قرآنيات

المن والأذى من الأعمال التي تبطل الصّدقة

الفيض الكاشاني

 

قال تعالى :{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262]

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} المن أن يعتد بإحسانه على من أحسن إليه، والأذى أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه، وثم للتفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدة أخبار، أن الله كره عدة خصال وعد منها المن بعد الصدقة.

 

وفي المجمع والقمي عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أسدى إلى مؤمن معروفًا ثم أذاه بكلام أو منّ عليه فقد أبطل الله صدقته.

قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264]

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، العياشي عنهما (عليهما السلام) نزلت في عثمان وجرت في معاوية وأتباعهما.

وعن الباقر (عليه السلام) {بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، لمحمد وآل محمد قال هذا تأويله.

 

{كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} لا يريد به رضاء الله ولا ثواب الآخرة فمثله في إنفاقه {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} حجر أملس {عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} مطر عظيم القطر {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} أملس نقيًّا من التراب {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} لا ينتفعون بما فعلوه ولا يجدون ثوابه {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} إلى الخير والرشاد وفيه تعريض بأن الرياء والمن والأذى على الإنفاق من صفة الكفار ولا بد للمؤمن أن يتجنب عنها.

قال تعالى:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 265]

 

{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} القميّ، عن المن والأذى.

أقول: يعني يوطنون أنفسهم على حفظ هذه الطاعة وترك اتباعها مما يفسدها من المن والأذى والسمعة والرياء والعجب ونحوها بعد إتيانهم بها ابتغاء مرضات الله.

 

العياشي عن الباقر (عليه السلام) أنها نزلت في علي (عليه السلام).

{كَمَثَلِ جَنَّةٍ} أي مثل نفقتهم في الزكاة كمثل بستان {بِرَبْوَةٍ} أي في موضع مرتفع فإن شجره يكون أحسن منظرًا وأزكى ثمرًا وأمنع من أن يفسده السيل بالوابل ونحوه {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا} ثمرتها وقرأ بالتخفيف {ضِعْفَيْنِ} مثلما كانت تثمر بسبب الوابل.

 

في المجمع عن الصادق (عليه السلام) معناه يتضاعف ثمرتها كما يتضاعف أجر من أنفق ماله ابتغاء مرضات الله، فإن لم يصبها وابل فطل فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها، والطلّ يقال لما يقع بالليل على الشجر والنبات، قيل إن المعنى أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضم إليها من الأحوال ويجوز أن يكون التمثيل لحالهم عند الله تعالى بالجنة على الربوة ونفقاتهم الكثيرة والقليلة الزائدتين في زلفاهم بالوابل والطل، والله بما تعملون بصير، تحذير عن رياء وترغيب في الإخلاص.

قال تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]

 

{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} الهمزة فيه للإنكار {أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} جعل الجنة منهما مع ما فيها من سائر الأشجار تغليبًا لهما لشرفهما وكثرة منافعهما، ثم ذكر أن فيها من كل الثمرات ليدل على احتوائها على سائر أنواع الأشجار، ويجوز أن يكون المراد بالثمرات المنافع {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} أي كبر السن فإن الفاقة والغالة في الشيخوخة أصعب {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} صغار لا قدرة لهم على الكسب {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} والإعصار ريح عاصف ينعكس من الأرض إلى السماء مستديرة كعمود.

القمي عن الصادق (عليه السلام) من أنفق ماله ابتغاء مرضات الله، ثم امتن على من تصدق عليه كمن كان له جنة كثيرة الثمار وهو شيخ ضعيف له أولاد صغار ضعفاء فتجيء ريح أو نار فتحرق ماله كله، كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون فيها فتعتبرون بها.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد