السيد محمد باقر الحكيم
والتفسير على قسمين باعتبار الشيء المفسر تفسير اللفظ وتفسير المعنى. وتفسير اللفظ عبارة عن «بيان معناه لغة». وأما تفسير المعنى فهو تحديد مصداقه الخارجي الذي ينطبق عليه ذلك المعنى.
فحين نسمع شخصاً يقول: إن دولاً تملك أسلحة ضخمة. تارة نتساءل: ما هو معنى الأسلحة ونجيب عن هذا السؤال: إن الأسلحة هي الأشياء التي يستعين بها صاحبها في قهر عدوه. وأخرى نتساءل: ما هي نوعية السلاح الذي تملكه تلك الدول؟ ونجيب: أن سلاحها القنابل الذرية.
ففي المرة الأولى فسرنا اللفظ إذ ذكرنا معناه لغة. وفي المرة الثانية فسرنا المعنى إذ حددنا المصداق الذي ينطبق عليه معنى الجملة ويشير إليه فنسمي المرحلة الأولى بمرحلة (تفسير اللفظ) أو التفسير اللغوي، وهي مرحلة تحديد المفاهيم. وتسمى المرحلة الثانية: مرحلة (تفسير المعنى) وهي مرحلة تجسيد تلك المفاهيم في صور معينة محددة.
وأمثلة ذلك من القرآن الكريم كثيرة فنحن نلاحظ في القرآن أن اللّه سبحانه يوصف بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، ونواجه بالنسبة إلى هذه الكلمات بحثين:
أحدهما: البحث عن مفاهيم هذه الكلمات من الناحية اللغوية، والآخر: البحث عن تعيين مصداق تلك المفاهيم بالنسبة إلى اللّه تعالى، فكيف يسمع سبحانه؟ وهل يسمع بجارحة أو لا وكيف يعلم؟ وهل يعلم بصورة زائدة.
والأول: يمثل التفسير اللفظي للآية أو تفسير اللفظ والثاني يمثل التفسير المعنوي أو تفسير المعنى.
ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) (1) وقوله: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض) (2) فنحن نجد هذه الآيات تتحدث عن أشياء قد أنزلت من قبيل: الحديد والماء، وتفسير اللفظ يعني بصدد هذه الآيات أن نشرح معنى (النزول) لغة ونحدد مفهوم كلمة أنزلنا الواردة في الآيات الثلاث ونعرف أنها تستبطن معنى الهبوط من جهة عالية مرتفعة وتفسير المعنى هو أن ندرس حقيقة هذا الإنزال ونوع تلك (الجهة العالية) التي هبط منها الحديد والماء، وهل هي جهة مادية أو معنوية.
أهمية التمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى
والتفسير بين تفسير اللفظ على صعيد المفاهيم، وتفسير المعنى بتجسده في صورة محددة على صعيد المصاديق... يعتبر نقطة جوهرية جداً في تفسير القرآن الكريم. وأداة لحل التناقض الظاهري الذي يبدو بين حقيقتين قرآنيتين وهما:
الحقيقة الأولى: إن القران كتاب هداية. وقد وصف نفسه بأنه (هدى للناس) (3) و (نور مبين) (4) و (تبياناً لكل شيء) (4) وهذه الحقيقة تفرض أن يجيء القرآن ميسر الفهم وأن يتاح للإنسان استخراح معانيه منه، إذ لا يحتاج للقرآن أن يحقق أهدافه ويؤدي رسالته لو لم يكن مفهوماً من قبل الناس.
والحقيقة الأخرى: أن كثيراً من المواضيع التي يستعرض القرآن أو يشير إليها لا يمكن فهمها بسهولة بل قد تستعصي على الذهن البشري ويتيه في مجال التفكير فيها لدقتها وابتعادها عن مجالات الحس والحياة الاعتيادية التي يعيشها الإنسان. وذلك نظير ما يتعلق من القرآن باللوح، والقلم، والعرش، والموازين، والملك، والشيطان وإنزال الحديد، ورجوع البشرية إلى اللّه، والحزائن، وملكوت السماء والأرض.. وما إلى ذلك من مواضيع.
إذن فحقيقة أهداف القرآن الكريم ورسالته تفرض أن يكون ميسر الفهم وواقع بعض مواضيعه يستعصي على الفهم ويتيه فيها الذهن البشري.
وحل التناقض الظاهري بين هاتين الحقيقتين إنما يكون بالتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى، لأن الحقيقة الأولى وحقيقة أهداف القرآن ورسالته إنما تفرض أن يكون القرآن ميسر الفهم بوصفه كلاماً دالاً على معنى أي بحسب تفسير اللفظ. وهو بهذا الوصف ميسر الفهم سهل على الناس استخراج معانيه. وإنما الصعوبة في تحديد الصور الواقعية لمعانيه ومفاهيمه.
فكل الآيات التي استعرضت تلك المواضيع التي أشرنا إليها في الحقيقة الثانية تعتبر مفهومة من ناحية لغوية، ولا صعوبة في التفسير اللفظي لها، وإنما الصعوبة تكمن في تفسير معنى اللفظ لا تفسير اللفظ نفسه، لأن تلك الموضوعات ترتبط بعوالم أرقى من عالم الحس الذي يعيشه الإنسان. فيكون من الطبيعي أن يواجه الإنسان صعوبات كبيرة إذا حاول تحديد المعنى في مصداق معين، وتجسيد المفهوم في ذهن ضمن واقع خاص.
وقد يتساءل هنا عن الضرورة التي دعت القرآن الكريم إلى أن يتعرض لمثل هذه المعاني التي يستعصي تفسيرها على الذهن البشري، فيخلق بذلك صعوبات ومشاكل هو في غنى عنها.
ولكن الواقع أن القرآن الكريم لم يكن بإمكانه أن يتفادى هذه الصعوبات والمشاكل، لأن القرآن بوصفه كتاب دين يستهدف بصورة رئيسية ربط البشرية بعالم الغيب، وتنمية غريزة الإيمان بالغيب فيها. ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق تلك المواضيع التي تنبه الإنسان إلى صلته بعالم أكبر من العالم المنظور، وإن كان غير قادر على الإحاطة بجميع أسراره وخصوصياته.
ـــــــــــ
(1)سورة الحديد، آية: ٢٧ .
(2)سورة المؤمنون، آية: ١٨
(3) سورة البقرة، آية: ١٨٥.
(4) سورة المائدة، آية: ١٥ .
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)