﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ (الدخان: 29)
تعني هذه الآية الكريمة في لغة العرب أنّه لم يأسف عليهم أحد، وهي من نوع الآيات التي لا تفسَّر كلمةً كلمة، بل تفسّر بوصفها كلاً واحداً، فالنصوص في القرآن الكريم ـ تبعاً للغة البشر والعربية كذلك ـ تنقسم إلى ما يقبل التفكيك المفرداتي حتى يتمّ فهمه، مثل كثير من الآيات، وإلى ما يفسّر بوصف الجملة كلّها فيه كلمةً واحدة، تماماً مثل الأمثال الشعبية.
ففي الأمثال الشعبية لا يصحّ تفسيرها بوصفها مجموعة كلمات ثم نقوم بتفكيكها وشرحها، بل المثل الشعبي كلّه عبارة عن كلمة واحدة، وهذا هو ما يعتمد أيضاً في الكنايات وفي بعض أنواع التمثيل في البلاغة العربيّة، وقد قبل كثيرون هذا النهج في فهم آيات الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ (القلم: 42)، فبدل التفسير التجزيئي المفرداتي الذي يفترض وجود ساق وكشف ونحو ذلك، قال كثيرون ـ من الإمامية والمعتزلة وغيرهم ـ بأنّ العرب تستخدم هذا التعبير بوصفه كلمةً واحدة، فتفسّر الجملة بجملة، وكأنّنا نشرح مفردةً واحدة، والمعنى: يوم يشتدّ الأمر، تقول العرب: كشفت الحرب عن ساقها، أي اشتدّت.
وهناك نزعة في التفسير ـ وهي التي تميل إلى إنكار المجاز أو تقلّل من أهميّته، وقد شهدنا لها حضوراً في بعض الأوساط مؤخّراً ـ تحاول أخذ الآيات القرآنية بعيداً عن عالم الكنايات والاستعارات وغير ذلك، فتفسّر النصّ تفسيراً أشبه ما يكون بالترجمة الحرفيّة للكلمة العربية، وهو ما ظلّ يستأنس به التيار الصوفي في بعض الأحيان عبر التاريخ، فإذا قال القرآن بأنّ الكافرين ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا﴾ (نوح: 25)، قالوا وكأنّهم يترجمون الكلام بطريقة حرفيّة: إنّ هؤلاء أغرقوا، ومن يغرق يدخل البحر، فالبحر هو النار الآن، فهذه هي صورته الملكوتية التي تنكشف يوم القيامة، فيحصل أنّ البحار تسجّر فتشتعل ناراً، وإلا فهي من الآن نار. وفي حقيقة الأمر فإنّ جزءاً لا بأس به من الخلافات الفكرية اليوم ترجع إلى هذا الخلاف المنهجي في فهم النصّ الديني.
قال الشيخ الطوسي في (تفسير التبيان 9: 233): «وقوله: (فما بكت عليهم السماء والأرض) قيل في معناه ثلاثة أقوال: أحدها: قال الحسن فما بكى عليهم ـ حين أهلكهم الله ـ أهل السماء وأهل الأرض؛ لأنهم مسخوط عليهم مغضوب عليهم بإنزال الخزي بهم.
الثاني: إنّ التقدير أنّ السماء والأرض لو كانتا ممّن يبكي على أحد إذا هلك لما بكتا على هؤلاء؛ لأنّهم ممّن أهلكهم الله بالاستحقاق وأنزل عليهم رجزاً بما كانوا يكفرون. والعرب تقول إذا أرادت أن تعظّم موت إنسان: اظلمّت الشمس وكسف القمر لفقده وبكت السماء والأرض، وإنما يريدوا المبالغة قال الشاعر: الريح تبكي شجوها * والبرق يلمع في الغمامة. وقال آخر: والشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكي عليك نجوم الليل والقمر.
الثالث: إنّهم لم يبك عليهم ما يبكي على المؤمن إذا مات، مصلاه ومصعد علمه ـ ذكره ابن عباس وابن جبير ـ ومعناه لم يكن لهم عمل صالح».
وقال الشيخ الطبرسي في (جوامع الجامع 3: 325): «فما بكت عليهم السماء والأرض: فيه تهكّم بهم وبحالهم المنافية لحال من يجلّ رزؤه ويعظم فقده، فيقال فيه: بكت عليه السماء».
وقال العلامة الطباطبائي في (الميزان 18: 141): «قوله تعالى: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) بكاء السماء والأرض على شيء فأتت كناية تخييلية عن تأثرهما عن فوته وفقده، فعدم بكائهما عليهم بعد إهلاكهم كناية عن هوان أمرهم على الله وعدم تأثير هلاكهم في شيء من أجزاء الكون».
وقال السيد عبد الله شبر في (تفسيره: 465): «فما بكت عليهم السماء والأرض: مجاز عن صغر قدرهم إذ كانوا إذا عظموا مصيبة هنالك يقولون: بكت عليه السماء والأرض، وانكسفت له الشمس، أو كناية عن أنّهم لم يكن لهم عمل صالح يرفع إلى السماء».
ولا يعني ما قلناه أنه لا تبكي السماء والأرض تكويناً، فإنّ هذا لو قام عليه الدليل لا مانع منه، إنّما الكلام في أنّ هذه الآية الكريمة لا يعلم من لغة العرب إفادتها مثل هذه المعاني والله العالم.
الشيخ محمد مهدي الآصفي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
حيدر حب الله
الشيخ باقر القرشي
إيمان شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ حسين الخشن
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الذّكر والتّقوى، أمان وقوّة
حين تضيع القيَم!
تفسير سورة الفاتحة
حقيقة بكاء السماء والأرض في القرآن الكريم
كتاب جديد بعنوان: أوضح البيان في حقيقة الأذان
أحلام المشهدي تشارك في معرض ثلاثيّ في الأردن
الإمام الرضا عليه السلام: 19 عاماً من الجهاد
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (3)
الشّيخ صالح آل إبراهيم: كيف تنقذ زواجك من الانهيار؟
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (4)