القرآن - بصفته أهم مصدر إسلامي - يشتمل في هذا المجال كسائر المجالات على بحث كلي وأصولي، دون الخوض في التفاصيل، وبعبارة أخرى فإنّ القرآن يتابع ما كنّا عليه من أدلة عقلية وإلهامات فطرية، أي يخبر عن تحقق حكومة العدل العالمية في ظلّ الإيمان.
وإليك طائفة من الآيات التي تعرضت لهذا الموضوع:
1 - نقرأ في الآيات 105 - 106 من سورة الأنبياء: «وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِي الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَومٍ عابِدِينَ ». ونسلط الضوء هنا على معاني بعض الكلمات. «أرض»: تطلق على الكرة الأرضية وتشمل أنحاء العالم كافة، إلّا أن تقوم قرينة خاصة على غير ذلك. «إرث»: لغوياً ما يقع في يد الشخص دون معاملة ومبادلة، ويطلق في القرآن الكريم على بعض الموارد على غلبة الصالحين للطالحين والسيطرة على إمكاناتهم.
«زبور»: تعني في الأصل كلّ كتاب، لكنها أطلقت عادة على كتاب «داود» الذي عبر عنه في العهد القديم بــ «المزامير»، وهو مجموعة من المناجاة والأدعية والوصايا لنبي اللَّه داود، كما يحتمل أن يكون المراد بالزبور جميع الكتب السماوية السابقة (قبل القرآن).
«ذكر»: تعني في الأصل كلّ مصدر للتذكير، لكنها فسرت في الآية بمعنى توراة موسى عليه السلام بدليل أنّها وردت قبل الزبور، وفسرت أيضاً بأنّها إشارة إلى القرآن الكريم، حيث وردت هذه المفردة في آياته: «إِنْ هُوَ إِلّا ذِكرٌ لِلعالَمِينَ» «1». وعليه فمعنى (من بعد) هو إضافة إلى. (ينبغي التمعن هنا).
«صالح»: معروف وحين ترد بصورة مطلقة تعني الصلاح في جميع الأمور من قبيل الكفاءة العلمية والأخلاقية، والصلاح من حيث الإيمان والتقوى والعلم والإدارة. فعليه يكون معنى الآية على هذا الأساس:
لقد كتبنا في الزبور بالإضافة إلى القرآن الكريم (أو التوراة) أنّ الأرض ستؤول إلى الصالحين من عباد اللَّه (أولئك الذين ينطلقون في مسار العبودية). وذكر هذا الموضوع في الزبور (إن كان بمعنى جميع الكتب السماوية السابقة) دليل على أنّ هذا الموضوع أصل ثابت في كلّ تلك الكتب.
وإن كان المراد منه كتاب داود فلعلّ ذلك لسعة حكومة داود الرامية لتطبيق الحقّ والعدل وضمان مصالح الناس؛ وإن كانت حكومة إقليمية وليست عالمية، لكن بشر الزبور بحكومة عالمية شاملة قائمة على أساس الحرية والأمن والعدل تنتظر العالم بأسره. أي أنّ الناس إن بلغوا تلك المرحلة من الصلاح وأصبحوا مصداقاً حيّاً للعباد الصالحين فإنّهم سيرثون الأرض؛ سيرثون الحكومة المادية والحكومة المعنوية.
وقد تضمنت بعض الروايات الواردة في تفسير الآية المذكورة عبارات أوضح في هذا المجال. ومن ذلك ما رواه صاحب تفسير «مجمع البيان» في ذيل الآية أنّ الإمام الباقر عليه السلام قال: «هم أصحاب المهدي في آخر الزمان». جدير بالذكر، وردت الإشارة إلى هذا الموضوع بعدّة عبارات في «مزامير داود» ومنها المزمور 37:
«فسينقطع الأشرار ويرث الأرض المتوكلون على اللَّه، وسوف لن يبقى شرير، ستتأمل مكانه وليس فيه وسيرث الحكماء الأرض». كما جاء في المزمور 37 عبارات أخرى: «...سيرث الأرض الذي يباركهم الرب وسينقطع الملعونون. سيرث الصديقون الأرض وإلى الأبد» «2».
وبالطبع فإنّ كلمة «الصالحون» الواردة في القرآن هي كلمة جامعة تشمل «الحكماء» و «الصديقين» و «المتوكلين» و «المباركين».
وكما ذكرنا فإنّ المستفاد من الآية «إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَومٍ عابِدِينَ» أنّ الهدف النهائي للصالحين ليس الحكومة، بل هي وسيلة لبلوغ ذلك الهدف، أي تكامل الإنسان في الجوانب كافة، لأن البلاغ ما يبلغهم هدفهم.
الاستخلاف في الأرض:
2 - نقرأ في الآية 55 من سورة النور: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَايُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ». فقد تضمنت الآية ثلاثة وعود صريحة للذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ونعلم أنّ لكلّ وعد ثلاثة أركان:
الذي يعد هنا هو اللَّه، والموعود «الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات» أي المؤمنين الصالحين. والمواد الواردة في الوعود الثلاثة هي:
1 - الاستخلاف في الأرض، أي حكومة الحقّ والعدل.
2 - تمكين الدين، أي نفوذ المعنويات وحكومة القوانين الشرعية في جوانب الحياة كافة.
3 - تبديل الخوف بالأمن؛ إزالة عناصر الخوف كافة وعدم الأمن واستبدالها بالأمن التام والاستقرار الكامل. والمراد من «تمكين الدين» كما يفهم من سائر استعمالات هذه المفردة رسوخ التعاليم الدينية في جميع شؤون الحياة، لا من قبيل ألفاظ السلام والحرية وحقوق الإنسان التي يحمل لوائها اليوم المدافعون المزيفون ولا تتجاوز حناجرهم، بينما لا وجود لها في الخارج؛ وكأنها ألفاظ خيالية لا يمكن نيلها إلّا في الأحلام وعالم الخيال.
آنذاك سوف لن تكون التعاليم الإسلامية بصيغة بعض القوالب الصورية الجافة والألفاظ الخاوية، بل ستكون نظرية الحياة السائدة في كلّ مكان.
آنذاك ستكون المسؤولية واليقظة عامة شاملة، وسيحول اتساعها دون استغلالها من قبل بعض الأفراد.
وسوف لن تستطيع حينها المنافع الشخصية أن تحول دون القضاء الصحيح، لا على غرار ما يحصل اليوم من قبل بعض الساحقين لحقوق الإنسان، حين يرتقون منصة المؤتمرات العالمية ويتحدثون بحماس عن هذه الحقوق والحريات وهم يرون عدم كفاية حتّى المواثيق الدولية الواردة بهذا الشأن - والتي لا يلتزمون في الواقع بأي من بنودها - فتتعالى الأيدي بالتصفيق من جانب زعماء ما يسمى بحقوق الإنسان، ولا غرو فهم معاً ولا يستطيعون ضمان مصالحهم دون أن يسلكوا هذا الأسلوب.
الاستقرار والأمن آنذاك لا يمزج بالخوف، فهو ليس كالأمن الذي نراه في بعض بقاع العالم والذي يفرزه الخوف من الأسلحة الفتاكة. وهل هذا أمن أم رعب؟ فهذا الأمن يفرزه الخوف العظيم من عواقب الحروب الوخيمة، إنّه ليس بأمن حقيقي.
ونتيجة هذه الوعود الإلهية الثلاثة تمهيد السبيل لتزكية الإنسان وتكامله على مستوى المفاهيم الإنسانية والعبودية للَّه وهدم الأصنام بأشكالها كافة «يعبدونني لا يشركون بي شيئاً».
لا بأس هنا أن نتطرق إلى بعض أقوال المفسرين وما ذكروه من سبب لنزول هذه الآية:
يرى بعض المفسرين أنّ الآية نزلت حين هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة.
فقد برزت نهضة جديدة هزت أركان ذلك المجتمع الملي بالخرافات والأساطير والجهل والظلم والتمييز العنصري، ممّا أثارت الطرف الآخر للمعارضة.
ورغم قلة عدد الأصحاب إلّا أنّهم عرفوا بالصمود والتضحية، إلّا أنّ حجم المعارضة كان عريضاً واسعاً، وقد تصاعدت حدّة الصراع بحيث كان المسلمون يعيشون على الدوام حالة التأهب القصوى، فلا يفارقون أسلحتهم حتّى عند نومهم وينهضون صباحاً ليتقلدوا تلك الأسلحة الثقيلة.
وبالطبع فإن استمرار هذا الوضع كان يزعجهم، كيف يسعهم النوم بهذه التجهيزات والأسلحة، وأي نوم هذا الذي يحلمون به والعدو متربص بهم.
كانوا يتمنون أحياناً أن يستريحوا ليلة من ذلك العناء دون أن يكون من العدو خطراً يهددهم، كما يأملون بإقامة الصلاة دون أن يباغتهم العدو، فيعبدون اللَّه بكلّ حرية ودون خوف ويقضون على الأصنام ويعيشون بأمان في كنف حكومة العدل الإلهي.
ومن هنا كان يسأل بعضهم البعض هل سيأتي ذلك اليوم؟! وهنا نزلت الآية وحملت البشارة بتحقق ذلك الوعد وقدوم ذلك اليوم، وقد رأينا كيف حلّ ذلك اليوم حين سيطر المسلمون بزعامة النبي صلى الله عليه وآله على الجزيرة العربية.
ويبدو سبب النزول هذا منسجماً مع الآية، لكن لعلمنا بسائر أسباب نزول مختلف الآيات القرآنية فإنه لا يسعنا حصر مفاهيم الآيات في أسباب النزول، بل سبب النزول يعد أحد مصاديق الآية.
ولعلّ الاقتصار بالآية على سبب النزول من قبيل الأسلحة التي تعدها للقتال، وما أن يتوقف ذلك القتال حتّى نطرحها جانباً، وإن كانت باهضة التكاليف وصالحة للاستعمال.
طبعاً شهد أواخر عصر النبي صلى الله عليه وآله عملية جانب من المفهوم الشامل لهذه الآية، إلّا أن تطبيق ذلك المفهوم بأجمعه والاستخلاف في الأرض لم يطيق لحدّ الآن وما زال العالم ينتظره.
نعم، تبشر الآية الشريفة جميع المؤمنين الحقيقيين بالحكومة العالمية التي تكون من نصيب الصالحين، وتطوي جميع الصفحات السوداء التي خلفتها عصبة من الأنانيين والمستكبرين الذين تلاعبون في مقدارات والإنسانية.
ومن هنا ورد في بعض الروايات أنّ الآية واردة في قيام المهدي الموعود. فقد روى الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» عن الإمام السجاد عليه السلام أنّه قال: «هم واللَّه شيعتنا أهل البيت يفعل اللَّه ذلك بهم على يد رجل منا هو مهدي هذه الأمّة».
ثمّ ذكر مثل هذا المضمون عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وأضافا أنّ الآية مطلقة وتشمل خلافة جميع الأرض، وحيث لم يتحقق هذا الوعد الإلهي فلابدّ من انتظاره.
كما وردت عدّة روايات في تفسير «البرهان» عن الإمامين الصادق والباقر عليهما السلام في أنّ الآية إشارة إلى قيام القائم.
جدير بالذكر أنّه بالنظر إلى كلمة «منكم» فإنّ هناك أقلية مؤمنة صالحة تمارس النهضة العالمية حين تتوفر ظروفها فتبلغ بها شاطئ الأمان وتتغلب على جميع المصاعب والمطبات التي تعترض سبيل السفينة.
3 - نقرأ في الآية 33 من سورة التوبة: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ». ولابدّ من الرجوع إلى الآية السابقة للوقوف على معنى هذه الآية: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ».
ويتضح من هذه الآية أنّ إرادة اللَّه تعلقت بتكامل نور الإسلام، وسيكون تكامله حين ينشر لوائه على أنحاء العالم كافة. ومن ثمّ وضح هذه الحقيقة في الآية المذكورة: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ».
وقد تكرر هذا الوعد مع فارق طفيف في الآية 28 من سورة الفتح: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً». وأخيراً جاء هذا الوعد للمرة الثالثة في الآية 9 من سورة الصف بالعبارة التي وردت في سورة التوبة: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ». ولعلّنا ندرك أهمية هذا الوعد الإلهي من هذه الآيات القرآنية. إلّا أنّ المهم هو اتضاح مفهوم العبارة «ليظهره»:
أوّلًا : يرجع الضمير «هاء» إلى النبي صلى الله عليه وآله أو «دين الحقّ»؟ على ضوء الاحتمال الأوّل المفهوم غلبة النبي لجميع الأديان، بينما مفهومها غلبة الدين الإسلامي على أساس الاحتمال الثاني. لكن يبدو على أساس قواعد اللغة أنّ الضمير يعود إلى «دين الحقّ» كونه الأقرب (وإن لم يكن الفارق بينهما كبيراً). أضف إلى ذلك فإن انتصار دين على سائر الأديان أنسب تعبيراً من انتصار شخص على سائر الأديان (لا بدّ من التمعن).
ثانياً: (وهذا هو المهم) ما المراد هنا بالظهور؟ لا شك أنّ الظهور هنا لا يعني البروز والوضوح، بل يعني الغلبة. جاء في كتاب القاموس - أحد المصادر اللغوية المعروفة - ظهر به وعليه: غلبه. كما جاء في مفردات الراغب: ظهر عليه غلبه. وكما وردت بهذا المعنى في عدّة آيات من سور القرآن كسورة المؤمن والكهف والتوبة:
«كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَايَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ» «3». «يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ...» «4». «إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً» «5».
لكن ما المراد بغلبة دين لسائر الأديان؟
ذكر المفسرون ثلاثة آراء:
1 - الغلبة المنطقية؛ أي بمقارنة الإسلام بسائر الأديان الممزوجة غالباً بالخرافات تظهر غلبة المنطق المستدل على سائر المناطق.
يعتقد أصحاب هذا الرأي أنّه كلما قارنا التوحيد الإسلامي الخالص مع سائر أنواع التوحيد المشوبة بالشرك أو الشرك الخالص فإنه يتضح منطق أفضلية الإسلام على سائر الأديان، وكذلك سائر المباحث التي اكتسبت عملية هذا الوعد الإلهي؛ حتّى أنّ مقارنة شعار الأذان بفضله شعار محرك، بشعار الناقوس وعدم شعارية أغلب الأديان يكشف عن هذه الغلبة المنطقية.
2 - الغلبة العملية والغلبة الخارجية على سائر الأديان، غاية الأمر ضمن مقارنة اقليمية لا عالمية وعامة.
فقد تحققت أيضاً؛ حيث تغلب الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وآله على شبه الجزيرة العربية ومن ثمّ على منطقة عظيمة من العالم، حتّى خضع لنفوذ الإسلام اتباع الديانات الأخرى في تلك المناطق الممتدة من جدار الصين - بل ما وراء جدار الصين - حتّى شواطئ المحيط الأطلسي، وقد ظلّ الإسلام متجذراً في تلك المناطق حتّى بعد اضمحلال الدولة الإسلامية هناك.
3 - الغلبة الخارجية والعملية على مستوى العالم وجميع ما على الأرض والتي تشمل الغلبة الثقافية والاقتصادية والسياسية، وهو التفسير الذي قال به بعض مفسري العامة فضلًا عن مفسري الشيعة.
قطعاً لم يصبح هذا الوعد عملياً لحدّ الآن ولا ينطبق سوى على الحكومة العالمية للمهدي الموعود عليه السلام، وهي الحكومة التي يعم الحقّ والعدل فيها كلّ مكان ويتغلب فيها هذا الدين على ضوء القياس العالمي على سائر الأديان. ولدينا بعض القرائن التي تفيد ترجيح التفسير الثالث على سائر التفاسير؛ لما يلي:
أوّلًا: الغلبة المستفادة من كلمة «الظهور» ظاهرة في الغلبة الحسية والعينية والخارجية، لا الغلبة الذهنية والفكرية، ولذلك لم يرد «الظهور» بمعنى الغلبة الذهنية في أي من الموارد القرآنية المذكورة، بل لوعدنا إلى الآيات السابقة وأمعنا النظر فيها لرأيناها وردت بمعنى الغلبة العينية والخارجية.
ثانياً: ذكر كلمة «كله» بعنوان تأكيد يشير إلى عدم وجود البعد الإقليمي للغلبة، بل هي عامة شاملة لجميع الأديان، وهذا لا يمكن سوى من خلال شمولية الإسلام للعالم.
ثالثاً: الروايات التي وردت في تفسير الآية وتقوي التفسير الثالث، مثل:
1 - روى العياشي بإسناده عن عمران بن ميثم عن عبابة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام حين تلا الآية «هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ...» سأل أصحابه: أظهر ذلك؟ قالوا: بلى. قال: «كلا، فوالذي نفسي بيده حتّى لا يبقى قرية إلّا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه بكرة وعشيًّا» «6».
2 - وقال الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ ذلك عند خروج المهدي من آل محمّد فلا يبقى أحد إلّا أقر بمحمّد» «7».
3 - قال المقداد بن الأسود سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله اللَّه كلمة الإسلام» «8».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). سورة التكوير، الآية 27.
(2). أوردنا العبارات من ترجمة التوراة عام 1878 من قبل مجمع ترجمة الكتب المقدسة باللغات الأجنبية في لندن.
(3). سورة التوبة، الآية 8.
(4). سورة المؤمن (غافر)، الآية 29.
(5). سورة الكهف، الآية 20.
(6). مجمع البيان، ذيل الآية 9 سورة الصف.
(7). تفسير البرهان، ج 2، ص 121.
(8). تفسير مجمع البيان، ذيل الآية 33 سورة التوبة.
محمود حيدر
الشيخ جعفر السبحاني
الشهيد مرتضى مطهري
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد مهدي النراقي
حيدر حب الله
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب