قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد ابو القاسم الخوئي
عن الكاتب :
مرجع شيعي كبير، ورئيس الحوزة العلمية في النجف

تواتر القرآن من الضروريات

 

السيد أبو القاسم الخوئي
مقدمة
قد أسلفنا في التمهيد من بحث " أضواء على القراء" بعض الآراء حول تواتر القراءات وعدمه وأشرنا إلى ما ذهب إليه المحققون من نفي تواتر القراءات، مع أن المسلمين قد أطبقوا على تواتر القرآن نفسه.
والآن نبدأ بالاستدلال على ما اخترناه من عدم تواترها بأمور:
الاول: إن استقراء حال الرواة يورث القطع بأن القراءات نقلت إلينا بأخبار الآحاد. وقد اتضح ذلك فيما أسلفناه في تراجمهم فكيف تصح دعوى القطع بتواترها عن القراء. على أن بعض هؤلاء الرواة لم تثبت وثاقته.
الثاني: إن التأمل في الطرق التي أخذ عنها القراء، يدلنا دلالة قطعية على أن هذه القراءات إنما نقلت إليهم بطريق الآحاد.
الثالث: اتصال أسانيد القراءات بالقراء أنفسهم يقطع تواتر الأسانيد حتى لو كانت رواتها في جميع الطبقات ممن يمتنع تواطؤهم على الكذب، فإن كل قارئ إنما ينقل قراءته بنفسه.
الرابع: احتجاج كل قارئ من هؤلاء على صحة قراءته، واحتجاج تابعيه على ذلك أيضًا، وإعراضه عن قراة غيره دليل قطعي على أن القراءات تستند إلى اجتهاد القراء وآرائهم، لأنها لو كانت متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتج في إثبات صحتها إلى الاستدلال والاحتجاج.
الخامس: إن في إنكار جملة من أعلام المحققين على جملة من القراءات دلالة / صفحة 152 / واضحة على عدم تواترها، إذ لو كانت متواترة لما صح هذا الإنكار فهذا ابن جرير الطبري أنكر قراءة ابن عامر، وطعن في كثير من المواضع في بعض القراءات المذكورة في السبع، وطعن بعضهم على قراءة حمزة، وبعضهم على قراءة أبي عمرو، وبعضهم على قراءة ابن كثير.
وأن كثيرا من العلماء أنكروا تواتر ما لا يظهر وجهه في اللغة العربية، وحكموا بوقوع الخطأ فيه من بعض القراء وقد تقدم في ترجمة حمزة إنكار قراءته من إمام الحنابلة أحمد، ومن يزيد بن هارون، ومن ابن مهدى ومن أبي بكر بن عياش، ومن ابن دريد.
قال الزركشي: - بعدما اختار أن القراءات توقيفية - خلافًا لجماعة منهم الزمخشري، حيث ظنوا أنها اختيارية، تدور مع اختيار الفصحاء، واجتهاد البلغاء، ورد على حمزة قراءة "والأرحام" بالخفض، ومثل ما حكي عن أبي زيد، والأصمعي، ويعقوب الحضرمي أنهم خطأوا حمزة في قراءته "وما أنتم بمصرخي" بكسر الياء المشددة، وكذلك أنكروا على أبي عمرو إدغامه الراء في اللام في "يغفر لكم".
وقال الزجاج: "إنه غلط فاحش".

 

تصريحات نفاة تواتر القراءات:
وقد رأينا من المناسب أن نذكر من كلمات خبراء الفن ممن صرح بعدم تواتر القراءات ليظهر الحق في المسألة بأجلى صوره: (1) هو عبد الرحمن بن مهدي قال في تهذيب التهذيب ج 6 ص 280: قال أحمد بن سنان: سمعت علي بن المديني يقول: " كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس"، قالها مرارًا.
وقال الخليلي: "هو إمام بلا مدافعة".
وقال الشافعي: "لا أعرف له نظيرًا في الدنيا ". (2)
قال ابن الجزري: "كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمال، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة، أو شاذة، أو باطلة سواء كانت من السبعة أم عمن هو أكبر منهم".
هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف.
صرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، ونص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب، وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي، وحققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه.
وقال أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز: "فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة، وإنها هكذا أنزلت، إلا إذا دخلت في ذلك الضابط، وحينئذ لا يتفرد بنقلها مصنف عن غيره، ولا يختص ذلك بنقلها عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة، فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم، وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم: تركتن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم". (3)
وقال ابن الجزري أيضًا: "وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن.
هذا مما لا يخفى ما فيه، فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجب قبوله، وقطع بكونه قرآنًا سواء وافق الرسم أم خالفه، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف، الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم.
ولقد كنت - قبل - أجنح إلى هذا القول، ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف".
وقال الإمام الكبير أبو شامة في مرشده: "وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين، وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي كل فرد فرد ما روي عن هؤلاء السبعة.


قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب.
ونحن بهذا نقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق، واتفقت عليه الفرق، من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها".
وقال السيوطي: وأحسن من تكلم في هذا النوع إمام القراء في زمانه شيخ شيوخنا أبو الخير ابن الجزري. قال في أول كتابه - النشر - كل قراءة (4) وافقت العربية.
فنقل كلام ابن الجزري بطوله الذي نقلنا جملة منه آنفًا.
ثم قال: قلت: أتقن الإمام ابن الجزري هذا الفصل جدًّا".
وقال أبو شامة في كتاب البسملة: "إنا لسنا ممن يلتزم بالتواتر في الكلمات المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف، وتصفح القراءات وطرقها".
 وذكر بعضهم: "إنه لم يقع لأحد من الائمة الأصوليين تصريح بتواتر القراءات، وقد صرح بعضهم بأن التحقيق أن القراءات السبع متواترة عن الأئمة السبعة بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات، وهي نقل الواحد عن الواحد".
وقال بعض المتأخرين من علماء الأثر: "ادعى بعض أهل الأصول تواتر كل واحد من القراءات السبع، وادعى بعضهم تواتر القراءات العشر وليس على ذلك إثارة من علم.
وقد نقل جماعة من القراء الإجماع على أن في هذه القراءات ما هو متواتر، وفيها ما هو آحاد، ولم يقل أحد منهم بتواتر كل واحد من السبع (5)(6)(7) فضلُا عن العشر، وإنما هو قول قاله بعض أهل الاصول.
وأهل الفن أخبر بفنهم".
وقال مكي في جملة ما قال: "وربما جعلوا الاعتبار بما اتفق عليه عاصم ونافع فإن قراءة هذين الإمامين أولى القراءات، وأصحها سندًا، وأفصحها في العربية". (8) وممن اعترف بعدم التواتر حتى في القراءات السبع: الشيخ محمد سعيد العريان في تعليقاته، حيث قال: "لا تخلوا إحدى القراءات من شواذ فيها حتى السبع المشهورة فإن فيها من ذلك أشياء".
وقال أيضًا: "وعندهم أن أصح القراءات من جهة توثيق سندها نافع وعاصم، وأكثرها توخيًا للوجوه التي هي أفصح أبو عمرو، والكسائي".
ولقد اقتصرنا في نقل الكلمات على المقدار اللازم، وستقف على بعضها الآخر أيضًا بعيد ذلك.
تأمل بربك.
هل تبقى قيمة لدعوى التواتر في القراءات بعد شهادة هؤلاء الأعلام كلهم بعدمه؟ وهل يمكن إثبات التواتر بالتقليد، وباتباع بعض من ذهب إلى تحققه من غير أن يطالب بدليل، ولا سيما إذا كانت دعوى التواتر مما (9) يكذبها الوجدان؟ (10) وأعجب من جميع ذلك أن يحكم مفتي الديار الأندلسية أبو سعيد بكفر من أنكر تواترها !!! لنفرض أن القراءات متواترة، عند الجميع، فهل يكفر من أنكر تواترها إذا لم تكن من ضروريات الدين، ثم لنفرض أنها بهذا التواتر الموهوم أصبحت من ضروريات الدين، فهل يكفر كل أحد بإنكارها حتى من لم يثبت عنده ذلك ؟! اللهم إن هذه الدعوى جرأة عليك، وتعد لحدودك، وتفريق لكلمة أهل دينك !!!
________________________________________
1- التبيان ص 106 للمعتصم بالله طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري. طبع في مطبعة النار سنة 1334.
2- التبيان ص 87.
3- النشر في القراءات العشر ج 1 ص 9.
4- النشر في القراءات العشر ج 1 ص 13.
5- الاتقان النوع 22 - 27 ج 1 ص 129.
6- التبيان ص 102.
7- نفس المصدر ص 105.
8- التبيان ص 106.
9- اعجاز القرآن للرافعي، الطبعة الرابعة ص 52، 53.
10- نفس المصدر ص 90.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد