قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

كيف يأنس المؤمن بالقرآن الكريم؟ (2)

أصناف قرّاء القرآن

ويروي في الكافي أيضاً بإسناده عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام أنّه قال: قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتّخذه بضاعة واستدرّ به الملوك واستطال به على الناس. ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده وأقامه إقامة القدح[1] فلا كثّر الله هؤلاء من حملة القرآن، ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه، فأسهر به ليله، وأظمأ به نهاره، وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع الله العزيز الجبّار البلاء، وبأولئك يديل الله عزّ وجلّ من الأعداء[2]، وبأولئك ينزل الله عزّ وجلّ الغيث من السماء، فوالله لَهؤلاء في قرّاء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر![3]

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه.[4]

 

أهميّة قراءة القرآن في البيوت

وقد وردت في ذلك روايات كثيرة:

منها ما في الكافي بإسناده عن ليث بن أبي سليم، رفعه قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن، ولا تتّخذوها قبوراً كما فعلت اليهود والنصارى، صلّوا في الكنائس والبيع وعطّلوا بيوتهم، فإنّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره واتّسع أهله [5] وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا.[6]

ويروي في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: إنّ البيت إذا كان فيه المرء المسلم يتلو القرآن يتراءاه أهل السماء كما يتراءى أهل الدنيا الكوكب الدريّ في السماء.[7]

كما أنّه ورد في الكافي عن ابن القدّاح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: البيت الذي يُقرأ فيه القرآن، ويُذكر الله عز وجل فيه، تكثر بركته، وتحضـره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيئ لأهل السماء كما تضيئ الكواكب لأهل الأرض. وإنّ البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن، ولا يُذكر الله عز وجل فيه، تقلّ بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين.[8]

 

لزوم التأنّي في قراءة القرآن

ولكن من الضروريّ أن يتأنّى قارئ القرآن في قراءته ليستفيد من معانيه.

فقد ورد في الكافي بإسناده عن محمّد ابن عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أقرأ القرآن في ليلة؟ قال: لا يعجبني أن تقرأه في أقلّ من شهر.[9]

ويروي في الكافي أيضاً عن عليّ بن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو بصير: جعلت فداك أقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال: لا، قال: ففي ليلتين؟ قال: لا، قال: ففي ثلاث؟ قال: "ها" وأشار بيده [يريد أنّه لا إشكال في ذلك]، ثم قال: يا أبا محمّد إنّ لرمضان حقاً وحرمة لا يشبهه شيء من الشهور، وكان أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله) يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقل، إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة[10] ولكن يرتّل ترتيلاً؛ فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فقف عندها، وسل الله عز وجلّ الجنّة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار، فقف عندها وتعوَّذ بالله من النار.[11]

وفي الكافي عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية.[12]

 

أهميّة قراءة القرآن بصوت حسن

وممّا ينبغي مُراعاته أثناء قراءة القرآن الصوت الحسن، فمن المناسب جدّاً للإنسان أن يقرأ القرآن بصوت جيّد وفي حالة من الحزن.

يروي في الكافي بإسناده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): لكلّ شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن.[13]

ويروي أيضاً في الكافي عن عليّ بن إسماعيل الميثمي عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما بعث الله نبيّاً إلّا حسن الصوت.[14]

وفي الكافي أيضاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان عليّ بن الحسين (صلوات الله عليه) أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يسمعون قراءته، وكان أبو جعفر (عليه السلام) أحسن الناس صوتاً.[15]

وكذلك يحدّث في الكافي بإسناده عن عليّ بن محمّد النوفلي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ذكرت الصوت عنده فقال: إنّ عليّ بن الحسين (عليهما السلام) كان يقرأ فربّما مرّ به المارّ فصعق من حسن صوته، وإنّ الامام لو أظهر من ذلك شيئاً لما احتمله الناس من حسنه، قلت: ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟ فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحمّل الناس من خلفه ما يطيقون.[16]

 

الابتداء بالاستعاذة

وبالجملة، ينبغي للقارئ إضافة إلى ما ذكر، أن يلوذ ويلجأ إلى الله سبحانه ويستعيذ به: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}‏[17] ومن الواضح أنّ الاستعاذة به سبحانه ليست مجرّد قول «أعوذ بالله»، بل ينبغي تسليم القلب إليه سبحانه، ونسيان ما عداه عند قراءة القرآن، وأن يكون الابتداء بالقراءة بالتفكّر والتأمّل، سواء كانت قراءة القرآن للصلاة أو لغيرها.

ينقل حسن بن عليّ بن شعبة الحرّاني في تحف العقول عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه، ولا في قراءة ليس فيها تدبّر.[18]

ـــــــــــــــــــــــــــ

[1] ـ قال في مرآة العقول: إقامة القدح كأنّه تأكيد للفقرة الأولى أعني حفظ الحروف. [والمعنى أنّ هذا القارئ يتعاطى مع القرآن كما يتعاطى الناس مع السهام التي تحدّد ويصفّ بعضها إلى جنب بعض، لتستخدم عند الرماية، فهذا القارئ يقوم أيضاً برعاية الحروف والآيات وتجويد لفظها من حيث مخارج الحروف ومواضع الوقف وسائر جوانب الظاهر].

[2] ـ [والمعنى أنّ الله تعالى بهذا النوع من القرّاء يجعل الدولة للمؤمنين فتكون بيدهم الحكومة والولاية بعد أن يأخذها من أيدي الأعداء].

[3] ـ الكافي، ج2، ص 627.

[4] ـ المحجّة البيضاء، ج2، ص 219. [والمراد بالكبريت الأحمر ما يسمّى بالإكسير، وهو الشيء الذي إذا وضع على النحاس حوّله ذهباً، وهو يختلف عن الكيمياء، فهي عبارة عن تركيبات خاصّة تنتج الذهب في ظروف معيّنة].

[5] ـ الكافي، ج2، ص 610. [أي زادوا].

[6] ـ الكافي، ج2، ص 610.

[7] ـ المصدر نفسه.

[8] ـ المصدر نفسه، ص 617.

[9] ـ المصدر نفسه.

[10] ـ الهذرمة: السرعة فى القراءة.

[11] ـ المصدر السابق نفسه.

[12] ـ المصدر نفسه، ص 609.

[13] ـ المصدر نفسه، ص 615. [والمعنى أنّ الصوت الحسن زينة القرآن وجماله].

[14] ـ المصدر نفسه، ص 616.

[15] ـ المصدر نفسه.

[16] ـ الكافي، ج2، ص 615.

[17] ـ سورة النحل (16) آية 98.

[18] ـ تحف العقول، رواه مرسلاً، ص204.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد