كان المعروف منذ ولادة الإمام الحسين - عليه السلام - أنه سيستشهد في العراق في أرض كربلاء وعرف المسلمون ذلك في عصر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه، لذا كان الناس يترقبون حدوث تلك الفاجعة، كما أن هناك الكثير من القرائن التي تدل بوضوح على حتمية استشهاده - عليه السلام -، ومن ذلك:
1 - روى غير واحد من المحدثين عن أنس بن الحارث الذي استشهد في كربلاء أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن ابني هذا يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره فخرج أنس بن الحارث فقتل بها مع الحسين – عليه السلام - (1).
2 - إن أهل الخبرة والسياسة في عصر الإمام كانوا متفقين على أن الخروج إلى العراق يشكل خطرًا كبيرًا على حياة الإمام - عليه السلام - وأهل بيته ولأجل ذلك أخلصوا له النصيحة، وأصروا عليه عدم الخروج، ويتمثل ذلك في كلام أخيه محمد ابن الحنفية، وابن عمه ابن عباس، ونساء بني عبد المطلب، ومع ذلك اعتذر لهم الإمام وأفصح عن عزمه على الخروج (2).
3 - لما عزم الإمام المسير إلى العراق خطب وقال: الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي، اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا ألاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشًا جوفًا وأجربة سغبًا لا محيص عن يوم خط بالقلم. رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه، وينجز بهم وعده، ألا ومن كان فينا باذلاً مهجته، موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فاني راحل مصبحًا إن شاء الله تعالى (3).
4 - لما بلغ عبد الله بن عمر ما عزم عليه الحسين - عليه السلام - دخل عليه فلامه في المسير، ولما رآه مصرًّا عليه قبل ما بين عينيه وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل (4).
5 - لما خرج الحسين - عليه السلام - من مكة لقيه الفرزدق الشاعر فقال له: إلى أين يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أعجلك عن الموسم؟ قال: لو لم أعجل لأخذت، ثم قال له: أخبرني عن الناس خلفك: فقال: الخبير سألت، قلوب الناس معك، وأسيافهم عليك (5).
6 - لما أتى إلى الحسين خبر قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، قال لأصحابه: لقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس معه ذمام فتفرق الناس عنه، وأخذوا يمينًا وشمالاً، حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه. ومع ذلك فقد واصل - عليه السلام - مسيره نحو الكوفة، ولما مرّ ببطن العقبة لقيه شيخ من بني عكرمة يقال عمر بن لوذان، فسأل الإمام: أين تريد؟ فقال له الحسين - عليه السلام - الكوفة فقال الشيخ: أنشدك لما انصرفت، فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف، فقال له الحسين: ليس يخفى علي الرأي، وأن الله تعالى لا يغلب على أمره (6).
وفي نفس النص دلالة على أن الإمام كان يدرك ما كان يتخوفه غيره، وأن مصيره لو سار إلى الكوفة هو القتل، ومع ذلك أكمل السير طلبًا للشهادة من أجل نصرة الدين ورد كيد أعدائه، وحتى لا تبقى لاحد حجة يتذرع بها لتبرير تخاذله وضعفه.
نعم لقد كان الحسين - عليه السلام - على بيّنة من أمره وما سيؤول إليه سفره من مصير محتوم، فلا شيء يقف أمام إرادته من أجل إعلاء كلمة الدين وتثبيت دعائمه التي أراد الأمويون تقويضها، انظر إليه وهو يخاطب الحر بن يزيد الرياحي الذي يحذره من مغبة إصراره على موقفه حيث يقول له: أفبالموت تخوفني، وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله فخوفه ابن عمه وقال: أين تذهب فإنك مقتول، فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقًّا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه
وفارق مثبورًا وخالف مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم
كفى بك ذلًّا أن تعيش وترغما (7)
ثم إنه كان لشهادة الحسين - عليه السلام - أثر كبير في إيقاظ شعور الأمة وتشجيعها على الثورة ضد الحكومة الأموية التي أصبحت رمزًا للفساد والانحراف عن الدين، ولأجل ذلك توالت الثورات بعد شهادته من قبل المسلمين في العراق والحجاز، وهذه الانتفاضات وإن لم تحقق هدفها في وقتها ولكن كان لها الدور الأساسي في سقوط الحكومة الأموية بعد زمان.
ولقد أجاد من قال: لولا نهضة الحسين - عليه السلام - وأصحابه - رضي الله عنهم – يوم الطف لما قام للإسلام عمود، ولا اخضر له عود، ولأماته معاوية وأتباعه ولدفنوه في أول عهده في لحده. فالمسلمون جميعًا بل الإسلام من ساعة قيامه إلى قيام الساعة رهين شكر للحسين - عليه السلام - وأصحابه - رضي الله عنهم - (8).
بلى، أنّى للإمام الحسين - عليه السلام - الإذعان لحقيقة تسلّم يزيد مقاليد خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يزيد المنحرف الفاسد، عدو الله وعدو رسوله، الذي لم يستطع إخفاء دفائنه عندما أحضر رأس سيد الشهداء بين يديه حيث أنشد:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتهم
وعدلنا قتل بدر فاعتدل
لأهلوا واستهلوا فرحًا
ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل (9)
وأما بيان خروجه من مكة متوجهًا إلى العراق والحوادث التي تعرضت له في مسيره إلى أن نزل بأرض كربلاء، والتي استشهد فيها مع أولاده وأصحابه البالغ عددهم 72 شخصًا، ظمآنًا وعطشاًنا، قد ألف فيه مئات الكتب وعشرات الموسوعات. فسلام الله عليه يوم ولد، ويوم استشهد ويوم يبعث حيًّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإصابة 1 / 81 برقم 266.
(2) لاحظ المحاورات التي جرت بين الإمام وهؤلاء في الارشاد 201 - 202 طبع النجف ومقاتل الطالبيين 109، اللهوف 20 طبعة بغداد.
(3) اللهوف 41 طبعة بغداد.
(4) تذكرة الخواص 217 - 218.
(5) الإرشاد 218.
(6) المصدر نفسه: 223.
(7) المفيد: الإرشاد 225، والطبري في تاريخه 5 / 204.
(8) جنة المأوى 208 للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
(9) البيتان الأولان لابن الزبعرى، والثلاثة الأخيرة ليزيد، لاحظ تذكرة الخواص 235.
السيد عبد الحسين دستغيب
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ فوزي آل سيف
أحمد الرّويعي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حسين آل سهوان
أحمد الرويعي
أسمهان آل تراب
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
اسجدوا للّه شكراً
هل نملك إرادة حرة واقعًا؟
السُؤال في عين كونه جوابًا (2)
سورة الهمزة
الإمام الحسين (ع): الخروج إلى الشّهادة على بيّنة
طريق الكوفة إلى الشام مشاهد ومواقف
الشّعر الحديث شاهد على قتل الحسين عليه السّلام
وجوه من ذاكرة الجاروديّة، جديد الكاتب علي منصور الحايك
السُؤال في عين كونه جوابًا (1)
فاجعة الطَّفّ: أبعادُها، ثمراتُها، توقيتُها