من وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، تلاوة القرآن: "وعليك بتلاوة القرآن على كلّ حال"(1). وإنّ عقلنا القاصر لا يستوعب فضيلة تلاوته، وحمله، وتعلّمه، والتمسّك به، وملازمته، والتدبّر في معانيه وأسراره.
* التدبّر في آيات الله
لقد وردت أحاديث كثيرة تأمرنا بالرجوع إلى القرآن، والتعمّق والتدبّر في آياته، والتفكّر في معانيه، والتمعّن والتأمّل في الآيات الكريمة الإلهيّة، واستيعاب المعارف والحِكَم والتوحيد من القرآن العظيم، فقد نُقل عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر"(2).
وعن الزُّهري قال: سمعت عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: "آيات القرآن خزائن، فكلّما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر فيها"(3).
* ثواب تلاوة القرآن
عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كُتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كُتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كُتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كُتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كُتب له قنطار من تبر [برّ]، القنطار خمسة عشر ألف مثقال من ذهب، والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً أصغرها مثل جبل أُحد وأكبرها ما بين السماء إلى الأرض"(4). وجاء في أحاديث كثيرة أنّ قراءة القرآن تتمثّل في صورة بهيّة جميلة تشفع لأهله وقرّائه.
* "اختلط القرآن بلحمه ودمه"
في الحديث عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: "من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن، اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عزّ وجلّ مع السفَرة الكرام البررة..."(5). يتبيَّن من هذا الحديث الشريف أنّ المطلوب من تلاوة القرآن الكريم هو أن يتحوّل باطن الإنسان، حسب استعداده وأهليّته، إلى كلام الله المجيد والقرآن الكريم.
ويتمّ بالقرآن الكريم التأثّر القلبيّ والتحوّل الباطنيّ بصورة أفضل خلال فترة الشباب؛ لأنّ قلب الفتى لطيف وبسيط وذو نقاء وصفاء أكثر، وأنّ وارداته قليلة، وتضارب الأفكار وتهافتها فيه قليل؛ فيكون شديد الانفعال والتأثّر وسريع التقبّل.
* من آداب تلاوة القرآن
إنّ المبتغى من خلال تلاوة القرآن هو ارتسام صورة القرآن في القلب، وتأثير الأوامر والنواهي فيه، وتثبيت الأحكام والتعاليم الإلهيّة، ولا يتحقّق هذا إلّا في ظلّ مراعاة آداب القراءة. وليس الهدف من الآداب ما هو المعروف لدى بعض القرّاء من الاهتمام البالغ بمخارج الألفاظ، وأداء الحروف، والغفلة عن المعاني. إنّ هذا يعدّ من مكائد الشيطان، حيث يلتهي الإنسان المؤمن إلى آخر عمره بألفاظ القرآن، وينسى نهائيّاً استيعاب سرّ نزول القرآن، وحقيقة الأوامر والنواهي، والدعوة إلى المعارف الحقّة، والخلق الفاضل الحسن. ومن هذه الآداب:
1- الإخلاص في القراءة: من الآداب اللازمة في قراءة القرآن، والتي لها دور أساس في التأثير في القلب، والتي لا يكون من دونها لأيّ عمل أهميّة وشأن، بل يعدّ ضائعاً وباطلاً وباعثاً على السخط الإلهيّ، هو الإخلاص؛ فإنّه ركن أصيل للانطلاق إلى المقامات الأخرويّة، ورأس مال في التجارة الأخرويّة.
وقد ورد في هذا الباب أيضاً أخبار كثيرة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من تعلّم القرآن فلم يعمل به، وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتها، استوجب سخط الله، وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم. ومن قرأ القرآن يريد به سمعةً والتماسَ الدنيا، لقي الله يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم. ومن قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وتفقّهاً في الدين، كان له من الثواب مثل جميع ما أعطي الملائكة والأنبياء والمرسلون..." (6).
2- الترتيل في التلاوة: ومن آداب قراءة القرآن الكريم الذي يبعث على التأثير في النفس، ويجدر بالقارئ أن يراعيه، هو الترتيل في التلاوة، وهو كما في الحديث عبارة عن الحدّ الوسط بين السرعة والعجلة من جهة، والتأنّي والفتور المفرطين الموجبين لتفرّق الكلمات وانتشارها من جهة أخرى.
عن محمّد بن يعقوب بإسناده عن عبد الله بن سليمان قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ (المزمل: 4) قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: تبيّنه تبياناً ولا تهُذّه هذّ الشعر، ولا تنثُره نثر الرمل، ولكن أفزعوا [أفرغوا] قلوبكم القاسية، ولا يكن هَمّ أحدكم آخر السورة"(7) (أي لا يكن هدفكم ختم القرآن في أيّام معدودة أو الإسراع في قراءة السورة والبلوغ إلى آخرها).
وقد ورد في الأحاديث الشريفة، الأمر بقراءة القرآن بصوت حزين وجميل، فعن عليّ بن محمّد النوفليّ، عن أبي الحسن عليه السلام قال: ذكرتُ الصوت عنده، فقال: "إنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان يقرأ فرُبّما مرّ به المارّ فصَعِقَ من حُسن صوته، وأنّ الإمام لو أظهر من ذلك شيئاً لما احتمله الناس من حُسنه..."(8). ونحن عندما نريد أن نُري الناس صوتنا الحسن وأنغامه الجميلة، نلتجئ إلى قراءة القرآن أو الأذان، ومن دون أن نستهدف تلاوة القرآن والعمل بهذا الاستحباب.
وعلى كلّ حال، إنّ مكائد الشيطان وأضاليل النفس الأمّارة كثيرة، وغالباً يلتبس الحقّ بالباطل، والحسن بالقبيح، فيجب أن نلوذ إلى الله سبحانه، ونعوذ به من هذه الأشراك والأفخاخ.
ـــــــــــ
مجلة بقية الله
(1) المحاسن، البرقيّ، ج1، ص17.
(2) الكافي، الكلينيّ، ج1، ص36.
(3) (م.ن).
(4) (م.ن)، ص612.
(5) الوافي، الفيض الكاشاني، ج9، ص1699.
(6) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج6، ص184.
(7) الكافي، (م.س)، ج2، ص614.
(8) (م.ن)، ص615.
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)