قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

صفات أهل الإيمان في القرآن الكريم


السيّد محمّد حسين الطباطبائي ..

* قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾: الفلاح: الظَّفَر وإدراك البُغية، وذلك ضربان: دنيويّ وأُخرويّ، فالدنيويّ الظفرُ بالسعادات التي تَطيب بها الحياة الدنيا، وهو البقاء والغنى والعزّ، والأخرويّ أربعة أشياء: بقاءٌ بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعزٌّ بلا ذلّ، وعلمٌ بلا جهل، ولذلك قيل: لا عيشَ إلّا عيشُ الآخرة.

معنى الإيمان
الإيمان: هو الإذعان والتصديق بشيءٍ بالالتزام بلوازمه، فالإيمانُ بالله تعالى في عُرف القرآن التصديق بوحدانيته ورُسله واليوم الآخر، وبما جاءت به رُسله مع الاتّباع في الجملة. ولذا نجد القرآن كلّما ذكر المؤمنين بوصفٍ جميل أو أجرٍ جزيل شفّع الإيمان بالعمل الصالح كقوله سبحانه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً..﴾ النحل:97، وقوله: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ﴾ الرعد:29، إلى غير ذلك من الآيات.
وليس مجرّد الاعتقاد بشيء إيماناً به حتّى مع عدم الالتزام بلوازمه وآثاره، فإنّ الإيمان علمٌ بالشيء مع السكون والاطمئنان إليه، ولا ينفكّ السكون إلى الشيء عن الالتزام بلوازمه، لكنّ العلم ربّما ينفكّ من السكون والالتزام، ككثيرٍ من المعتادين بالأعمال الشنيعة أو المضرّة، فإنّهم يعترفون بشناعة عملهم أو ضرره لكنّهم لا يتركونها معتذرين بالاعتياد، وقد قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ..﴾ النمل:14.
والإيمانُ وإن جاز أن يجتمع مع العصيان عن بعض لوازمه في الجملة لِصارفٍ من الصوارف النفسانية يَصرف عنه، لكنّه لا يتخلّف عن لوازمه بالجملة.

الخشوع
* قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾، الخشوع تأثّر خاصّ من المقهور قبال القاهر بحيث ينقطع عن غيره بالتوجّه إليه، والظاهر أنّه من صفات القلب، ثمّ يُنسب إلى الجوارح أو غيرها بنوعٍ من العناية، كقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم - على ما رُوي - فيمن يعبث بلحيته في الصلاة: «أما إنّه لو خشعَ قلبُه لخشعتْ جوارحُه»، وقوله تعالى: ﴿..وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ..﴾ طه:108.
والخشوع بهذا المعنى جامعٌ لجميع المعاني التي فسِّر بها الخشوع في الآية، كقول بعضهم: هو الخوف وسكون الجوارح، وقول آخرين: غضّ البصر وخفْض الجناح، أو تنكيس الرأس، أو عدم الالتفات يميناً وشمالاً، أو إعظام المقام وجمع الاهتمام، أو التذلّل، إلى غير ذلك.
وهذه الآية إلى تمام ثماني آيات تذكر من أوصاف المؤمنين ما يلازم كون وصف الإيمان حيّاً فعّالاً يترتّب عليه آثاره المطلوبة منه، ليترتّب عليه الغرض المطلوب منه وهو الفلاح، فإنّ الصلاة توجّهٌ ممّن ليس له إلّا الفقر والذلّة إلى ساحة العظَمة والكبرياء ومنبع العزّة والبهاء، ولازِمُه أن يتأثّر الإنسان الشاعر بالمقام فيستغرق في الذلّة والهوان وينتزع قلبه عن كلّ ما يشغله عمّا يهمّه ويواجهه، فلو كان إيمانه إيماناً صادقاً جعل همّه حين التوجّه إلى ربّه همّاً واحداً، وشغله الاشتغال به عن الالتفات إلى غيره، فماذا يفعل الفقير المحض إذا لقيَ غنًى لا يقدّر بقدَر؟ والذليل إذا واجه عزّة مطلقة لا يشوبها ذلّة وهوان؟ وهذا معنى قوله صلّى الله عليه وآله وسلم في حديث الحارثة بن النعمان المرويّ في (الكافي) وغيره: «إنّ لكلّ حقّ حقيقةً ولكلّ صوابٍ نوراً..». الحديث.

الإعراض عن اللغو
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾، اللّغو من الفعل هو ما لا فائدةَ فيه، ويختلف اختلاف الأمور التي تعود عليها الفائدة، فرُبّ فعلٍ هو لغوٌ بالنسبة إلى أمر وهو بعينه مفيدٌ مُجْدٍ بالنسبة إلى أمرٍ آخر.
فاللّغو من الأفعال في نظر الدين الأعمالُ المباحة التي لا يُنتفع بها في الآخرة أو في الدنيا بحيث ينتهي أيضاً إلى الآخرة، كالأكل والشرب بداعي شهوة التغذّي اللّذين يتفرّع عليهما التقوّي على طاعة الله وعبادته، فإذا كان الفعل لا يُنتفع به في آخرة ولا في دنيا تنتهي بنحو إلى آخرة فهو اللّغو، وبنظرٍ أدقّ هو ما عدا الواجبات والمستحبّات من الأفعال.
ومن حقّ الإيمان أن يدعو إلى ذلك، فإنّ فيه تعلّقاً بساحة العظمة والكبرياء ومنبع العزّة والمجد والبهاء، والمتّصف به لا يهتمّ إلا بحياة سعيدة أبديّة خالدة، فلا يشتغل إلّا بما يستعظمه الحقّ ولا يستعظم ما يهتمّ به سفَلَة الناس وجَهلتُهم، ﴿..وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ الفرقان:63، ﴿.. وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ الفرقان:72.

البَذل والإنفاق
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾، ذِكر الزكاة مع الصلاة قرينةٌ على كون المراد بها الإنفاق المالي دون الزكاة بمعنى تطهير النفس بإزالة رذائل الأخلاق عنها، ولعلّ المراد بالزكاة المعنى المصدريّ وهو تطهير المال بالإنفاق منه دون المقدار المخرَج من المال، فإنّ السورة مكّية وتشريع الزكاة المعهودة في الإسلام إنّما كان بالمدينة ثمّ صار لفظ الزكاة علَماً بالغلبة للمقدار المعيّن المخرج من المال. وبهذا يستصح تعلّق ﴿للزّكاة﴾ بقوله ﴿فَاعِلُونَ﴾، والمعنى: الذين هم فاعلون للإنفاق المالي.
ومن حقّ الإيمان بالله أن يدعو إلى هذا الإنفاق المالي، فإنّ الإنسان لا ينال كمال سعادته إلّا في مجتمع سعيد ينال فيه كلّ ذي حقّ حقّه، ولا سعادة لمجتمع إلّا مع تقارب الطبقات في التمتّع من مزايا الحياة وأمتعة العيش، والإنفاق المالي على الفقراء والمساكين من أقوى ما يُدرك به هذه البُغية.

العفاف
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾، وقوله: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ استثناءٌ من حفظ الفروج، والأزواج: الحلائل من النساء، وما مَلكت أيمانهم: الجواري المملوكة، فإنّهم غير ملومين في مسّ الأزواج الحلائل والجواري المملوكة.

حفظ الأمانة
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾، الأمانة مصدرٌ في الأصل. وربّما أُريد به ما ائتُمن عليه من مالٍ ونحوه، وهو المراد في الآية، ولعلّ جمعَه للدلالة على أقسام الأمانات الدائرة بين الناس، وربّما قيل بعموم الأمانات لكلّ تكليفٍ إلهيّ ائتُمن عليه الإنسان، وما ائتُمن عليه من أعضائه وجوارحه وقواه أن يستعملها فيما فيه رضى الله، وما ائتمنه عليه الناس من الأموال وغيرها.
والعهد: بحسب عُرف الشرع ما التُزم به بصيغة العهد، شقيق النذر واليمين، ويُمكن أن يراد به مطلق التكليف المتوجّه إلى المؤمن، فإنّ الله سبحانه سمّى إيمان المؤمن به عهداً وميثاقاً منه على ما توجّه إليه من تكاليفه تعالى بقوله: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ..﴾ البقرة:100، وقوله: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ..﴾ الأحزاب:15، ولعلّ إرادة هذا المعنى هو السبب في إفراد العهد، لأنّ جميع التكاليف يجمعها عهدٌ واحد.
والرعاية: الحفظ.
وبالجملة، الآية تصف المؤمنين بحفظ الأمانات من أن تُخان، والعهد من أن يُنقض، ومن حقّ الإيمان أن يدعو إلى ذلك، فإنّ في إيمانه معنى السكون والاستقرار والاطمئنان، فإذا آمن أحدٌ في أمانة أودعها عنده أو عهد عاهده وقطع على ذلك استقرّ عليه ولم يتزلزل بخيانةٍ أو نقض.
* قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾، جمع الصلاة وتعليق المحافظة عليها دليلٌ على أنّ المراد المحافظة على العدد، فهم يحافظون على أن لا يفوتهم شيءٌ من الصلوات المفروضة ويراقبونها دائماً، ومن حقّ إيمانهم أن يدعوهم إلى ذلك. ولذلك جُمعت الصلاة ههنا وأُفردت في قوله ﴿.. فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾، لأنّ الخشوع في جنس الصلاة على حدّ سواء، فلا موجبَ لجمعها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد