قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

الدور التربويّ والتعليميّ للقرآن الكريم

إنّ إدراكنا للدور التربويّ والتعليميّ لكتاب الله المجيد ينبع من فهمنا ومعرفتنا بماهيّته وحقيقته. ولأنّه كلام الله، ولأنّ كلام الله عين إرادته، ولأنّ إرادة الله عين صفاته وأسمائه، ولأنّ الإنسان قاصرٌ عن الإحاطة بصفات الله وكنه أسمائه، فلا يمكن لأحدٍ أن يحيط بحقيقة القرآن ويستوعب ما يتضمّنه؛ إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ البشر قاصرون عن فهم الكثير من مراتب تنزّله وعاجزون عن معرفة كلّياته وما يمثّله.

 

إنّ أحد أجمل المعاني التي تقرّبنا من معرفة القرآن هو أنّه روح الله وفيضه الذي يحمل كلّ كمالٍ وخيرٍ مبثوث ومُرسل إلى الناس. ولأنّ الله تعالى يفيض بالكمال المطلق، فالقرآن هو مظهر الكمال المطلق الـمُنزّل إلى البشر. إنّه القدرة الإلهيّة والعلم الربّانيّ والرّحمة الواسعة وكلّ الكمالات التي تبثّها الذات الإلهيّة بحكم: {وما كان عطاء ربك محظورًا} [سورة الإسراء، الآية 20]؛ وبحكم: {عطاء غير مجذوذ} [سورة هود، الآية 108].

 

فإذا كان الإنسان عبارة عن الاستعداد والوعاء الذي يمكن أن يستقبل الكمال المطلق ويتّصل به، فإنّ القرآن هو هذا الكمال الذي أوصله الله تعالى لعباده. وهل هناك غاية تربويّة أعلى وأسمى من هذه الغاية؟! وفي ظلّ اتّصال الإنسان والمجتمع بكتاب الله، يتحرّك كلٌ منهما على طريق كماله وعزّته وازدهاره وسعادته.

 

لم تكن مشكلة المسلمين يومًا في الحرمان من أيّ عطاءٍ إلهيّ، وإنّما كانت في طريقة اتّصالهم بهذا العطاء المطلق. ولم يحتجب الله عن خلقه ولم يحجب عنهم وسيلة الاتّصال به، وإنّما احتجبوا عنه بسوء أفعالهم وجهلهم بحقيقة القرآن ودوره وكيفية الاستفادة منه. ويبدو أنّ بعض المحاولات التربويّة في هذا المجال بحاجة ماسّة إلى إعادة النظر بمناهجها وطرقها في إيصال المعاني والفيوضات القرآنيّة إلى الناس؛ ومنها على سبيل المثال، التفاسير، مع ما قدّمته من خدماتٍ جليلة. ومنها أيضًا المناهج المدرسيّة المعاصرة.

 

ولأجل ذلك، نريد أن نسلّط الضوء على الأبعاد التربويّة والتعليميّة لكتاب الله أوّلًا، حتى يصحّ طرح الرؤية المتعلّقة بكيفيّة الاستفادة منه ثانيًا. ولا ينبغي أن نُغفل الدور العظيم المتعلّق بالمجتمع وهدايته أثناء الحديث عن الدور الفرديّ. فللقرآن آثارٌ عظيمة على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، يمكن اعتبارها أهدافًا تربويّة يجب العمل على تحقيقها بواسطة التعامل التربويّ معه. فهو يصون الفرد والمجتمع من كلّ أشكال الشيطنة ويشفي الصدور من كلّ أنواع الأمراض والأسقام المعنويّة ـ وحتّى الجسمانية، ويُزكّي النفوس ويكمّلها، ويهدي إلى كلّ القيم اللازمة لبناء المجتمع الحضاريّ الأعلى ويرسّخها، وينشر السرور والسعادة والبهجة والانشراح، ويصلنا بمنبع العلم والمعرفة اللامتناهي ويكمّل القوى الإنسانيّة كافّة، ويفعّل الطّاقات الكامنة في كلّ المجالات النافعة ويقدّم الحكمة المطلقة، و..

 

إنّ في القرآن القدرة على صيانة المجتمع من كلّ الغزوات الشيطانيّة، التي يقوم بها الغرب عامدًا متعمّدًا من أجل القضاء على إنسانيّتنا وثقافتنا وقيمنا ومعنويّاتنا ورؤيتنا الكونيّة وعقائدنا وإسلامنا. وهو يكشف كل أنواع المؤامرات والدسائس، التي يقوم بها الكفّار والفاسقون، ويعرّفنا عليهم ويزيح الأقنعة الجميلة عن وجوههم البشعة ويزيدنا وعيًا وإدراكًا بطبيعتهم وصفاتهم ونواياهم وأعمالهم، ويمكّننا من تشخيص العدوّ الحقيقيّ ومعرفة الصديق الواقعيّ. ولا يمكن أن نجد مؤامرة أو خطّة خبيثة يعمل المجرمون عليها، إلّا وللقرآن طريقته في كشفها وفضحها وحتى تثبيطها وإفشالها. ولو انتشرت ثقافة القرآن وروحيّته في المجتمع، لأمِن المجتمع من جميع المكائد التي يحوكها أعداؤه.

 

إنّ القرآن العزيز يهدي لدين الله الذي أرسله للبشريّة كافّة، ويجعل أتباعه رساليّين (وهجوميّين بالمعنى الثقافي في الحرب الناعمة). وبدل أن يتقوقعوا في أصداف العزلة والخوف والتخلّف، يصنع منهم أشخاصًا يحملون همّ هداية البشريّة وإنقاذ العالم وتخليص الشعوب وتحرير المستضعفين والقضاء على الظلم. فكيف يمكن لأمثال هؤلاء أن ينهزموا أمام هجمات الحرب الناعمة والصلبة ويسقطوا ويصبحوا عملاء للغرب المتوحّش؟!

 

يطرح القرآن قضايا الحياة المصيريّة ويقدّم الرؤية الإلهيّة العميقة لفهمها والتعامل معها، فيزوّد المتمسّكين بحبله بكل ما يحتاجون إليه من وعيٍ وبصيرة وعمقٍ فكريّ ومعنويّ. وهل يعاني المسلمون كل هذه المعاناة إلّا بسبب جهلهم بقضايا الحياة!

 

للقرآن القدرة على تفعيل القوى الإنسانيّة الكامنة وتكميلها. فنظامه اللغويّ العجيب أفضل وسيلة لتنمية الذكاء اللغويّ والبلوغ بالبيان الإنسانيّ إلى أعلى مستويات التأثير والساحريّة. وهو يأخذ بمجامع الخيال إلى مديات تفوق كل ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من حيث الإبداع الجميل والابتكار النافع في شتّى مجالات الحياة، التقنيّة والإداريّة والفنّيّة والجمالية والعلميّة والبيانيّة وغيرها. وبإمكان القرآن أن يكمّل عقول الناس إلى الدرجة التي لا تواجههم قضيّة إلّا ويقدرون على تمييز الكمال من النقص فيها، والخير من الشرّ، والضر من النافع، والحقّ من الباطل. وبذلك يحصلون على أعلى درجات الإستدلال والبرهان والكشف عن سُنن العالم وكلّيات الموضوعات، ولن ينخدعوا بعدها بأي مغالطة ولن يعتريهم شك أو يشتبه عليهم أمر.

 

وإذا كانت الفطرة الإلهيّة المودعة في الإنسان عبارة عن الانجذاب الشديد نحو الكمال (وما يمثّله الكمال من حقّ وفضيلة وجمال وحسن وخير ونفع)، فللقرآن القدرة على إحياء هذه الفطرة وتفعيلها وتكميلها وحتى صيانتها، من كلّ أشكال التشويهات التي ابتكرها الشيطان للإنسان والمجتمع.

 

ولا يخفى الدور الصحّيّ لهذا الكتاب المجيد، فهو يشفي الأبدان بشفاء النفوس من الأسقام، ويحرّك الأجساد نحو كمالها ويجلي الأبصار والعيون و...

 

فهذه هي القوى الإنسانيّة الأساسيّة وهذا هو القرآن، أنزله الله لسلامتها وصحّتها وتوازنها وتقويتها وتكميلها. وبتكميل هذه القوى تتحقّق الأرضيّة التامّة لاستقبال الكمالات الإلهيّة، التي جعلها الله في كتابه أيضًا. ويتحقّق للإنسان ذلك التفوّق والعلوّ الأعلى الذي يجعله أنموذجًا وقدوة للعالمين وقطبًا تهفو إليه القلوب والأفئدة، حيث تتهاوى تلك النماذج المزيّفة والمنحطّة لمشاهير الفنّ الهابط وأوهام الإبداع البائس.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد