اسمُ ربِّك في الآية الشريفة هو لفظُ الجلالة "الله" وكذلك الأسماء المختصَّة بالله جلَّ وعلا مثل الرحمن والرحيم وسائر أسماءِ الله الحسنى.
تسبيح الاسم هو تسبيح المسمَّى:
والمقصود -ظاهراً- من الاسم المأمور في الآية بتسبيحه هو المسمَّى، فمعنى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ هو سبِّح ربَّك وقدِّسه وعظِّمه، فالاسم حين يُطلق يكون ملحوظاً لدى المتكلِّم باللِّحاظ الآلي، وأمَّا الملحوظ أولاً وبالذات فهو المسمَّى، وعليه فالمقصود من قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ هو الأمر بتسبيح الذات المقدَّسة المشار إليها بمثل لفظ الجلالة، ومعنى تسبيحها هو التنزيهُ لها عن كلِّ نقصٍ، وعن كلِّ ما لا يليق بالذات المقدَّسة وعمَّا لا يليقُ بساحة قدسها من الصفات والأفعال.
ولعلَّ ما يؤكِّد أنَّ المراد من الأمر بتسبيح الاسم هو تسبيح المسمَّى هو ما رُوي عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنَّه قال: "إذا قرأتَ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ فقلْ: سبحان ربِّيَ الأعلى وإن كان فيما بينك وبين نفسِك" فالإمام (ع) -بحسب الرواية- جعل امتثال الأمر بتسبيح الاسم تسبيح المسمَّى، فلم يجعل الامتثال "سبحان اسم ربِّي" وإنَّما جعله سبحان ربِّي الأعلى. وهذا ما يؤكد أنَّ المراد من الاسم هو المسمَّى.
وكذلك رُوي عن ابن عباس أنَّه" كان النبيُّ صلى الله عليه وآله إذا قرء: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ قال: سبحان ربِّيَ الأعلى" وكذلك رُويَ عن الإمام عليٍّ (ع) فتسبيحُ اسم الرب هو تسبيح ذات الربِّ جلَّ وعلا.
احتمال آخر لمعنى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾:
وثمة احتمالٌ آخر لمعنى قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ وهو الأمر بتنزيه الاسم، فلا يذكر معه ما لا يليقُ بالمسمَّى من الشركاء المزعومين، أو أن يُذكر الاسم وتُسند إليه ما لا يليق بساحة قدس المسمَّى من الصفات والأفعال كالعجز والجهل والغفلة، وكذلك فإنَّ معنى تسبيح الاسم هو تنزيه الاسم عن أنْ تُسمَّى به المعبودات المصطنعة كما يفعل المشركون فيُطلقون مثلاً اسم الإله أو اسم الربِّ أو اسم الرحمن على معبوداتهم، فالأمرُ بتسبيح اسم الربِّ جلَّ وعلا هو الأمر بتنزيه أسماء الله الحسنى وصفاته العليا عن أنْ يُسمَّى بها غير الله جلَّ علا من المعبودات المصطنعة، وكذلك يجب تنزيه الأسماء الحسنى والصفات العليا المختصةِ به تعالى عن أن تُسمَّى بها أو تُوصفَ بها غير الذات المقدَّسة من المخلوقات.
وبتعبير مجمل تنزيه اسم الله تعالى معناه هو تجريد ذكره -في مقام القول- عن كلِّ ما لا يليق ذكره عند ذكر اسمِه جلَّ وعلا، فكما يجب تنزيهه تعالى في مقام الفعل كذلك يجب تنزيهه في مقام الذكر. فيكون المراد من قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ هو أنَّه سبِّح اسم ربِّك الذي اتَّخذته ربَّاً فلا يكن في كلامك مع ذكر اسمِه بالربوبيَّة ذكر غيره بنحوٍ ينافي توحيد المسمَّى الذي اتَّخذته ربَّاً أو ينافي تنزيهه عن كلِّ ما لا يليق بساحة قدسه. هذا هو حاصل ما يُستفاد من كلمات السيِّد الطباطبائي.
الفرق بين سبِّح اسم وسبِّح باسم:
وأمَّا الفرق بين ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ وبين ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ فهو -بناءً على الاحتمال الأول- وهو أنَّ المراد من تسبيح الاسم هو تسبيح وتنزيه المسمَّى بناءً عليه يكون معنى ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ هو سبِّح الله تعالى وهو المسمَّى بواسطة ذكر أسمائه الحسنى وصفاته العليا، يعنى نزِّه الذات المقدَّسة من طريق الذكر لأسمائه وصفاته، كما هو معنى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أي فسبِّح الله تعالى بواسطة حمده والثناء عليه، فالباء للآلة يعني للاستعانة. كما يُقال احمل زيدًا بدابتك، واشرب الماء بالكوز.
وعليه فلا فرق بين معنى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ ومعنى ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ فالمقصود من كلا الآيتين هو الأمر بتقديس وتنزيه الذَّات المقدسَّة، غايته أنَّ الأمر بالتنزيه في الآية يكون بذكر أسمائه وصفاته.
وأمَّا بناءً على الاحتمال الثاني وهو أنَّ معنى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ هو تسبيح الاسم وتنزيهه -مثلاً- عن استعماله في المعبودات المصطنعة فإنَّ معنى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ مختلفٌ عن معنى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ لأنَّ معنى الآية الثانية هو تسبيح المسمَّى وهي الذات المقدسَّة بواسطة الذكر لأسمائه العليا وصفاته اللائقة بساحة قدسه. فيكون معنى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ هو تسبيح الاسم ومعنى ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ هو تسبيح المسمَّى.
هذا بناءً على أنَّ الباء للاستعانة، وأمَّا بناءً على أنَّ الباء زائدة -كما قيل- فلا فرق بين سبِّح اسم ربك، وسبح باسم ربِّك، فالمقصود من كلا الصياغتين إمَّا الأمر بتسبيح الاسم عمَّا يُسيء للمسمَّى أو أنَّ المراد من تسبيح الاسم هو تسبيح المسمَّى.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (4)
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم