعو جميع أهل العالم إلى الإِيمان بالله وبرسوله الذي لم يتعلّم القراءة والكتابة والقائم من بين الناس (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ).

 

النّبي الذي لا يكتفي بدعوة الآخرين إلى هذه الحقائق فحسب، بل يؤمن هو في الدرجة الأُولى ـ بما يقول، يعني الإِيمان بالله وكلماته (ال الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ). إنّه لا يؤمن فقط بالآيات التي نزلت عليه، بل يؤمن بجميع الكتب الحقيقة للأنبياء السابقين.

 

إنّ إيمانه بدينه والذي يتجلى من خلال أعماله وتصرّفاته دليل واضح على حقانيته، لأن عمل الآمر بشيء يعكس مدى إيمانه بما يأمر به ويدعو إليه. وإيمانه بقوله أحد الأدلة على صدقه. إنّ تأريخ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) برمّته يشهد بهذه الحقيقة وهي أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أكثر من غيره التزاماً بالتعاليم التي جاء بها.

 

أجل، لابدّ لكم من اتّباع مثل هذا النّبي حتى تسطع أنوار الهداية على قلوبكم، لتهتدوا إلى طريق السعادة (واتّبعوه لعلكم تهتدون). وهذا إشارة إلى أنّه لا يكفي مجرّد الإِيمان، وإنما يفيد الإِيمان إذا إقترن بالاتباع العمليّ.

 

والجدير بالالتفات إلى أن الآية الحاضرة نزلت في مكّة يوم كان المسلمون يشكلون أقلية صغيرة جدّاً بحيث إنّه قلّما كان هناك من يحتمل أن يسيطر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مكّة فضلاً عن جزيرة العرب، أو قسم كبير من العالم.

 

وعلى هذا الأساس، فإنّ الذين يتصورون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادعى في البداية تبليغ الرسالة لأهل مكّة فقط، وعندما انتشر دينه وعلا أمره فكر في السيطرة على الحجاز، ثمّ فكر في البلاد الأخرى، وراسل ملوك العالم وأمراءه وقادته، وأعلن عن رسالته العالمية. تجيب الآية الحاضرة التي نزلت في مكّة على كل تصوراتهم هذه، فهي تصرح في غير إبهام ولا غموض بأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلن عن دعوته العالمية منذ البداية.

___________________

1- تفسير الصافي , ج2 , ص243 ؛ وبحار الانوار , ج9, ص294.

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد