قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ

قال تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة : 77].

 

أجل، إن القرآن كريم يغني عن كل مرشد ودليل، ويشفي من داء الجهل والضلال، ويهدي إلى منازل الكرامة والسلامة، ويحرر من قيود الظلم والعبودية.. أما السرّ لأوصافه هذه وكثير غيرها فلأن القرآن الكريم يستجيب لكل حاجة من حاجات الحياة، ويربط الدين بالعمل في الدنيا لحياة طيبة عادلة لا مشاكل فيها ولا عدوان.. حتى سعادة الآخرة لا ينالها إلا من أخلص وعمل صالحًا.. أبدًا لا طريق إلى اللَّه، ولا إلى النجاة من غضبه وعذابه إلا العمل النافع: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد : 18].

 

ومن هنا أجمع المسلمون قولًا واحدًا على أن اللَّه سبحانه ما شرع ولن يشرع حكمًا إلا لخير الإنسان ومصلحته، وأنه من المستحيل أن يشرع حكمًا فيه ضرر على أحد أيًّا كان، وأنه إذا نسب إلى شريعة القرآن حكم لا يتفق مع هذا المبدأ فهو من جهل الجاهلين أو دسائس الوضاعين، أما الآيات الدّالة على ذلك فتعد بالعشرات، منها قوله تعالى على لسان نبيه شعيب: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ} - [88 هود] وقوله: {ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ولكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} - [7 المائدة] وقوله: {إِنَّ اللَّهً بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} - [143 البقرة] وقوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}- [30 الروم].

 

هذا هو الإسلام في حقيقته وواقعه، وفي كتاب اللَّه وعلمه، لا شيء فيه إلا ما يحتاج إليه الإنسان ويطلبه بغريزته وفطرته النقية الصافية التي ولد عليها، وتميز بها عن جميع الكائنات، لا ما يتطلبه الطمع والجشع، والبغي والعدوان..

 

وقد أدرك هذه الحقيقة الكثير من فلاسفة الغرب وشعرائه وأدبائه، فأكبروا الإسلام وأشادوا بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لا لشيء إلا بدافع من حب الخير والحق والعدل، ولو اتسع لنا المقام لذكرنا الكثير من أقوالهم، ولكن ما لا يدرك كله أو جله فلا يترك كله، ونختار من بين أولئك الأعلام: «جوته» الألماني و «لامرتين» الفرنسي و «تولستوي» الروسي و «برناردشو» الإنكليزي، وهم كما ترى مختلفون في ثقافتهم وقوميتهم واتجاهاتهم.

 

قرأ «جوته» الشاعر الألماني الكبير - القرآن، وأدرك ما فيه فأكبره واحتفل بليلة القدر التي نزل فيها القرآن، وقرأ تاريخ الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) فألف النشيد المحمدي، وكتب مسرحية محمد (صلى الله عليه وآله)، ومن أقواله: إذا كان الإسلام هو التسليم للَّه لا للأهواء والأغراض ففي الإسلام نحيا، وعليه نموت.

 

وقال «لامرتين» شاعر فرنسا العظيم : «إن كل ما في حياة محمد (صلى الله عليه وآله) يدل على أنه لم يكن يضمر خداعًا أو يعيش على باطل.. إنه هادي الإنسان إلى العقل، ومؤسس دين لا فرية فيه».

 

وقال «تولستوي» الفيلسوف الروسي الإنساني: «مما لا ريب فيه أن محمدًا خدم الهيئة الاجتماعية خدمات جليلة، ويكفيه فخرًا أنه هدى مئات الملايين إلى نور الحق والسكينة والسلام، ومنح للإنسانية طريقًا للحياة، وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا إنسان أوتي قوة وإلهامًا وعونًا من السماء».

 

وقال برنارد شو الأديب الانكليزي العالمي: «يجب أن يدعى محمد منقذ الإنسانية.. إنني أعتقد أنه لو تولى رجل مثله زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشاكله بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة.. إن محمدًا هو أكمل البشر من الغابرين والحاضرين، ولا يتصور وجود مثله في الآتين».

 

وقول برنارد شو: «محمد أكمل البشر من الغابرين والحاضرين» معناه أن رسالة محمد (صلى الله عليه وآله) لا تغني عنها أية رسالة من رسائل الأنبياء السابقين.. حتى عيسى وإبراهيم. أما قول برنادشو: «ولا يتصور وجود مثل محمد في الآتين» فمعناه لا أحد يستطيع بعد محمد أن يأتي الإنسانية بجديد يفيدها وينفعها أكثر مما أتى به محمد، ومعناه أيضًا أن دعوة محمد ودين محمد يغني عن كل دين وكل دعوة وشريعة ونظام، ولا يغني عنه شيء.

 

وكلنا يعلم أن برنارد شو في طليعة قادة الفكر الأوروبي في القرن العشرين، عصر الذرة والفضاء، وأن شهادته هذه هي نتاج البحث الطويل، والتفكير العميق، والتحليل الدقيق.. وهذه الشهادة من برناردشو هي تعبير ثان أو تفسير لقوله تعالى: «وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» - [107 الأنبياء] أي كل العالمين في كل زمان وكل مكان. وأيضًا هي تفسير لقوله سبحانه: «ولكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وخاتَمَ النَّبِيِّينَ» - [40 الأحزاب] وأيضًا هي أي شهادة برناردشو دليل قاطع على صدق المسلمين في عقيدتهم بأن محمدًا هو أكمل البشر من الغابرين والحاضرين، ولا يتصور وجود مثله في الآتين على حد قول برناردشو.

 

وبعد، فما هو رأي الشباب المتنكرين لدين آبائهم وأجدادهم؟ ما رأيهم في قول برنادشو؟ وهل هم أعلم وأحرص منه على الإنسانية، أم انهم يتكلمون بوحي من أعداء الإسلام والإنسانية من حيث لا يشعرون؟.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد