5/) تبرئة يزيد من قتل الحسين عليه السلام:
تكاد كلمة أصحاب الاتجاه الأموي تتفق على تبرئة يزيد من قتل الحسين، لماذا؟ ثم من قتله إذن؟
أما لماذا فقد أشار غير واحد من الباحثين إلى أن إثبات قتل يزيد للحسين عليه السلام وما تلا ذلك من قطع الرؤوس وسبي النساء، سيرتقي بالسؤال عن المجرم الحقيقي إلى من ولّاه وسلّطه على رؤوس المسلمين وفي هذا من نقض نظرية مدرسة الخلفاء ما لا قبل لهم به، وقد صرح بهذا بعضهم عندما منع من لعن يزيد حتى وإن ثبت قتله للحسين عليه السلام خوفًا من ترقّي اللعن إلى معاوية! وهو كما قالوا (سدُّ الصحابة!!) وأظرف من ذلك ما قاله العلامة الميلاني "إنّه ليس تحامياً عن أنْ يُرتقى إلى الأعلى فالأعلى فقط، بل لئلاّ ينزل إلى الأسفل والأسفل، إنّهم بتحاميهم عن يزيد ومعاوية يريدون الإبقاء على حكومات الجور في أزمنتهم أيضاً؛ ولذا رووا أنّه لما سأل الخليفة الناصر عبـد المغيث الحنبلي عن سـبب منعه من لعن يزيد، أجابه بأنّـه: لو فتحنا هذا الباب لزم لعن خليفتنا - يعني الناصر - وعَـزْله عن الخـلافة".
فيزيد بن معاوية لم يقتل الحسين عليه السلام في رأيهم! من الذي قتله؟ هنا تُشتت الأجوبة والكلمات فتارة يقال: الذين قتلوه هم شيعته، وأخرى إن الذين قتلوه هم أهل الكوفة أو أهل العراق، حتى لقد صارت هذه الحكاية التي قد تكون مختلقة من الأساس وكأنها آية قرآنية محكمة.
إن أحدهم سأل شخصاً تارة يقال هو ابن عباس وأخرى ابن عمر، وما دام الأمر مختلقاً من الأساس فلا يهم من يكون المسؤول، سأله عن دم البعوضة أطاهر أو نجس، فسأله ابن عباس أو ابن عمر أو غيرهما (ممن صنع القصة) من أي مكان هو فإذا به ومن باب الصدفة يكون من أهل العراق! فقال له: متعجباً يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين بن علي!!
فالذي قتل الحسين ليس يزيد ولا ابن زياد ولا عمر بن سعد الزهري القرشي ولا حرملة بن كاهل الأسدي ولا ولا، وإنما هم أهل العراق! مع ملاحظة أن أهل العراق في تلك الأزمنة كانوا معروفين بتشيعهم لأهل البيت بخلاف أهل الشام الذين هم شيعة بني أمية!
بدل أن يقول هؤلاء بما قاله الحسين لأعدائه ومقاتليه (يا شيعة آل أبي سفيان)، فإذا بهذا العنوان يختفي ليكون القتلة هم أهل العراق وأهل الكوفة! وشيعة الإمام الحسين على وجه الخصوص!
ومن الأمثلة على نفي أي مسؤولية ليزيد في موضوع قتل الإمام الحسين يقول ابن تيمية: "وجَرَت في إمارتِهِ أمورٌ عظيمة؛ أحدُهَا: مقتلُ الحُسين – رضي الله عنه -، وهو لم يأمر – يعني يزيدَ - لم يأمر بقتلِ الحُسين، ولا أظهرَ الفَرَحَ بقتلِهِ، ولا نكتَ بالقضيبِ على ثناياهُ – رضي الله عنه -، ولا حَمَلَ رأسَ الحُسين -رضي الله عنه - إلى الشام، لكِنْ أَمَرَ بمَنْعِ الحُسين – رضي اللهُ عنه - وبدَفْعِهِ عن الأمرِ ولو كان بقتالِهِ؛ فزادَ النُّوابُ على أَمْرِهِ..".
ويكفي في الجواب على هذا الكلام ما قاله سبط ابن الجوزي، وبعضه منقول عن جده صاحب المنتظم: "وقال جدي: ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين وتسليطه عمر بن سعد والشمر على قتله وحمل الرؤوس إليه، وإنما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثناياه وحمل آل رسول اللّه سبايا على أقتاب الجمال وعزمه على أن يدفع فاطمة بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها وإنشاده أبيات ابن الزبعرى: (ليت أشياخي ببدر شهدوا) ورده الرأس إلى المدينة وقد ظنّ أنه تغيرت ريحه وما كان مقصوده إلا الفضيحة وإظهار رائحة الرأس، أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟ أليس بإجماع المسلمين أنّ الخوارج والبغاة يكفنون ويصلى عليهم ويدفنون؟ وكذا قول يزيد لي: إن أسبيكم لما طلب الرجل فاطمة بنت الحسين قولاً يقنع لقائله وفاعله باللعنة، ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل إليه ولم يضربه بالقضيب وكفنه ودفنه وأحسن إلى آل رسول اللّه.
قلت والذي يدل على هذا أنه استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة وقرب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على نسائه وجعله نديمه وسكر ليلة وقال للمغني غن ثم قال يزيد بديهياً:
اسقني شربة تروي فؤادي، ثم مل فاسق مثلها ابن زياد، صاحب السر والأمانة عندي، ولتسديد مغنمي وجهادي، قاتل الخارجي أعني حسـينًا، ومبيد الأعداء والحساد.
وقال ابن عقيل: ومما يدل على كفره وزندقته فضلاً عن سبه ولعنه أشعاره التي أفصح بها بالإلحاد وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد. فمنها قوله في قصيدته التي أولها: عليـّة هاتي واعلـني وترنمي، بذلك أني لا أحب التناجيا، حديث أبي سفيان قدمًا سمى بها، إلى أحد حتى أقام البواكيا..
ثم مر في ذكر أشعاره التي تعرب عن عدم اعتقاده بالرسالة والقيامة، وقال بعدها: "قلت: ولما لعنه جدي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا فقال جدي (ألا بعدًا لمدين كما بعدت ثمود). وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم: أنّ جماعة سألوا جدي عن يزيد فقال: ما تقولون في رجل ولّي ثلاث سنين في السنة الأولى قتل الحسين في الثانية أخاف المدينة وأباحها وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها، فقالوا: نلعنه، فقال: فالعنوه.
وقال جدي في كتاب (الرد على المتعصب العنيد) قد جاء في الحديث: لعن من فعل ما لا يقارب عشر معشار فعل يزيد، وذكر الأحاديث التي ذكرها البخاري... ومن ذلك الدفاع المستميت عن يزيد بن معاوية ما قاله أبو حامد الغزّالي كما نقله عنه ابن كثير وغيره، فإنه في نفس الوقت الذي حرم فيه لعن يزيد ورأى أن من يلعنه فهو ملعون، رأى أن الترحم عليه مستحب! نسأل الله أن يحشره يوم القيامة مقرونًا إلى يزيد بن معاوية! ولا ريب أن هذا هو الذي يحصل فإن (المرء مع من أحب) والذي يرى لعنه حراماً ولاعنه ملعوناً ويرى الترحم عليه مستحباً هو محب له. فإنه سئل عمن صرح بلعن يزيد: هل يحكم بفسقه أم هل يكون ذلك مرخصًا فيه وهل كان مريدًا قتل الحسين رضي الله عنه، أم كان قصده الدفع وهل يسوغ الترحم عليه أم السكوت عنه أفضل؟ يُنعم (أي الغزالي المفتي) بإزالة الاشتباه مثابًا، فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلًا، ومن لعن مسلمًا فهو الملعون" وفي تتمة تلك الفتوى أضاف: "وأمّا التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ فَجائِزٌ؛ بَلْ مُسْتَحَبٌّ؛ بَلْ نَحْنُ نَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ المُسْلِمِينَ والمُؤْمِنِينَ عُمُومًا فِي الصَّلَواتِ".
6) إنه لا ينبغي فعل ما يفعله الشيعة (والروافض) من قراءة مقتل الحسين عليه السلام
فإنه "يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين وحكايته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم، فإنه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم أعلام الدين، وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة، ولعل ذلك لخطأ في الاجتهاد لا لطلب الرياسة والدنيا كما لا يخفى" (1) كما نقلوا هذا التحريم عن الغزّالي.
الطريف في الأمر أنّ هؤلاء يحرمون لعن يزيد باسمه، ويقولون إذا أردت أن تلعن فالعن من قتل الحسين من غير تسمية ومن أباح المدينة ومن قصف الكعبة وهكذا، لماذا؟ لما سبق أن ذكرناه في النقطة السابقة.
ولا ريب أن هذا التحريم ما دام هكذا "يحرم على الواعظ وغيره "سيشمل النبي (2) صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب (3) فقد قرآ - ولو باختصار - مقتل الإمام الحسين عليه السلام، وبالتالي ففي رأي الغزالي ومن هلل وطبل لرأيه ناقلاً إياه مستعينًا به، في رأي هؤلاء يكون النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - حاشا قدسهما - قد ارتكبا الحرام.
وأعجب ما ذكر من "كراهية القهستاني: لو أراد ذكر مقتل الحسين ينبغي أن يذكر أولاً مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافض"(4) فهل نذكر مثلاً كيفية قتل معاوية بن أبي سفيان الصحابي سعد بن أبي وقاص الزهري كما نقل مؤرخون؟ أو قتله عبدَ الرحمن بن أبي بكر في طريق مكة؟ (بالجنود من العسل)؟ أو قتله الامام الحسن بن علي عليهما السلام؟
وماذا نصنع إذا لم يكن لبعض الصحابة مقتل حيث أن هؤلاء ماتوا على فرشهم "كما يموت البعير"؟
إن أتباع الاتجاه الأموي يعلمون أثر قراءة المقتل الحسيني واستقطابه سائر المسلمين إلى منهاج الحسين عليه السلام، واستهجانهم ما فعل بنو أمية في ذلك، بل ترقيهم بعد ذلك إلى الأعلى مما يهدم أسس المدرسة الأموية فلذلك حرموا وقبحوا كل شيء يرتبط بالحزن وذكر المصيبة حتى لقد دخلوا في النيات فهذا ابن كثير وغيره يقول إنه "لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنع ورياء"(5) فبينما يقول سلفه الغزّالي إنه لا يمكن العلم بأن يزيد قتل الحسين مع أنها حادثة تاريخية تثبت بالروايات والقرائن فمثل هذه القضية التاريخية يشكك في إمكان معرفتها الغزالي وهذا ابن كثير يدخل في نيات الشيعة فيرى أن أكثر ما يظهرونه من الحزن هو تصنع ورياء مع أن موضوع الرياء هو من أفعال القلوب التي لا يعلم بها إلا خالقها.
ومن عجب احتجاجهم للمنع من قراءة مقتل الحسين بأن من هو أفضل منه لا يتخذ من قبل الشيعة مأتمًا، فلا رسول الله يتخذ يوم وفاته مأتمًا ولا أبوه وهو أفضل منه اتخذ يوم مقتله مأتماً إلى آخر ما قال(6) وهذا الكلام لا يرد على شيعة أهل البيت وإنما على غيرهم الواقعين في التقصير بشأن النبي صلى الله عليه وآله ووصيه، ولا يرد على الشيعة فإنهم يتخذون يوم وفاة النبي في الثامن والعشرين من صفر في كل سنة يوم عزاء وحزن ومأتم ويتخذون يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان يوم شهادة أمير المؤمنين علي يوم مأتم وحزن وعزاء، فإما أن يكون ابن كثير لا يعلم بذلك فهو يدل على عدم تتبعه لقضية لا تحتاج لكثير عناء لاكتشافها وإن كان يعلم ويكتم الحق فما هي منه ببعيد.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الصواعق المحرقة 2/ 640
2) ابن أبي شيبة، أبو بكر: مصنف ابن أبي شيبة 7/ 477: قالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: دَخَلَ الحُسَيْنُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وأنا جالِسَةٌ عَلى البابِ، فَتَطَلَّعْتُ فَرَأيْتُ فِي كَفِّ النَّبِيِّ ﷺ شَيْئًا يُقَلِّبُهُ وهُوَ نائِمٌ عَلى بَطْنِهِ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، تَطَلَّعْتُ فَرَأيْتُكَ تُقَلِّبُ شَيْئًا فِي كَفِّكَ والصَّبِيُّ نائِمٌ عَلى بَطْنِكَ ودُمُوعُكَ تَسِيلُ، فَقالَ: «إنَّ جِبْرِيلَ أتانِي بِالتُّرْبَةِ الَّتِي يُقْتَلُ عَلَيْها، وأخْبَرَنِي أنَّ أُمَّتِي يَقْتُلُونَهُ»
3) المصدر السابق ٤٧٨: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيى الحَضْرَمِيِّ، عَنْ أبِيهِ، أنَّهُ سافَرَ مَعَ عَلِيٍّ، وكانَ صاحِبَ مَطْهَرَتِهِ حَتّى حاذى نِينَوى وهُوَ مُنْطَلِقٌ إلى صِفِّينَ فَنادى: صَبْرًا أبا عَبْدِ اللَّهِ، صَبْرًا أبا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: ماذا أبا عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: دَخَلْتُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وعَيْناهُ تَفِيضانِ، قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما لِعَيْنَيْكَ تَفِيضانِ؟ أغْضَبَكَ أحَدٌ؟ قالَ: «قامَ مِن عِنْدِي جِبْرِيلُ فَأخْبَرَنِي أنَّ الحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الفُراتِ، فَلَمْ أمْلِكْ عَيْنَيَّ أنْ فاضَتا».
4) حقي، إسماعيل: روح البيان ٤/١٤٣
5) ابن كثير، البداية والنهاية ط هجر ١١/٥٧٩
6) نفس المصدر والصفحة
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد علي التسخيري
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد عبد الحسين دستغيب
د. سيد جاسم العلوي
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ علي رضا بناهيان
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
ويرجو أن يبوح إليك
الأفكار المشبوهة وتغييب النهضة الحسينية (3)
الإمام الرّضا: قتيل على قارعة السّموم
الأمسية الشّعريّة الحسنيّة (بوح وجراح) في موسمها الثّاني
(كانت تسمّى نجفًا) جديد السّيّد عبّاش الشّبركة
الأمسية الشّعريّة (مهوى القلوب) بنسختها العاشرة
السخرية، بواعثها وآثارها
حال القرآن والقرّاء في آخر الزمان في الأحاديث
حفظ الصحة في رسالة الإمام الرضا (ع) الذهبية
الأفكار المشبوهة وتغييب النهضة الحسينية (2)