الشيخ محمد العبيدان
مدخل:
قبل الشروع في الحديث عن الهدف من نزول القرآن الكريم، نحتاج إلى بيان بعض الأمور:
الأول: ينبغي أن يكون فهم القرآن الكريم وتفسيره من خلال رؤية إسلامية، ومن منطلق أنه وحي إلهي، وليس نتاجاً بشرياً، وأن نعرف الظروف التي نزل فيها القرآن الكريم، وأسباب النـزول التي تمثل القدر المتيقن من المصداق في المفهوم القرآني.
ومن أهم القضايا التي تؤثر في فهم القرآن الكريم، معرفة الهدف من نزوله، لأن الهدف بطبيعة الحال يلقي بظلاله على المعنى القرآني، بحيث يكون إحدى القرائن العامة المنفصلة التي تكتنف النص.
فعندما يتحدث القرآن الكريم عن الكتاب أنه تبيان لكل شيء (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)[ 1] .
يمكن أن نفهم (كل شيء) هنا على ضوء (الهدف من نزول القرآن)، فالمراد من التبيان هو التبيان الشامل لما يرتبط بهذا الهدف، وهكذا في الموارد الأخرى.
الثاني: إن معرفة الهدف القرآني سوف تساهم في تفسير مجموعة من الظواهر القرآنية، حيث قد يختلف تفسير الظاهرة باختلاف تفسير الهدف من القرآن، كما في تكرار القصة، حيث نجد البعض يفسرها على أساس بلاغي، بينما قد يكون الأساس التربوي هو التفسير الصحيح.
الثالث: إن القرآن يحظى بقدسية واهتمام بين المسلمين، باعتباره الوحي الإلهي الذي لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، وباعتباره الصيغة والنص الإلهيـين لهذا الوحي والمضمون.
ولذا لابد للمسلمين أن يـبقوا متفاعلين مع القرآن دائماً، كما كانوا كذلك في مختلف عصور التأريخ الإسلامي، وإن كان بمستويات متفاوتة.
ولتشخيص الهدف من نزول القرآن أثر كبير على طبيعة هذا الاهتمام والتفاعل ومستواه ومضمونه.
ثم أن الاهتمام والتفاعل على أنحاء:
1-أن يكونا على مستوى حفظ النص القرآني وسلامة تركيـبه.
2-أن يكونا على مستوى الاهتمام بالمضمون القرآني وفهمه.
3-أن يكونا على مستوى التعرف على هداية القرآن الكريم والحقائق العلمية والتاريخية والاجتماعية، وغير ذلك، من المضامين التي احتواها القرآن الكريم.
4-أن يكونا على مستوى طرحه كشعار للإنسان المسلم، يتـزين به ويردده في الصباح والمساء من خلال الإذاعات أو المناسبات أو المجالس الدينية.
هذا ويـبقى الأهم من ذلك وهو أن يكون التفاعل والاهتمام بالقرآن على مستوى تحقيق الهدف الحقيقي منه، الذي يجسد التفاعل والاهتمام الروحي الحقيقيـين، ويشمل في الوقت نفسه مختلف المستويات الأخرى، التي بمنـزلة المقدمة أو الطريق للوصول إلى هذا الهدف.
تشخيص الهدف من نزول القرآن:
إن الأفضل لتشخيص الهدف من نزول القرآن الكريم، أن يرجع للقرآن الكريم في تشخيص الهدف من نزوله. وذلك من خلال ملاحظة الآيات القرآنية واستعراضها التي فسرت نزول القرآن.
خصوصاً أننا بمراجعتنا للقرآن الكريم نجد مجموعة كبيرة من الآيات والظواهر يمكن أن تلقي الضوء على الهدف من نزول القرآن. نعم الملاحظ أن هذه الآيات تبدو وكأنها تـتحدث عن أهداف متعددة أو مختلفة، وسوف نشير إلى نماذج من هذه الآيات والاحتمالات المتعددة لها، ثم نستخلص من خلال المقارنة الهدف الرئيسي المركزي من نزول القرآن:
1-ورد في القرآن عند تشخيص الهدف أنه جاء (للإنذار والتذكرة) قال تعالى:- (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ)[ 2]
2-وفي آيات أخرى يشير القرآن إلى أنه جاء لضرب الأمثال والعبر والدروس مثل قوله تعالى:- (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل)[ 3]
وقوله تعالى:- (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل)[ 4]
3-ونجد في آيات أخرى أن الهدف من نزول القرآن الكريم هو إقامة الحجة والبرهان والمعجزة، قال عز من قائل:- (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون. أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا)[ 5] .
وقال تعالى:- (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً)[ 6] .
4-ويستفاد من آيات أخرى أن القرآن كتاب دستور وشريعة وتفصيل للأحكام، قال سبحانه وتعالى:- (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)[ 7] .
5-وفي مواضع أخرى يشير القرآن إلى أنه جاء من أجل الحكم وفصل الخلاف والتفريق بين الحق والباطل، قال تعالى:- (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)[ 8] .
6-وفي موضع آخر يتعرض القرآن الكريم إلى أن الهدف من نزوله هو تصديق الرسالات السابقة وإمضاؤها وتصحيحها والهيمنة عليها، وبذلك يكون للقرآن دور تصحيحي وتكميلي، قال عز من قائل:- (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تـتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)[ 9] .
وبالرغم من أن هذه الأهداف التي ذكرناها، قد تكون متداخلة يؤثر بعضها بالآخر ويرتبط به في وجه من الوجوه، إلا أنها تبدو متعددة عندما تطرح في الآيات الكريمة.
ولهذا نحن نحتاج إلى تفسير الظاهرة القرآنية وتشخيص الهدف الأساس لها، بحيث يفهم أن القرآن الكريم جاء لتحقيق غايات وأهداف عديدة، تـتوزع على آيات القرآن وسوره ومضامينه.
ويمكننا أن نصيغ ذلك بنحو سؤال نطرحه، حاصله:
ما هو الهدف الأساس الذي سعت الظاهرة القرآنية الكريمة إلى تحقيقه من خلال وجودها، بحيث يفسر لنا هذا الهدف كل آية في القرآن الكريم مهما كان مضمونها ومحتواها وصيغتها؟…
وفي مقام الإجابة على هذا السؤال، نقول:
إن النـتيجة التي نخرج بها من خلال استعراض الأهداف السابقة والمقارنة بينها، بحيث تكون واضحة للجواب عن السؤال الذي طرحناه هي:
أن القرآن استهدف من نزوله تحقيق هدف واحد رئيس له أبعاد ثلاثة، وساهمت بقية الأهداف الأخرى بشكل أو بآخر في تحقيق هذا الهدف الرئيس.
بل أشار القرآن الكريم أحياناً إلى هذه المساهمة والترابط بين هذا الهدف الرئيس وبقية الأهداف كما سنلاحظ ذلك فيما يأتي إن شاء الله.
الهدف الرئيس:
وهذا الهدف الرئيس الذي استهدفه القرآن الكريم من نزوله، هو إيجاد التغيـير الاجتماعي (الجذري) للإنسانية، من خلال رسم (الطريق والمنهج) لهذا التغيـير، و(خلق القاعدة الثورية) التي تميزت بهذا المنهج والتـزمت وتغيرت على أساسه.
——————————————————————————–
[1]سورة النحل الآية رقم 89.
[2]سورة الأنعام الآية رقم 19.
[3]سورة الإسراء الآية رقم 89.
[4]سورة الزمر الآية رقم 27.
[5]سورة الأنعام الآية رقم 155-156.
[6]سورة النساء الآية رقم 174.
[7]سورة النساء الآية رقم 89.
[8]سورة النحل الآية رقم 64.
[9]سورة المائدة الآية رقم 48.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع