وهذا يعود إلى تعدّد الأغراض التي تَهدِفُها القصّة في مجال التربية، وليست القصّة إذا ذُكرت مرّةً استَنفَدَت أغراضَها الدينيّة والتربويّة، ليكون التحدّث عنها مرّةً أُخرى عبثاً وتَكراراً للمـُكرَّر!
القصّة إذا كانت ذات جوانب عديدة فإنّها إنّما تُذكر كلّ مرّة بلحاظ جانبٍ منها مُناسب للحال والمقام، وقد يُعفى هذا الجانب ويُلحظ جانب آخر في مناسبة أُخرى وهكذا لعدّة مرّات.
وأكثر القَصَص تَكراراً في القرآن حديث موسى وفرعون وتأريخ حياة بني إسرائيل؛ ذلك أنّ اليهود كانت جاورَت العرب مُنذ حين، وكانت العرب تعرف مِن شأنهم وتُعظِّم مِن قَدْرِهم ما لا تكاد تعرفه أو تُقدِّره من سائر الأُمَم، وكانت الأدوار التي مرّت على حياة بني إسرائيل ومواقفهم مع الأنبياء أشبه بحالات كانت تَعتَور العرب حين ظهر الإسلام، فكانت العلاقة وثيقة بين الحياتَينِ، تلك في غابرها الماضي وهذه في حاضرها الراهن.
والمـُلاحَظ في تَكرار قصّة نبيّ اللّه موسى (عليه السلام) الفَرق بين رُوحها العامّة عندما تُذكر في السور المكّيّة، ورُوحها في السور المدنيّة، فإنّما تؤكِّد في القَصَص المكّي منها على العلاقة العامّة بين موسى من جانبٍ وفرعون وملأه مِن جانبٍ آخر، دون أنْ تَذكر أوضاع بني إسرائيل تجاه موسى نفسه، إلاّ في موردَينِ يُذكر فيهما انحراف بني إسرائيل عن العقيدة الإلهيّة بشكلٍ عام، وهذا بخلاف الروح العامّة لقصّة موسى في السور المدنيّة، فإنّها تتحدّث عن علاقة موسى مع بني إسرائيل، وتتحدّث عن هذه العلاقة وارتباطها بالمشاكل الاجتماعيّة والسياسيّة.
وهذا قد يدلّنا على أنّ هذا التَّكرار للقصّة في السور المكّيّة إنّما كان؛ لمعالجةٍ روحيّةٍ تتعلّق بحوادث مُختلفة واجهَتْ النبيّ والمسلمين ومشاكلهم مع المشركينَ، ومِن أهداف هذه المـُعالجة تَوسِعَة نِطاق المـَفهوم العامّ الذي تُعطيه القصّة في العلاقة بين النبيّ والجبّارين مِن قومه، وأنّ هذه العلاقة لا تختلف فيها حادثة عن حادثة أو موقف عن موقف، والتأريخ يُكرِّر نفسه.
وهكذا يختلف سرد قَصَص نوح وإبراهيم وسائر الأنبياء، باختلاف الأحوال التي كان يُعالجها المسلمون في طُول الدعوة، فأطواراً بمكّة وأطواراً بالمدينة حسب تغيّر الأوضاع.
ومن الناحية الأدبيّة أيضاً نرى القرآن عندما يُكرِّر الحديث عن حادث أو عن ظاهرة طبيعيّة، فإنّه لا يُكرِّرها إلاّ وفي هذا التَّكرار نُكتة وظرافة لاحَظَها حَسَب المـُناسبة، الأمر الذي يزيد في بلاغة البيان القرآني وربّما إلى حدّ الإعجاز، إذ يعني ذلك: أنّ بإمكانه سرد قصّة واحدة بأنحاء وأشكال، كلّ مرّة يأتي بالعجيب من الكلام، بحيث لا يَملّ السامعُ من الإصغاء، حتّى ولو سَمِعها في عدّة مواطن، فإنّه لا يَمجّها لمرّة أُخرى وأُخرى؛ لِما في كلّ مرّة من طَراوةٍ وإبداءِ شيء جديد، وفي كلّ جديد لذّة! وقد عُدّ ذلك وجهاً من وجوه إعجاز القرآن في بديع بيانه.
ولتاج القُرّاء أبي القاسم محمود بن حمزة الكرماني تَصنيف لطيف بهذا الشأن، ذَكَر فيه الفوارق البديعيّة في مُكرَّرات الآيات، وأبدع في ذلك... (1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
نُكَت وظُرف فيما تكرّر من الآيات، التمهيد، ج5.
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
د. سيد جاسم العلوي
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد صنقور
السيد علي عباس الموسوي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد جعفر مرتضى
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
مجاز القرآن بإطاره البلاغي العام (1)
معرفة النفس طريق إلى معرفة الله
اكتشاف حالة نصف نارية نصف ثلجة جديدة في مادة مغناطيسية
اختطاف عشوائي، جديد (أضواء) للفنون المسرحيّة
المحطّة الأولى من سفر الكمال.. وشروطها العشرة
التطور التاريخي لفيزياء الجسيمات الأولية (1)
غربال العمر، جديد الكاتبة نازك الخنيزي
صناعة الله تعالى
اختتام حملة (ومن أحياها)، بنسختها الثّانية والعشرين
مجاز القرآن عند الرّوّاد الأوائل