السيد محمد حسين الطباطبائي ..
(أ) القرآن قبل الرحلة :
كان القرآن الكريم ينزل آية آية وسورة سورة ، ولما كان يتمتع بالفصاحة الخارقة والبلاغة الفائقة كان ينتشر بسرعة هائلة ، وكان العرب عشاق الفصاحة والبلاغة ينجذبون إليه فيأتون من بلاد بعيدة لاستماع بعض آياته من شفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وعظماء مكة وأهل النفوذ من قريش كانوا عباد الأوثان وألد أعداء الدعوة الإسلامية ، وكانت محاولاتهم شديدة في إبعاد الناس عن النبي ، وعدم إعطاء الفرصة لاستماع القرآن بحجة أنه سحر يلقى عليهم.
ومع هذا كله كانوا يأتون في الليالي الظلماء خفية إلى قرب بيت النبي ، ويستمعون إلى الآيات التي كان يقرأها صلى الله عليه وآله وسلم.
وجدّ المسلمون أيضًا في حفظ القرآن وضبطه ، لأن النبي أمر تعليم القرآن إياهم (1) ، ولأنهم كانوا يعتقدون أنه كلام الله تعالى ، وهو السند الأول لعقائدهم الدينية ، ويفرض عليهم في الصلاة قراءة سورة الفاتحة ومقدارًا آخر من القرآن.
ولما هاجر النبي إلى المدينة وانتظمت أمور المسلمين ، أمر الرسول جماعة من أصحابه بالاهتمام في شأن القرآن وتعليمه وتعلمه ونشر الأحكام الدينية وما ينزل عليه من الوحي ، فكانت تسجل هذه يومًا فيومًا حتى لا تضيع ، وأعفي هؤلاء عن الحضور في جبهات الجهاد كما هو صريح القرآن الكريم (2).
ونظرًا إلى أن الصحابة المهاجرين من مكة إلى المدينة كان أكثرهم استفاد الرسول من الأسراء اليهود ، وأمر كل أسير أن يعلم عددًا من أصحابه ، وبهذه الطريقة وجد في الصحابة جماعة متعلمين يعرفون الكتابة والقراءة.
ومن هؤلاء الجماعة اشتغل أناس بقراءة القرآن وحفظه وضبط سوره وآياته ، وهم الذين عرفوا فيما بعد بـ«القراء» ومنهم استشهد في واقعة بئر معونة أربعون أو سبعون شخصًا.
وكان كلما نزل من القرآن أو ينزل تدريجًا ، يكتب في الألواح أو أكتاف الشاة أو جريد النخل ويحفظ.
والذي لا يقبل الشك ولا يمكن إنكاره هو أن أكثر السور القرآنية كانت منتشرة دائرة على ألسنة الصحابة قبل رحلة الرسول ، وقد وردت أسماء كثير من السور في أحاديث جمة منقولة من طرق الشيعة والسنة تصف كيفية تبليغ النبي الدعوة الإسلامية ، والصلوات التي كان يصليها وسيرته في قراءة القرآن.
وهكذا نجد في الأحاديث أسماء خاصة قبل رحلة الرسول لطائفة طائفة من السور كالطول والمئين والمثاني والمفصلات.
بعد رحلة الرسول :
بعدما ارتحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى جلس علي عليه السلام الذي كان بنص من النبي أعلم الناس بالقرآن في بيته حتى جمع القرآن في مصحف على ترتيب النزول ، ولم يمض ستة أشهر من وفاة الرسول إلا كان علي قد فرغ من عمل الجمع وحمله للناس على بعير (3).
وبعد الرحلة بسنة واحدة (4) حدثت حرب اليمامة التي قتل فيها سبعون من القراء ، ففكرت الخلافة في جمع السور والآيات في مصحف خوفًا من حدوث حرب أخرى وفناء القراء وذهاب القرآن على أثر موتهم.
أمرت الخلافة جماعة من قراء الصحابة تحت قيادة زيد بن ثابت الصحابي بالجمع ، فجمعوا القرآن من الألواح وجريد النخل والأكتاف التي كانت في بيت النبي بخطوط كتاب الوحي ، والتي كانت عند بقية الصحابة. وعندما كملت عملية الجمع استنسخوا عدة من النسخ وأرسلت إلى الأقطار الإسلامية.
وبعد مدة علم الخليفة الثالث (5) أن القرآن مهدد بالتحريف والتبديل على إثر المساهلة في أمر الاستنساخ والضبط، فأمر بأخذ مصحف حفصة وهي أول نسخة من نسخ الخليفة الأول ، وأمر خمسة من الصحابة منهم زيد بن ثابت أن يستنسخوا من ذلك المصحف ، كما أمر أن تجمع كل النسخ الموجودة في الأمصار وترسل إلى المدينة ، وكانت تحرق عندما تصل نسخة من تلك النسخ.
كتبوا خمس نسخ من القرآن ، فجعلوا نسخة منها في المدينة وأرسلوا نسخة إلى مكة ونسخة إلى الشام ونسخة إلى الكوفة ونسخة إلى البصرة. ويقال إن غير هذه النسخ الخمس أرسلت نسخة أيضًا إلى اليمين ونسخة إلى البحرين. وهذه النسخة هي التي تعرف بـ«مصحف الإمام» ، وجميع نسخ القرآن مكتوبة على إحدى هذه النسخ.
الاختلاف الموجود (6) بين هذه النسخ والمصحف الأول أن في المصحف الأول كانت سورة البراءة بين المئين وسورة الأنفال في المثاني ، وفي مصحف الأمام وضعت سورة الأنفال والبراءة في مكان واحد بين سورة الأعراف وسورة يونس.
_______________________
(1) سورة النحل : 44 ، وآيات كثيرة أخرى.
(2) سورة التوبة : 122.
(3) المصحف للسجستاني.
(4) الاتقان1/ 59 ، 60.
(5) المصدر السابق1/61.
(6) الاتقان 1 /62.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان