من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

مقام إبراهيم وموضعه

الإمام الصادق (عليه السلام ): إنَّ اللهَ فَضَّلَ مَكَّةَ وجَعَلَ بَعضَها أفضَلَ مِن بَعض، فَقالَ: (واتَّخِذوا مِن مَقامِ إبراهيمَ مُصَلًّى).

 

زُرارَة: قُلتُ لأَبي جَعفَر (عليه السلام): قَد أدرَكتَ الحُسَينَ (عليه السلام)؟ قالَ: نَعَم، أذكُرُ وأنَا مَعَهُ فِي المَسجِدِ الحَرامِ وقَد دَخَلَ فيهِ السَّيلُ والنّاسُ يَقومونَ عَلَى المَقامِ، يَخرُجُ الخارِجُ يَقولُ: قَد ذَهَبَ بِهِ السَّيلُ! ويَخرُجُ مِنهُ الخَارِجُ فَيَقولُ: هُوَ مَكانَهُ! قالَ: فَقالَ لي: يا فُلانُ، ما صَنَعَ هؤُلاءِ؟ فَقُلتُ: أصلَحَكَ اللهُ، يَخافونَ أن يَكونَ السَّيلُ قَد ذَهَبَ بِالمَقامِ، فَقالَ: نادِ أنَّ اللهَ تَعالى قَد جَعَلَهُ عَلَمًا لَم يَكُن لِيَذهَبَ بِهِ، فَاستَقِرّوا.

 

وكانَ مَوضِعُ المَقامِ الَّذي وَضَعَهُ إبراهيمُ (عليه السلام) عِندَ جِدارِ البَيتِ، فَلَم يَزَل هُناكَ حَتّى حَوَّلَهُ أهلُ الجاهِلِيَّةِ إلَى المَكانِ الَّذي هُوَ فيهِ اليَومَ، فَلَمّا فَتَحَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) مَكَّةَ رَدَّهُ إلَى المَوضِعِ الَّذي وَضَعَهُ إبراهيمُ (عليه السلام)، فَلَم يَزَل هُناكَ إلى أن وُلِّيَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَسَأَلَ النّاسَ: مَن مِنكُم يَعرِفُ المَكانَ الَّذي كانَ فيهِ المَقامُ؟ فَقالَ رَجُلٌ: أنَا قَد كُنتُ أخَذتُ مِقدارَهُ بِنسع (1)، فَهُوَ عِندي، فَقالَ: اِئتِني بِهِ، فَأَتاهُ بِهِ، فَقاسَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلى ذلِكَ المَكانِ (2).

 

الإمام الصادق (عليه السلام): لَمّا أوحَى اللهُ تَعالى إلى إبراهيمَ (عليه السلام) أن أذِّن فِي النّاسِ بِالحَجِّ أخَذَ الحَجَرَ الَّذي فيهِ أثَرُ قَدَمَيهِ - وهُوَ المَقامُ - فَوَضَعَهُ بِحِذاءِ البَيتِ لاصِقًا بِالبَيتِ بِحِيالِ المَوضِعِ الَّذي هُوَ فيهِ اليَومَ، ثُمَّ قامَ عَلَيهِ فَنادى بِأَعلى صَوتِهِ بِما أمَرَهُ اللهُ تَعالى بِهِ، فَلَمّا تَكَلَّمَ بِالكَلامِ لَم يَحتَمِلهُ الحَجَرُ، فَغَرِقَت رِجلاهُ فيهِ، فَقَلَعَ إبراهيمُ (عليه السلام) رِجلَيهِ مِنَ الحَجَرِ قَلعًا.

 

فَلَمّا كَثُرَ النّاسُ وصاروا إلَى الشَّرِّ والبَلاءِ ازدَحَموا عَلَيهِ فَرَأَوا أن يَضَعوهُ في هذَا المَوضِعِ الَّذي هُوَ فيهِ اليَومَ، لِيَخلُوَ المَطافُ لِمَن يَطوفُ بِالبَيتِ. فَلَمّا بَعَثَ اللهُ تَعالى مُحَمَّدًا (صلى الله عليه وآله) رَدَّهُ إلَى المَوضِعِ الَّذي وَضَعَهُ فيهِ إبراهيمُ (عليه السلام)، فَما زالَ فيهِ حَتّى قُبِضَ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وفي زَمَنِ أبي بَكر وأوَّلِ وِلايَةِ عُمَر، ثُمَّ قالَ عُمَرُ: قَدِ ازدَحَمَ النّاسُ عَلى هذَا المَقامِ، فَأَيُّكُم يَعرِفُ مَوضِعَهُ فِي الجاهِلِيَّةِ؟ فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: أنَا أخَذتُ قَدرَهُ بِقَدر. قالَ: والقَدرُ عِندَكَ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَائتِ بِهِ، فَجاءَ بِهِ فَأَمَرَ بِالمَقامِ فَحُمِلَ ، ورُدَّ إلَى المَوضِعِ الَّذي هُوَ فيهِ السّاعَةَ (3).

 

فائدة حول مقام إبراهيم

 

إنّ مقام إبراهيم من الآيات الإلهيّة البيّنة. والرأي المشهور هو أنّ هذه الصخرة المعروفة نفسها، التي تقع بالقرب من الكعبة، اتّخذها إبراهيم مقامًا عندما كان يرفع القواعد من البيت. وفي هذه الصخرة يُرى أثر قَدم إنسان بوضوح. وهذا بذاته معجزة وآية إلهيّة بيّنة، فكيف يترك قدم الإنسان أثرًا في جسم صلب صلد؟! وكيف يبقى هذا لسنوات طويلة رغم السيول والحروب والغارات؟! ونُقلت ثلاثة أقوال أُخرى في تفسير مقام إبراهيم عن ابن عبّاس ومجاهد وعطاء (4)، ولكنّ الروايات تؤيّد الرأي المشهور. وهناك اختلاف في الرأي حول زمن حصول هذه المعجزة وقيام إبراهيم على هذه الصخرة فبعضٌ يجعله عندما كان إبراهيم (عليه السلام) يبني الكعبة ويرفع قواعد البيت، ويرى هذا الفريق من المؤرّخين أنّ إبراهيم كان يقف عليها ليتمكّن من بناء القسم العُلويّ لجدار الكعبة (5).

 

ويذهب الفريق الثاني إلى أنّ إبراهيم (عليه السلام) وقف على هذه الصخرة لإعلان الحجّ، امتثالاً للأمر الإلهيّ: (وأذِّن فِي النّاسِ بِالحَجِّ) (6). وهناك أقوال أُخرى في هذا المجال أيضًا (7)؛ من بينها قول القفّال: يُحتمل أنّ هذه الصخرة كان يستخدمها إبراهيم (عليه السلام) في كلّ الوقائع المذكورة (8).

 

فائدة حول موضع المقام

 

إنّ تغيير مكان "مقام إبراهيم" هو من مسلّمات التاريخ (9)، وقد ورد في كثير من كتب السِّيَر والحديث والتاريخ أنّه أقرب إلى الكعبة من موضعه الفعليّ أو مُلْصَق بها (10).

 

ولكن طبقًا لبعض الأحاديث، فإنّه تمّ إبعاده أوّلًا زمن الجاهلية، ثمّ قام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بإرجاعه بعد فتح مكّة إلى موضعه الأصليّ الذي وضعه النبيّ إبراهيم (عليه السلام) فيه (11)، ثمّ نقله عمر إلى مكانه الفعليّ الذي يستقرّ فيه (12).

 

أمّا سبب نقله فيختلفون فيه: كذهاب السيل بالمقام (13)، أو لأجل توسيع المطاف (14)، أو خشية أن يطأه الطائفون بأقدامهم (15).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النِّسعة - بالكسر - : سَيرٌ مضفور يُجعل زمامًا للبعير وغيره، وقد تُنسج عريضةً تُجعل على صدر البعير، والجمع: نُسْع ونِسَع وأنساع (النهاية : 5 / 48).

(2) الكافي : 4 / 223 / 2.

(3) علل الشرائع : 423 / 1 عن عمّار بن موسى أو عن عمّار عن سليمان بن خالد.

(4) التبيان : 1 / 453 ؛ تفسير الطبريّ : 1 / 536.

(5) أخبار مكّة للفاكهيّ : 1 / 454 / 995 ، أخبار مكّة للأزرقيّ : 1 / 59 ، تفسير البغويّ : 1 / 114 ، تاريخ الطبريّ : 1 / 260 ؛ روضة المتّقين : 4 / 114.

(6) أخبار مكّة للفاكهيّ : 1 / 451 / 990 ، أخبار مكّة للأزرقيّ : 2 / 29 و 30 ؛ مجمع البيان : 7 / 128 ، وراجع الكافي : 4 / 206 / 6.

(7) أخبار مكّة للفاكهيّ : 1 / 450 / 988 ، مثير الغرام الساكن لابن الجوزيّ : 312.

(8) تفسير غرائب القرآن " بهامش تفسير الطبريّ " : 1 / 395.

(9) أخبار مكّة للفاكهيّ : 1 / 455 / 998 ؛ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام : 1 / 207 ، البحار : 99 / 230 / 4.

(10) وسائل الشيعة : 13 / 423 ذيل الحديث 18112 ؛ الطبقات الكبرى : 3 / 284 ، فتح الباري : 6 / 406 ضمن شرح الحديث 3365 ، مثير الغرام الساكن لابن الجوزيّ : 313 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 75 ، تاريخ الخلفاء : 160.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد