قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

من عواقب ترك الصلاة في الدنيا

 

السيد محمّد حسين الطباطبائي
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ إلى قوله ﴿وَهُمْ سَالِمُونَ﴾:
«يوم» ظرف متعلّق بمحذوف كـ«اذكر» ونحوه، و«الكشف عن الساق» تمثيلٌ في اشتداد الأمر اشتداداً بالغاً، لما أنّهم كانوا يشمّرون عن سُوقهم إذا اشتدّ الأمر للعمل أو للفرار.
قال في الكشّاف: «فمعنى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ في معنى يوم يشتدّ الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثَمّ ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يدَ ثمّ ولا غلّ، وإنّما هو مثَل في البخل».
والآية وما بعدها إلى تمام خمس آيات اعتراض وقع في البين بمناسبة ذكر شركائهم الذين يزعمون أنّهم سيُسعدونهم لو كان هناك بعث وحساب، فذكر سبحانه أنْ لا شركاء لله ولا شفاعة، وإنّما يُحرز الإنسان سعادة الآخرة بالسجود؛ أي الخضوع لله سبحانه بتوحيد الربوبية في الدنيا حتّى يحمل معه صفة الخضوع فيسعد بها يوم القيامة.
وهؤلاء المكذّبون المجرمون لم يسجدوا لله في الدنيا فلا يستطيعون السجود في الآخرة، فلا يسعدون ولا تتساوى حالهم وحال المسلمين فيها البتّة، بل الله سبحانه يعاملهم في الدنيا لاستكبارهم عن سجوده معاملة الاستدراج والإملاء حتّى يتمّ لهم شقاؤهم فيَرِدوا العذاب الأليم في الآخرة.
 فمعنى الآية: اذكرْ يوم يشتدّ عليهم الأمر ويُدعون إلى السجود لله خضوعاً فلا يستطيعون؛ لاستقرار ملَكة الاستكبار في سرائرهم، واليومَ تُبلى السرائر.

قوله سبحانه: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾:
حالان من نائب فاعل ﴿يُدعون﴾، أي حالَ كون أبصارهم خاشعة، وحالَ كونهم تغشاهم الذلّة بقهر، ونسبة الخشوع إلى الأبصار لظهور أثره فيها.
ورد عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام عن تفسير الآية، قوله صلوات الله عليه: «حجابٌ من نور يُكشَف فيقعُ المؤمنون سجّداً، وتُدمج أصلابُ المنافقين فلا يستطيعون السجود».
وسُئل أبو عبد الله الصادق عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾، فقال: «سبحان ربّي الأعلى». قال الشيخ الصدوق بعد نقل هذا الحديث: «قوله عليه السلام: سبحان ربّي الأعلى تنزيهٌ لله سبحانه أن يكون له ساق». 
قوله تعالى: ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾:
المراد بالسلامة سلامتُهم من الآفات والعاهات التي لحقت نفوسَهم بسبب الاستكبار عن الحقّ، فسلبتها التمكّن من اتّباعه. والمعنى: وقد كانوا في الدنيا يُدعون إلى السجود لله وهم سالمون متمكّنون منه أقوى تمكّن، فلا يجيبون إليه.
ورُوي عن الإمام أبي عبد الله الصادق في تفسير الآية، قوله عليه السلام: «وهم مستطيعون».

هولٌ في موضع شدّة
ورد في (زبدة التفاسير) للفقيه الشيخ فتح الله الكاشاني، المتوفى سنة 988 هجرية:
معنى قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ﴾:
يوم يشتدّ الأمر ويصعب الخطب، فإنّ كشف الساق مثَلٌ في ظهور اشتداد الأمر وصعوبة الخطب. وأصله تشمير المخدّرات عن سُوقهنّ في الهرب. وتشمير الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجدّ فيه، فيشمّر عن ساقه. فاستُعير عن الساق في موضع الشدّة من غير كشف الساق حقيقة.
أو معنى الآية: يوم يكشف عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عَياناً، مستعارٌ من ساق الشجر وساق الإنسان. وتنكيره للتهويل أو للتعظيم. كأنّه قيل: يشتدّ الخطب يومَ يقع أمرٌ فظيع هائل وشدّة عظيمة.
قوله عزّ وجلّ ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾:
يقال لهم يوم القيامة: اسجدوا؛ على وجه التوبيخ على تركهم السجود في الدنيا.
أو يُدعون إلى الصلوات لأوقاتها، إنْ كان وقت النزع، ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ لذهاب وقته، أو زوال القدرة عليه.
قوله سبحانه: ﴿خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾:
تلحقهم ذلَّة. ثمّ علّل ذلك بقوله: ﴿وقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ في الدنيا، أو زمان الصحّة ﴿وهُمْ سالِمُونَ﴾ يعني: أنّهم كانوا يؤمرون بالصلاة في الدنيا فلم يفعلوا.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد