قرآنيات

خصائص القرآن


السيد رياض الحكيم ..

الخاصة الأولى: الشمولية
عندما نتحدث عن شمولية القرآن لا نعني أنّه فهرسة للعلوم المختلفة، وإلاّ لأوجب ذلك إماتة روح الإبداع في الإنسان في هذه الحياة الدنيا التي ابتنت على الكدح وبذل الجهد والإبداع.
بل نقصد أنّه يتناول كل جوانب الحياة التي تحيط بالفرد والمجتمع، ولا يقتصر دوره على جانب معيَّن منها فهو كتاب شامل في تعاليمه ومحتواه أو فلنقل ليعزز جهود الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أدائه لهذا الدور، بتوجيه الأمّة وإرشادهم إلى ما يضمن لهم السعادة في الدنيا والآخرة.
ولذلك فمن الطبيعي أن يشتمل على مختلف الأمور التي تكون فاعلة في إصلاح الأفراد والمجتمع، ولم يقتصر على جانب واحد منها.﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ فالقرآن قد احتوى على كل ما يهم المسلم بإطاره العام وهو:
1- أصول العقيدة الإسلامية من التوحيد والنبوة والمعاد والإمامة والولاية، وغيرها من المسائل الاعتقادية الأخرى، كالقضاء والقدر والعرش وغير ذلك..
2- الجانب التربوي وما يرتبط به من سمو الأخلاق وتهذيب النفوس.
3- مجموعة من الأحكام الشرعية والقوانين التي تنظم سلوك المسلم وعلاقاته كفرد، والمسلمين كمجتمع، كما أشار إلى اتّباع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وولاة الأمر الذين يحدّدون باقي التفاصيل.
وهذا هو ما نعنيه من شمولية القرآن.
إضافةً لذلك نرى أنّ القرآن قد تصدّى لمهمة أخرى وهي جذب الناس وترغيبهم فيما يصلحهم، ولم يقتصر دوره على سرد مقوّمات الإصلاح ضمن مواد قانونية جافة ومحدودة التأثير بل تضمن أرقى الأساليب البلاغية وأكثرها تأثيراً في النفس، ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾.


الخاصة الثانية: إعجاز القرآن
عندما نتحدّث عن انتساب أثر أو كتاب لشخص نعتمد على الدلائل التي تشهد لهذا الانتساب، وكذلك القرآن الكريم نعتمد في نسبته لله تعالى على مجموعة من الأدلة والقرائن، وتعتبر أكثرها شواهد على إعجازه، نذكر منها:
1- انسجام مضمونه ورسالته مع صراط الله القويم المنسجم مع كماله المطلق، فعندما نراجع القرآن الكريم نجده يصب في هذا الاتجاه، فهو بين تمجيد وتوحيد لله تعالى واستعراض صفات كماله، ومنّه، ولطفه بعباده، وبين دعوة الناس بمختلف أساليب الترغيب والترهيب إلى صلاح أنفسهم ومجتمعاتهم، وبين رسم الخطوط التشريعية العريضة وأحياناً التفصيلية - لحكمة أو ظرف خاص - المنسجمة مع الفطرة والطبيعة البشرية لتعين الإنسان في مواجهة الظروف التي يواجهها خلال مسيرة حياته.
فكلّ إنسان لو تأمل وسرحت مخيلته فتصور أنّ الله تعالى بعث رسولاً للبشر فماذا ينتظر من هذا الرسول؟ هل يتوقع من هذا المبعوث الإلهي مفهوماً أو إرشاداً أو مشروعاً يصطدم بتعاليم القرآن؟
حبذا لو تفرغ أحدنا - في سبيل عقيدته - وتأمل مع نفسه قليلاً حول النهج القرآني، ألا يجده دليلاً كافياً على انتساب هذا الكتاب الكريم لله الحكيم العليم الرؤوف الرحيم؟ ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ﴾، هب أنّ صياغة هذا الدليل قد لا تكون صياغةً جدلية تسكت الخصم المجادل لكنّا في عقيدتنا لا نتقيّد بأدلة مجالس الجدال والمخاصمة - رغم أهميتها - فما أكثر الخيارات المصيرية التي نختارها اعتماداً على قناعاتنا الخاصة المدعومة بالوجدان أو الفطرة أو الحدس الدقيق أو ما شئت فقل.
2- قمة البلاغة باعتراف العرب المعاندين له رغم إبداعهم في هذا الجانب، وتأكيداً لصحة هذه الدلالة نلاحظ أنّ التحدي القرآني كان في مكة حيث كان المسلمون أقلية مضطهدة وكان هناك قلق كبير ينتاب كبار قريش من دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فلو كان بإمكانهم التحدي لواجهوا نداء القرآن ﴿فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾. و﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ﴾.
وروى المؤرخون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما أنزل عليه ﴿حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ قام إلى المسجد يقرؤها والوليد بن المغيرة قريب منه فلما فطن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم، فقال: والله، لقد سمعتُ من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمُغدق وإنه ليعلو وما يعلى عليه.
وقد أشار الكتّاب والباحثون إلى جوانب متعددة في الفصاحة والبلاغة تميّز بها القرآن نشير إلى بعضها:
أ: الإيقاع الموسيقي المتميز المتعدد الأنواع والمتناسق مع الجو -كما عن الموسيقار المعروف محمد حسن الشجاعي- أو الموسيقى الباطنية كما يقول الأستاذ مصطفى محمود.
ب: أنّه بيان على قدر الحاجة، يقول ابن عطية: (لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة في أن يوجد أحسن منها لم توجد).
ج: أنّه لا يخلق عن كثرة الرد وطول التكرار...، كما أشار إليه كلام الإمام علي (عليه السلام).
د: الروحانية العالية فيه، هذه الروحانية التي تنفذ إلى عمق سريرة الإنسان وتهزّ وجدانه، حتّى أن كثيراً من أسرى الحضارة المادية المعاصرة آمنوا بالإسلام تأثّراً بهذه الروحانية.
3- عدم تطور أسلوبه خلال 24عاماً، هي فترة نزوله، وهو أمر لا ينسجم مع طبيعة الإنسان التكاملية، ولذا نلاحظ الفارق الشاسع في المستوى الفني للشعراء والأدباء عندما نقارن بين بداية نتاجهم الأدبي ومرحلة تكاملهم، بينما لا نجد هذا التكامل في القرآن فلا نجد تطوراً في السور المدنية عن المكية من ناحية الأسلوب والفصاحة والبلاغة.
ويمكن أن نضيف الى هذه النقطة أنّا لا نجد في القرآن تذبذباً في الأسلوب ولا ضعفاً في بعض سوره وآياته، مكيّة كانت أم مدنية، وهذا أيضاً مخالف للطبيعة البشرية المتأثرة بعوامل عديدة تنعكس على نتاجها، خاصة الحس الأدبي والبلاغي المرهف الذي يتأثر بأدنى سبب.
4- من المعروف أنّ سمات ودلائل النبوغ تظهر لدى الشخص في سني حياته الأولى وبدايات الشباب، فلو كان القرآن من إنشاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لظهرت عليه دلائل هذا النبوغ في بدايات حياته واهتم به قومه وتحدّث به العرب لاهتمامهم بهذه الظاهرة، خاصة أن سوق عكاظ كان في مكة مأوى الحجيج، ولاكتسب (صلى الله عليه وآله وسلّم) مكانةً مرموقةً بين قومه وافتخر به أهله وعشيرته، وانهالت عليه الهدايا والعطاءات، خصوصاً مع ما عرف عن كفيله أبي طالب من الفقر والضيق المادّي.
ولعل الآية الكريمة تشير إلى ذلك بقولها: ﴿قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد