من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

اختيار النبيّ (ص) لخديجة (ع)

نلاحظ أنّ النبيّ قد تزوّج السيّدة خديجة وهو في الخامسة والعشرين من عمره.. في سن الخامسة والعشرين!! ذلك السنّ الذي يكون الإنسان فيه في قمّة فوران غرائزه، فصحيح أنّ السيّدة خديجة في ذلك الوقت كانت ذات مكانة اجتماعيّة وذات ثروة عظيمة، ولكنّها عند الزواج من النبيّ الأكرم كان عمرها أربعين سنة، وبالتالي فقد كانت أكبر من النبيّ بخمسة عشر عاماً!! كما أنّها كانت قد تزوّجت مرتين قبله، وكلا زوجيها كان قد ارتحل من الدنيا.

 

فالنبيّ الأكرم الذي كان في ذروة شبابه، وفي الفترة التي تكون الغرائز فيها في أقوى مراحلها ـ فالنبيّ الأكرم كان في النهاية شابّاً كسائر الشباب، أضف إلى ذلك أنّه كان يعيش في الجزيرة العربيّة حيث الأجواء الحارّة وما يقتضيه ذلك من طبائع خاصّة عند أهل تلك البلاد ـ إنّ مثل هذا النبيّ يقدم على الزواج من امرأة عمرها أربعون سنة، واستمرّ زواجه منها حتّى زمان بعثته الشريفة خمس عشرة سنة، وبهذا يكون عمر السيّدة خديجة عند بعثة النبيّ الأكرم خمساً وخمسين سنة، ثمّ كان ارتحال السيّدة خديجة بعد عشر سنوات من البعثة؛ أي في الخامسة والستين من عمرها الشريف. وبالتالي يظهر لنا أنّ النبيّ الأكرم تزوّج من السيّدة خديجة في الخامسة والعشرين من عمره، وكان في الخمسين من عمره عند وفاتها، وكما تعلمون فإنّ تمتّع الشاب بالمسائل الجنسيّة يبلغ ذروته وأوجه في هذه الخمسة والعشرين سنة من عمره، أليس كذلك؟ فهذه المرحلة تبدأ من الرابعة والعشرين أو الخامسة والعشرين حتّى الخامسة والأربعين أو حتّى الخمسين كحدٍّ أقصى، وبعد ذلك تبدأ بالتراجع تدريجيّاً.

 

وهنا لنا الحقّ أن نسأل بأنّه: هل كان ذلك الزواج زواجاً عاديّاً؟! والأعظم من ذلك، أنّ النبيّ الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يتزوّج من امرأة أخرى طالما كانت السيّدة خديجة على قيد الحياة؛ يعني إنّ النبيّ الأكرم حتّى وفاة السيّدة خديجة وهي في الخامسة والستين من عمرها، وهو في الخمسين من عمره لم يتزوّج من امرأة أخرى إطلاقاً! إنّ النبيّ الأكرم لم يتزوّج امرأة أخرى طوال هذه المدّة احتراماً وتعظيماً للسيّدة خديجة عليها السلام!

 

ثمّ بعد ذلك نأتي لنرى أنّ هؤلاء المستشرقين المعاندين يدّعون أنّ النبيّ الأكرم كان إنساناً شهوانيّاً طالباً للرئاسة والسلطة، وأنّ الهدف من دعوته كان الوصول إلى الملك والسلطنة، وأنّه كان كثير الزواج بحيث أنّه كان ينتخب زوجة من كلّ مكان يذهب إليه، وكلّما أعجبته فتاة فإنّه كان يتزوّجها، حتّى بلغ عدد زوجاته تسعة أو إحدى عشر أو ثلاثة عشر بناء على أحد الأقوال، ما عدا الإماء اللاتي كنّ عنده!!

 

والحال أنّنا رأينا أنّ النبيّ الأكرم لم يتزوّج هؤلاء النساء إلاّ بعد الخمسين من عمره، رغم أنّ أقصى درجات القدرة إنما كانت في السنوات الخمسة والعشرين السابقة لذلك والتي قضاها مع السيّدة خديجة، ومع ذلك لم يتزوّج امرأة غيرها، فهذا النبيّ عندما تزوّج بعد ذلك فهل كان الدافع وراء زواجه هو هذه المسائل العاديّة؟! وهل كان زواجه مبنيّاً على هذه المسائل المتعارفة؟! كلاّ، من الواضح أنّه لم يكن كذلك؛ بل كان ذلك مبنيّاً على حسابات أخرى غير هذه؛ فالنبيّ كان في أفق آخر.. النبيّ الأكرم كان يحلّق عالياً في مكان آخر.. النبيّ الأكرم لم يكن في هذا العالم أصلاً!!

 

ومن هنا نعلم لماذا أمر الله سبحانه جبرئيل في ليلة زواج النبيّ من خديجة أن يأخذ قبضة من مسك الجنّة وقبضة من العنبر وقبضة من الكافور، فينثرها على جبال مكّة، ويقال أنّ جميع أهل مكّة كانوا يتعجّبون من راحة العطر التي شمّوها في تلك الليلة. إنّ هذا الأمر يعدّ من ضمن التأثيرات الملكوتيّة لهذا الزواج المبارك! وهذه تأثيرات عجيبة، وأظنّ أنّكم سمعتم بأنّه في بعض الأوقات قد تترشّح من الإنسان رائحة عطرة بسبب بعض الحالات الروحيّة فتعطّر الأجواء، وهذا العطر هو عطر من الجنّة، لا مثيل له في الدنيا. ينقل عن المرحوم السيّد علي القاضي، أو عن المرحوم السيّد جمال الدين الكلبايكاني أنّه كان قد ذهب إلى وادي السلام في النجف وبينما هو في طريق العودة ينقل أحدهم ـ ويبدو أنّه المرحوم الشيخ محمّد تقي الآملي ـ أنّه أحسّ برائحة عطر غاية في اللطف تترشّح منه وتتصاعد، ويقول: لقد تتبّعت مصدر العطر وسرتُ خلف صاحبه، فلمّا وصلت إلى سوق النجف والتقيت بأحد كبار النجف ومراجعه وسلّمت عليه وتكلّم معي أن أين أنتم؟ ولماذا لا نراكم في مجالسنا؟! فزالت تلك الرائحة العطرة، حينها يلتفت صاحب هذه الرائحة إلى ورائه ـ وهو يعلم بمن وراءه غاية الأمر أنّ من وراءه لم يكن يعرف ذلك ـ ويقول لي: أرأيت كيف أنّ لقاء واحداً وكلاماً واحداً يسلب من الإنسان ما آتاه الله.. حديث واحد وسلام واحد مختصر.. فما هو ذاك العطر الذي لا نظير له؟ إنّه تلك الجهة الملكوتيّة للإنسان والتي حصلت له بسبب زيارة وادي السلام.

 

وعلى أيّة حال، فقد قضى النبيّ صلّى الله عليه وآله مدّة من عمره في غار حراء كما تنقل الروايات، وقد كان يذهب إلى الغار في مختلف أيّام السنة إضافة إلى أيام شهر رمضان المبارك، إلى أن بعث بالرسالة في السابع والعشرين من رجب كما هو معروف في القصّة المفصّلة. وقد كان من المتعارف في ذلك الزمان عند الكثير من رجال العرب ومفكّريهم أن يعتزلوا الناس ويقضوا مدّة من عمرهم في التفكّر تقرّباً إلى الآلهة، وذلك نظير الاعتكاف الرائج عند المسلمين، وقد كان يحصل لهؤلاء روحانيّة خاصّة وتجرّد في الجملة فتمتاز أعمالهم وسيرتهم عمّا عليه الناس، وبالطبع لم يكن هؤلاء من الموحّدين، إلاّ أنّهم كانوا يعدّون الأصنام وسائط للوصول إلى الله والتقرّب منه، وكان يسمّى عملهم هذا بالتحنّف، وهو يعني الاستقامة وصحّة العبادة لله، تقول الآية: {وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاء}، {ما كانَ إِبْراهيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكين‌}، فالحنيف هو سالك الصراط المستقيم وطريقه هو الطريق المستقيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تاريخ زواج النبي (ص) من السيدة خديجة (ع) ۱۰ ربيع الأوّل 15عاماً قبل البعثة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد