السيد جعفر مرتضى
«روي عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فقال النّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: قد أتاكُم أخي.
ثمّ التفت إلى الكعبةِ فضَربَها بِيدِه، ثمّ قال: والّذي نَفسي بِيَدِه، إنَّ هذا وشِيعتَهُ لَهُمُ الفائِزونَ يومَ القِيامة.
ثمّ قال: إِنّهُ أوَّلُكُم إيماناً معِي، وأوفاكُم بِعَهدِ الله، وأَقوَمُكُم بِأمرِ اللهِ، وأَعدَلُكُم في الرّعِيّةِ، وأَقسَمُكُم بِالسّوِيّةِ، وأَعظَمُكُم عندَ الله مَزِيّة.
قال: فنزلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾. (البيّنة:7)
قال: وكان أصحابُ محمّدٍ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا أقبل عليٌّ عليه السلام، قالوا: قد جاءَ خَيرُ البَرِيّة».
نلاحظ هنا ما يلي:
1) صرّحت الرواية بأنّ هذا الذي جرى كان بجوار الكعبة، فدلّ ذلك على أنّ هذه القضية قد حصلت إمّا في عُمرة القضاء، أو في فتح مكّة، أو في حجّة الوداع.
2) إنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول لأصحابه حين أقبل عليٌّ عليه السلام: «قد أتاكم أخي..» مع أنّ الحاضرين قد رأوا علياً عليه السلام مقبلاً، كما رآه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ممّا يعني أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قد اتّخذ من إقبال عليّ عليه السلام ذريعة للحديث عن عليّ عليه السلام، وإبلاغهم أمراً يرى صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ إبلاغهم له لازم وضروري..
وهذا الأمر إمّا للتأكيد على أمرٍ سبق بيانه، أو هو تأسيس لأمرٍ جديد، أو هما معاً، وهذا هو الظاهر كما بيّنته المضامين التي صدرت عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم.
3) إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قد ذكر في هذه الرواية ما يلي:
- ما هو بمثابة التذكير بأمرٍ سابق، يريد للناس أن لا ينظروا إليه على أنّه حدث عابر، بل هو أمر له أهميّته البالغة، ويراد التأسيس والبناء عليه، ألا وهو موضوع أخوّة علي عليه السلام لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، التي تجلّت في عملية المؤاخاة في مطلع الهجرة وقبلها.
- تقرير أمور هامّة وأساسية لصيانتها عن التلاعب، وإفشال محاولات إنكارها، ألا وهي كون عليّ عليه السلام أوّلهم إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله.
4) إنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم بيّن أمرين:
أوّلهما: أفضليّة عليٍّ عليه السلام على جميع الصحابة في ذاته، وشخصيته الإسلامية، فهو أوّلهم في الإيمان، وأوّلهم في العمل والممارسة، فإنّه أوفاهم بعهد الله.
ثانيهما: إنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم فضّل عليّاً عليه السلام عليهم بأمور ترتبط بالحكومة والسلطة، وهي كونه أقومهم بأمر الله، وأعدلهم في الرعية، وأقسمهم بالسوية، والأقوم بأمر الله، فقد أخرجهم صلّى الله عليه وآله وسلّم عن عمومه بذكر الرعية والقسمة.. ليدلّ بصورة واضحة على أنّه يريد أن يسدّ أمامهم باب منافسته عليه السلام في أمر الحكومة والولاية.
5) إنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قد وجّه خطابه إلى الصحابة بصورة مباشرة، فقال: أوّلكم، أوفاكم، أقومكم، أعدلكم، أقسمكم، أعظمكم. وإنّما لم يقل: أوّل الناس مثلاً، لكي يمنع من ظهور أي تأويل، أو توهُّم يريد أن يدّعي أنّه يتحدّث عن سائر الناس، ولم يقصد الحاضرين عنده، أو الصحابة.. أو كبارهم.. أو نحو ذلك..
6) وقوله صلّى الله عليه وآله: «أعظمكُم عند الله مَزية» يشير إلى أنّ هذا الأمر قد ترك آثاره في مجال أسمى وأعظم من أن يمكنهم التصرّف أو الإخلال فيه، لأنّه أصبح قراراً إلهياً ماضياً..
وقد نزلت فيه آية مباركة تحسم كلّ جدل، ولا ينالها خطأ ولا خطل، ألا وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾.
7) إنّ الطريقة التي اتّبعها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيان ما يريد، جاءت فريدة ورائعة، حيث أرفق الحدث بحركةٍ غير متوقّعة، وهو أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم التفت إلى الكعبة وضربها بيده، ليدلّهم على أنّ ثمّة أمراً اقتضى هذا التصرّف الخارج عن المألوف.. لا بدّ أن يتلمّسه المتأمّل حين ينتهي الحدث، ليكتشف مبرّارته، ثم يبقى يعيش في ذهنه، ويتمكّن من استحضاره من خلال تذكّره لهذه الحركة التي تشدّه، فتستخرجه من أعماق الذاكرة، وتحضره أمامه، ليتبصَّره وهو على درجة عالية من التألق والوضوح.
أمّا لو أورد صلّى الله عليه وآله وسلّم كلامه بعفوية وترسُّل، لكان على الذاكرة أن تبذل جهداً كبيراً للعثور عليه بين ذلك الركام الهائل من الصوَر المتناثرة.. وربما لا توفق للعثور عليه أصلاً..
8) وقد ترك هذا الحدث أثره الظاهر في نفوس الناس، إلى حدّ أنّهم كانوا إذا أقبل علي عليه السلام قالوا: «قد جاء خير البريّة».
9) وبذلك يكون صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أقام الحجّة عليهم، وأكّد حضورها في عقولهم وقلوبهم، حين ربطها بهذا الحدث، الذي أصبح يتبادر إلى أذهانهم بصورة عفوية، فتجذّره في عمق الوجدان، وتمازجه مع المشاعر، التي تنطلق لتعبّر عن نفسها بعفوية ظاهرة.
10) إنّ ضرب الكعبة بيده صلّى الله عليه وآله، ربّما أُريد به لفت النظر إلى أنّ ما يريد أن يقرّره له مساس بالكعبة وحفظها.. وتأكيد موقعها ومكانتها في النفوس.. كما أنّه مرتبط بالتوحيد الذي تمثّله الكعبة، وهي الرمز الأعظم والثابت له على مدى العصور والدهور.
فلا بدّ من الانقياد والطاعة لله الواحد تبارك وتعالى، والقبول بأنّ الأمر له.. وأنّ على الناس أن لا ينقادوا لأهوائهم، وأن لا يستجيبوا لطموحاتهم في أقدس الأمور، وأشدّها حساسية.
11) وبعد.. فإنّ هذه الروايات قد وردت في مصادر لا تمتّ إلى الشيعة بصلة.. وقد دوّنها أناس لا يقولون بالإمامة، أو فقُل لا ينسجمون في مذاهبهم الاعتقادية مع نظام الإمامة، وما يترتّب على الاعتقاد به من واجبات ومسؤوليات.
الشيخ الأميني والرواية في مصادر المسلمين السنّة
* أخرج الطبري في (تفسيره: 30 ص 146) بإسناده عن أبي الجارود عن محمّد بن علي (الباقر عليه السلام) :
«﴿..أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ فقال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنتَ يا عليّ وشيعتك..».
* وروى الخوارزمي في (مناقبه: ص 178): من طريق الحافظ ابن مردوية، عن يزيد بن شراحيل الأنصاريّ كاتب عليٍّ عليه السلام قال: «سمعت عليّاً يقول: حدثني رسول الله وأنا مسنده إلى صدري، فقال: أي عليّ، ألم تسمع قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين».
* وأخرج الكنجي في (الكفاية: ص 119) حديث يزيد بن شراحيل .
*وأرسل ابن الصباغ المالكي في (فصوله: ص 122) عن ابن عباس، قال: لمّا نزلت هذه الآية قال النبيّ صلّى الله عليه وآله لعليّ: أنت وشيعتك، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين».
* وروى الحموي في (فرائده) بطريقين عن جابر: «إنّها نزلت في عليّ، وكان أصحاب محمّد إذا أقبل عليٌّ قالوا: قد جاء خير البريّة» .
* وقال ابن حجر في (الصواعق: ص 96) في عدّ الآيات الواردة في أهل البيت: «الآية الحادية عشرة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾».
* أخرج الحافظ الزرندي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «إنّ هذه الآية لمّا نزلت قال صلّى الله عليه وآله لعليٍّ: هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين، ويأتي عدوك غضابا مقمحين.
قال: ومن عدوّي؟ قال: مَن تبرّأ منك ولعنك، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ومن قال: رحم الله عليّاً، رحمه الله» .
* وقال جلال الدين السيوطي في (الدر المنثور: 6/379): «أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النبيّ صلّى الله عليه وآله، فأقبل عليٌّ فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة.
ونزلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾، فكان أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله إذا أقبل على قالوا :جاء خير البريّة».
* وأخرج ابن عدي عن ابن عباس، قال: «لمّا نزلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..﴾ الآية، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ: أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين».
* وذكر الشبلنجي في (نور الأبصار: ص 78-112) عن ابن عباس باللفظ المذكور عن ابن الصبّاغ المالكي.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان