ما في القرآن آیة إلّا ولها ظهر وبطن، وربّما بطون، هي حقائقها الراهنة، الساریة الجاریة مع مختلف الأحوال ومتقلّبات الأزمان، یعرفها الراسخون في العلم، الذین ثبتوا علی الطریقة فسقاهم ربّهم شرابًا غدقًا..
وخیر وسیلة لفتح مغالق القرآن هو اللجوء الی أبواب (رحمة اللّه) ومنابع فیضه القدسي، أهل بیت الوحي، الذین هم أدری بما في البیت. فإنّ بیدهم مقالید هذه المغالق ومفاتیح هذه الأبواب...
فإنّهم عدل القرآن وأحد الثقلین الذین أوصی بهما الرسول الکریم (صلی اللّه علیه وآله) وفي کلماتهم الکثیر من الإرشادات إلى معالم القرآن وفهم حقائقه الناصعة، ممّا لا تجده في کلام غیرهم علی الإطلاق..
من ذلك ما ورد بشأن قوله تعالى: «أَوَلَمْ یَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها» [1].
وقوله- فی آیة أخری-: «أَفَلا یَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها» [2].
وهذا تهدید ووعید بالهلاك والدمار، إن لم یرضخوا لناموس الشریعة الغرّاء.. ولکن کیف هذا التهدید، وبم کان هذا الوعید؟ وقد فسّرها جلّ المفسّرین بغلبة الإسلام والتضایق علی بلاد الکفر والإلحاد، قال الثعالبي: إنّا نأتي أرض هؤلاء بالفتح علیك فننقصها بما یدخل فی دینك من القبائل والبلاد المجاورة لهم، فما یؤمّنهم أن نمکنك منهم أیضًا [3] وهکذا رجّحه ابن کثیر قال: وهو ظهور الإسلام علی الشرك قریة بعد قریة، کقوله تعالى: «وَلَقَدْ أَهْلَکْنا ما حَوْلَکُمْ مِنَ الْقُری» [4]. وهذا اختیار ابن جریر [5].
وقد ذهب ابن کثیر وغیره حتی سید قطب إلى أنّ السورة مکیّة، ولم یذکر أحد استثناء هذه الآیة منها. وسورة الأنبیاء مکیّة بلا خلاف ولم یذکروا سندًا لاستثناء الآیة منها.. الأمر الذي لا یلتئم مع هذا الاختیار في معنی الآیة..
ثم الآیة صریحة في نقصان أطراف الأرض، ولم یعهد اختصاص اسم الأرض بمکة المکرّمة..
نعم، فتح هذا المغلاق في وجه الآیة، وفسّرها تفسیرًا جلیًّا، ما جاء في کلام الإمام الصادق (علیه السلام) فیما رواه ابن بابویه الصدوق، قال: سئل الصادق (علیه السلام) عن هذه الآیة، فقال: «فقد العلماء» [6].
وذلك: أنّ الأرض، یراد بها المعمورة منها في أکثر الأحیان، کما في قوله تعالى: «أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ» [7]. وقد فهم منه الفقهاء- في حدّ المحاربین- نفیهم من عمارة الأرض، فلا یدخلوا بلدًا ولا یحلّوا دیارًا إلّا أخرجوا..
وإذا کانت عمارة الأرض، هي حصیلة جهود العلماء والاختصاصیّین من أهل العلم، فعفوك أنّ خرابها بفقد العلماء وذهاب الخیار من الصلحاء، فعند ذلك تفسد البلاد وتهلك العباد.. والروایات بهذا المعنى کثیرة عن الأئمة.. [8].
وقد تنبّه لذلك بعض الأقدمین، فیما روی عن ابن عباس: تخرّب قریة ویکون العمران في ناحیة. والنقصان نقصان أهلها وبرکتها .. وقال الشعبي:
تنقص الأنفس والثمرات. وفي روایة عن ابن عباس أیضًا: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخیر منها. قال مجاهد: هو موت العلماء [9].
قال تعالی: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ..» [10].
وقوله تعالی: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِیسَ أَبى وَاسْتَکْبَرَ» [11].
فقد أشکل على المفسّرین وجه هذا السجود والأمر به، ولا تجوز العبادة لغیر اللّه.! ومن ثم اختلفوا هل أنّه کان بوضع الجباه على الأرض، وأنّهم جعلوا آدم قبلة یسجدون للّه تعالى؟
نعم ورد الحدیث عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله) أنّه کان لآدم سجود طاعة، وللّه سجود عبادة .. وهو کنایة عن قیامهم بمصالح الإنسان عبر الحیاة، فإنّ قوی الطبیعة بأسرها مسخّرة لهذا الإنسان خاضعة تحت إرادته... والسجود هو الخضوع التامّ. قال الشاعر: تری الأکم فیها سجّدًا للحوافر. أي التلال مذلّلة لحوافر الخیول وهذا نظیر قوله تعالى- بشأن یوسف وإخوته-: «وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً» أي وقعوا على الأرض خضوعًا له.. علی وجه...
وقوله تعالى: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأی بُرْهانَ رَبِّهِ».
فلولا الامتناعیّة دلّت علی أنّ الهمّ من یوسف لم یقع.. سوی أنّ الذي منعه وعصمه من همّ المعصیة ماذا کان؟ فقیل: إنّه رأی صورة أبیه عاضًّا علی إصبعه.
وقیل غیر ذلك.. ممّا یتنافى وعصمة مقام النبوّة.. والصحیح ما هدانا إلیه الأئمة الراشدون: أنّه الإیمان الصادق الذی هو منشأ العصمة فی أنبیاء اللّه (علیهم السلام). بدلیل تعقیبه بقوله: «کَذلِك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِینَ» إشارة الی مقام عصمة الأنبیاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرعد: 41.
(2) الأنبیاء: 44.
(3) تفسیر الثعالبي: ج 2 ص 274.
(4) الأحقاف: 27
(5) تفسیر ابن کثیر: ج 2 ص 520- 521.
(6) تفسیر البرهان: ج 2 ص 302 ح 5.
(7) المائدة: 33.
(8) تفسیر البرهان: ج 2 ص 301- 302.
(9) مجمع البیان: ج 6 ص 300 و تفسیر ابن کثیر: ج 2 ص 520.
(10) الاعراف: 96.
(11) البقرة: 34.
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها
هل يمكن إثبات المعجزة علميًّا؟ (2)
أزمة العلمانية مع الإسلام