نشوء المسيحية
ظهر قبيل بعثة عيسى عليه السلام ـ بحسب ما ورد في الإنجيل ـ وفي أرض يهودية شاب هو يحيى بن زكريا يوحنا المعمدان، ذاع أمره في بني إسرائيل وكان يعظ الناس بقوله توبوا، قد اقترب ملكوت السماوات1. ويُراد بملكوت السماوات لدى بني إسرائيل: مملكة السماء، وهي هدفهم النبيل. وقد أحرزت دعوة يوحنا المعمدان نجاحاً باهراً، وكانت تقصده جماعات كثيرة وتتوب على يديه، وكان هو يعمّدهم أي يغسلهم في نهر الأردن لتطهيرهم من الخطايا والذنوب. وكان يحيى عليه السلام جريئاً في الحق، وقد ندّد بخطايا هيرودس ملك اليهود الظالم وحاكم ولاية الجليل، فأمر بقطع رأسه في السجن.
واصل عيسى مهمة يحيى وبدأ دعوته مبشراً بقرب ملكوت السماء وتصدى للإرشاد والوعظ في الكنائس. واختار في بداية الدعوة أتباعاً يستعين بهم على نشرها، وقد عُرف هؤلاء الأتباع بتلاميذ عيسى عليه السلام، واختار منهم 12 تلميذاً سمّاهم الرسل، وأطلق عليهم القرآن الكريم اسم الحواريين2. وأسماؤهم كما وردت في الأناجيل: شمعون بن يونا بطرس، اندراوس شقيق بطرس، يعقوب بن زبدى، يوحنّا شقيق يعقوب، فيليبس، برتلماوس، توماس، متّى العشار، يعقوب بن حلفى، تدّاوس يهوذا، شقيق يعقوب، شمعون الغيور، يهوذا الإسخريوطي.
وتذكر الأناجيل ـ وكما تنبأ عيسى ـ بأن جميع الرسل انفضّوا من حوله حينما ألقي القبض عليه، وكان يهوذا الإسخريوطي قد خان المسيح من قبل وأرشد إليه الفريسيين والرومان، وسهّل لهم صلبه وتقاضى منهم على ذلك أجراً، ولمّا مضى عيسى عليه السلام، وبغية إكمال عدد الرسل تم انتخاب ميتاس بدلاً عن يهوذا الإسخريوطي3. ويعدّ شمعون من كبار الرسل، وقد أطلق عليه عيسى اسم بطرس أي الصخرة لأنه يشكل الحجر الأساس للكنيسة أو المجتمع اليهودي4. وعلى الرغم من أن عيسى عيّن بطرس خلفاً له، إلا أن رسولاً آخر هو بولس حاز على مكانة أفضل حتى عدّ المؤسس الحقيقي للمسيحية.
بولس
كان اسمه في البداية شاؤول، وهو من الأسماء العبرية، ثم بدّل اسمه إلى بولس بعد اعتناقه المسيحية.
وكان بولس الروماني الجنسية من اليهود المتطرفين الذين اضطهدوا المسيحيين بعنف، ثمّ ادّعى أنه بينما كان يسير في طريقه من مدينة القدس إلى دمشق لإلقاء القبض على بعض المسيحيين، آنس في الطريق نور عيسى عليه السلام، فاعتنق المسيحية بأمره5، ثم أخذ بعد هذا التحوّل المفاجئ بالتبشير للمسيحية، وطاف مدناً عديدة ونشر المسيحية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، ووجّه رسائل إلى حديثي العهد بالمسيحية نُقل بعضها في العهد الجديد.
وقد أثارت الأفكار الجديدة التي طرحها بولس صراعاً عنيفاً بينه وبين بطرس وسائر الرسل، وانعكس جانب من هذا الصراع في سفر أعمال الرسل، وفي رسائله: ولكن لما قدم صخر بطرس إلى أنطاكية قاومته وجهاً لوجه لأنه كان يستحق اللوم6. كما أشار إلى الإخوة الكذّابين ويقصد بذلك الرسل الذين خالفوه الرأي7.
انتشار المسيحية
لقد تعرض المسيحيون طيلة 300 سنة من ظهور المسيحية إلى ألوان من المحن والاضطهاد، وقدموا ضحايا كثيرة في هذا السبيل، حتى تمكنوا في هذه المدة من وضع أسس الدين، ومن نشره بين أقوام مختلفة، ولكن جهودهم لم تكن تخلو من إخفاقات.
أما موقف السلطات الرومانية من الكنيسة فكان متسامحاً في بعض الأحيان، ولكن غالباً ما لجأ الولاة إلى اضطهاد الأتباع وقتل الكثيرين منهم بمن فيهم بطرس وبولس، ومع مرور الزمن بدأت بعض المراكز كروما وأورشليم والإسكندرية وإنطاكية تكتسب أهمية خاصة وقدرة متميزة، وكان لهذه المدن الأربع بطاركة يرعون شؤونها كما أنشئت في مناطقهم مقاطعات عرفت باسم الأبرشيات يتولى أمورها الأساقفة. ولما بنى قسطنطين عاصمته الجديدة القسطنطينية -اسطنبول في القرن الرابع أصبحت هذه المدينة من المراكز الهامة التي يرعى كنيستها أحد البطاركة. وقد تحول المسيحيون في أيام قسطنطين المتوفي 337 م من مجموعة تضطهدها سلطات الأمبراطورية الرومانية إلى كيان ذي شأن عبر الاعتراف الرسمي بالكنيسة، الأمر الذي أسفر عن تحولات كبيرة في حياتها، ففي ظل الأمبراطوريتين البيزنطية والرومانية أصبح أغلب الناس ـ باستثناء اليهود ـ مسيحيين8.
الإمبراطورية المقدسة
ما أن اعتنق قسطنطين قيصر الروم المسيحية في مطلع القرن الرابع الميلادي حتى أخذ نفوذ الكنيسة يتصاعد بالتدريج وبدأ تدخلها في السياسة يأخذ منحى صعودياً، وفي عام 800 م توّج البابا زعيم المسيحيين شارلمان ملك فرنسا، فكانت هذه الخطوة بداية تأسيس الإمبراطورية المقدسة، ومنذ ذلك الحين أصبح تدخل رجال الدين المسيحي في السياسة أمراً علنياً، وفي ذلك العصر كان اندلاع الحروب الصليبية، واستمر ذلك التدخل إلى عام 1806م، حيث أعلن رسمياً عن إنهاء تدخل الكنيسة في الشؤون السياسية.
إن إحدى أفجع الحوادث التي مُنيت بها الإنسانية في القرون الأخيرة هي صيحات الاعتراض التي رفعها رجال الكنيسة بوجه العلماء والمفكرين الغربيين في سعيهم نحو التقدم والرقي، هذا السلوك غير اللائق أساء إلى الوجه المشرق للدين ودفع الناس إلى إعلان رفضهم للكنيسة. حيث وصل علماء الغرب ومفكروهم إلى نتيجة أن تدخل الدين في السياسة يحقق المنافع لرجال الدين ويجلب المضار للناس كافة، وقد نالت هذه الفكرة تأييداً واسعاً من قبل قطاعات كبيرة من الشعب الذي سخط على الكنيسة وخاض نضالاً فكرياً ومسلحاً ضدها انتهى إلى التحرر من قيودها.
المجمع الفاتيكاني الثاني 1962 – 1965م
انعقد آخر المجاميع المسكونية في الكنيسة بدعوة من البابا يوحنا الثالث والعشرين، وكان يهدف إلى تجديد الكنيسة الكاثوليكية بمقتضى حاجات العصر الحديث، وقد شارك في المجمع أساقفة كاثوليك من جميع أرجاء العالم، وحضر إلى جانبهم مراقبون من الكنائس الأرثوذكسية والبروتستانتية، بالإضافة إلى ضيوف ينتمون إلى الإسلام واليهودية وديانات أخرى.
وقد صدر عنه ست عشرة وثيقة، وأهم تعاليمه:
1-مكانة الكتاب المقدس المميّزة في إيمان الكنيسة.
2-كهنوت جميع المسيحيين.
3-الالتزام بمتابعة العمل في سبيل الوحدة المسيحية.
4-الالتزام الفعّال بالنضال من أجل العدالة والسلام وحقوق الإنسان.
5-إقامة شعائر العبادة باللغات المحلية.
6-خلاص الله لأتباع سائر الديانات.
وثمّة وثيقة صادرة عن المجمع بعنوان تصريح حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية والفصل الخاص منها بالإسلام هو أول كتابة عالجت فيها الكنيسة موضوع المسلمين معالجة رسمية، ومما ورد فيه:
ـ على المسيحيين أن يحترموا المسلمين ويولوهم كل اعتبار.
ـ المسلمون والمسيحيون يعبدون الإله الواحد خالق السماء والأرض القدير الرحيم المكلّم البشر.
ـ المسلمون والمسيحيون على السواء يجتهدون في أن يخضعوا لأوامره تعالى.
واختتم المجمع تصريحه حول الإسلام بهذا الكلام: ولئن نشأت على مر القرون منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين، فالمجمع يحضّ الجميع على أن يتناسوا الماضي وينصرفوا بإخلاص إلى التفاهم ويصونوا ويعززوا معاً السلام والحرية والعدالة الاجتماعية والقيم الأخلاقية لصالح جميع الناس.
ـــــــــــــــــــــــــــ
دروس في الأديان, سلسلة المعارف الإسلامية
1- متى : 3-2 ، مرقس : 1-4، لوقا 3-3.
2- راجع متى : 19-28.
3- راجع أعمال الرسل : 1-15-26.
4- راجع متى : 16-18-19، ويوحنا : 21-15-19.
5- أعمال الرسل : 9-1-31.
6- رسالة إلى أهل غلاطية : 2-11.
7- راجع الرسالة الثانية إلى أهل قورنتس : 11-22-33.
8- راجع كتاب دروس في تاريخ الأديان ص 200 .
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)