من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ باقر القرشي
عن الكاتب :
الشيخ باقر بن الشيخ شريف بن الشيخ مهدي بن الحاج ناصر بن الشيخ قاسم بن الشيخ محمد بن الشيخ مسعود بن عمارة القرشي .rn عالم عراقي بارز، و كاتب و محقق متخصص في التاريخ الإسلامي وسيرة المعصومين عليهم السلام.rn ولد عام 1344 هـ في النجف الأشرف / العراق .rn التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف فدرس الفقه و الأصول و العلوم الإسلامية فتخرج منها برتبة عالية .rn من أساتذته: آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره، آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس سره.rn مؤلفاته تجاوزت السبعين منها: حياة الرسول الأعظم (٣ مجلدات)، موسوعة حياة اهل البيت (٤٢ مجلداً).rn توفي يوم الأحد 26 رجب سنة 1433 هـ في النجف الأشرف فصلى عليه المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره .rn دفن في مكتبته الخاصة ( مكتبة الامام الحسن عليه السلام ) في النجف الأشرف عصر يوم الأثنين الموافق 18/6/2012.rn

وصايا النبي (ص) التربوية إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) (2)

وهذا مقطع آخر من هذه الوصية: يا عَلِيُّ، طُوبَى لِصُورَةٍ نَظَرَ اللهُ إِلَيْهَا تَبْكِي عَلَى ذَنْبٍ لَمْ يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ.

 

إن من يقترف ذنباً وإثماً لم يطلع عليه أحد إلا الله تعالى، وأخذ في الندم عليه، وبكى على ذلك، فإنّ الله تعالى يمنحه بلطفه وعفوه.

 

وهذا بند آخر من هذه الوصية: يا عَلِيُّ، ثَلاثٌ مُوبِقاتٌ وَثَلاثٌ مُنْجِياتٌ: فَأَمَّا الْمُوبِقَاتُ: فَهَوى مُتَّبَعٌ، وَشُحٌ مُطَاعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا الْمُنْجِياتُ فَالْعَدْلُ فِي الرَّضا وَالْغَضَبِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنى وَالْفَقْرِ، وَخَوْفُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ كَأَنَّكَ تَراهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.

 

حفل هذا المقطع بالموبقات التي تسبب هلاك الناس، وبعده عن الله تعالى، وهي:

 

  1. اتباع الهوى والشهوات، فمن غرق فيها فقد هلك.
  2. الشح، وهو البخل الذي يبخل به على أهله ونفسه، وعلى كل مشروع خير.
  3.  إعجاب المرء بنفسه، فإنّه يصده عن كل خير، ويحجبه عن كل فضل.

 

وأما المنجيات من الأعمال والصفات فهي:

 

  1. العدل الذي هو من أفضل الأعمال، العدل في الرضا والغضب.
  2.  القصد وعدم الإسراف في حال الغنى والفقر، فإنه يوجب عدم ضياع ثروات الإنسان.
  3.  الخوف من الله تعالى في السر والعلانية، فإنه يوجب مغفرة الله تعالى وعفوه.

 

وهذا بند آخر من هذه الوصية: يا عَلِيُّ، ثَلاثٌ يَحْسُنُ فِيهِنَّ الْكِذْبُ: الْمَكِيدَةُ فِي الْحَرْبِ، وَعِدَتُكَ زَوْجَتَكَ، وَالْإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ.

 

إن الكذب مقتض للقبح والإثم، ولكنه يزول قبحه وإثمه في المواضع الثلاثة التي ذكرها النبي (ص).

 

ولننظر إلى مقطع آخر من هذه الوصية: يا عَلِيُّ، ثَلاثٌ يَقْبُحُ فِيهِنَّ الصَّدْقُ: النَّمِيمَةُ، وَإِخْبَارُكَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِهِ بِمَا يَكْرَهُ، وَتَكْذِيبُكَ الرَّجُلَ عَنِ الْخَيْرِ.

 

الصدق مقتض للحسن، وصفة من أفضل الصفات، ولكنه يذهب حسنه في هذه المواضع الثلاثة التي يترتب على الكذب فيها الكثير من المنافع.

 

وهذا مقطع آخر من هذه الوصية: يا عَلِيُّ، أَرْبَعٌ يَذْهَبْنَ ضَلالاً – أي ضياعاً: الْأَكْلُ بَعْدَ الشَّبْعِ، وَالسِّراجُ فِي الْقَمَرِ، وَالزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ السَّبْخَةِ، وَالصَّنِيعَةُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهَا.

 

إن هذه الأمور الأربعة تذهب ضياعاً ولا أثر لها، وتوجب الضرر والخسران، كالزرع في الأرض السبخة، والمعروف عند غير أهله.

 

وهذا بند آخر من هذه الوصية: يا عَلِيُّ، أَرْبَعٌ أَسْرَعُ شَيْءٍ عُقُوبَةٌ: رَجُلٌ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ فَكَافَأَكَ بِالْإِحْسَانِ إِساءَةً، وَرَجُلٌ لا تَبْغِي عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْغِى عَلَيْكَ، وَرَجُلٌ عَاقَدْتَهُ عَلَى أَمْرٍ فَمِنْ أَمْرِكَ الْوَفاءُ لَهُ وَمِنْ أَمْرِهِ الْغَدْرُ بِكَ، وَرَجُلٌ تَصِلُهُ رَحِمُهُ وَيَقْطَعُهَا.

 

إن هذه الأمور يعجل الله تعالى فيها العقوبة على من استحلها وسار عليها، فإنها من موجبات النقمة والعذاب من الله سبحانه وتعالى.

 

وهذا بند آخر من الوصية: يا عَلِيُّ، أَرْبَعٌ مَنْ يَكُنَّ فِيهِ كَمُلَ إِسْلامُهُ: الصَّدْقُ، وَالشَّكْرُ، وَالْحَيَاءُ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ.

 

إن من يتصف بهذه الصفات الرفيعة فقد كمل دينه وحسن إسلامه.

 

ولنستمع إلى الفقرة الأخيرة من هذه الوصية للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، قِلَّةُ طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنَ النَّاسِ هُوَ الْغِنَى الْحَاضِرُ، وَكَثْرَةُ الْحَوَائِجِ إِلَى النَّاسِ مَذَلَّةٌ وَهُوَ الْفَقْرُ الْحَاضِرُ[1].

 

وانتهت بذلك هذه الوصية الذهبية التي تغذى بها الإمام أمير المؤمنين (ع) عملاق هذه الأمة، ورائد حضارتها الفكرية والعلمية، وقد غذاه النبي محمد (ص) بها وبمواهبه وعبقرياته، وأقامه علماً ومرشداً لأمته.

 

الوصية الثانية

 

قال النبي محمد (ص) في وصيته الثانية للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، لِكُلِّ ذَنْبٍ تَوْبَةٌ، إِلَّا سُوء الْخُلُقِ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْ ذَنْبِ دَخَلَ فِي ذَنْبٍ[2].

 

إن سوء الخلق من أرذل الصفات، ومن مساوئ الخصال التي تلحق الإنسان بقافلة الحيوان الأعجم، وقد أكد النبي (ص) في كثير من أحاديثه على ضرورة الاتصاف بالأخلاق الرفيعة، والاجتناب عن الأخلاق السيئة.

 

الوصية الثالثة

 

قال النبي محمد (ص) في وصيته الثالثة للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، أَفْضَلُ الجِهَادِ مَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِظُلْمٍ أَحَدٍ.

 

يا عَلِيُّ، مَنْ خَافَ النَّاسُ لِسَانَهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.

 

يا عَلِيُّ، شَرُّ النَّاسِ مَنْ أَكْرَمَهُ النَّاسُ اتَّقَاءَ فُحْشِهِ، وَأَذِى شَرِّهِ.

 

يا عَلِيُّ، شَرُّ النَّاسِ مَنْ باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، وَشَرٌّ مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ[3].

 

عرض الحديث إلى شرار الناس، وأكثرهم بعداً عن الله تعالى، وهم:

 

  1. من خاف الناس سطوة لسانه.
  2. من باع آخرته بدنياه.
  3. من باع آخرته بدنيا غيره.

 

فهؤلاء ما لهم في الآخرة من نصيب، ومصيرهم الخسران والعذاب.

 

الوصية الرابعة

 

قال النبي محمد (ص) في وصيته الرابعة للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَذْهَبَ بِالْإِسْلَامِ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَفَاخُرَهُم بِآبَائِهِم، أَلَا وَإِنَّ النَّاسَ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، وَأَكْرَمَهُم عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاهُم[4].

 

إن الإسلام قد هدم الحواجز بين الناس، وألغى الفوارق والتفاضل بالأنساب، وجعل التمايز بينهم بالتقوى والعمل الصالح الذي هو أعظم رصيد للإنسان.

 

الوصية الخامسة 

 

قال النبي محمد (ص) في وصيته الخامسة للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، أَنَّهَاكَ عَنْ ثَلاثِ خِصال: الْحَسَدِ، وَالْحِرْصِ، وَالْكِبْرِ[5].

 

إن هذه الخصال من مساوئ الصفات التي تلقي الإنسان في شر عظيم، وتهبط به إلى مستوى سحيق ما له من قرار.

 

الوصية السادسة

 

قال النبي محمد (ص) في وصيته السادسة للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً لِيُماري بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يُجَادِلَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيَدْعُو النَّاسَ إِلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ[6].

 

إن طلب العلم ينبغي أن يكون لكمال الإنسان، وتهذيب سلوكه، فإذا كان مشفوعاً بالأغراض الخاصة التي مالها إلى التراب، فلا يترتب عليه أجر، ويعود بالإثم عليه، ومن بين الأغراض التي ذكرها النبي الأكرم (ص):

 

  1.  طلب العلم لمماراة السفهاء، والتغلب عليهم، فإن ذلك ينم عن مرض النفس وبعدها عن الله تعالى.
  2. طلب العلم لمجادلة العلماء، وإظهار الشخص نفسه أمام المجتمع بأنه من العلماء، فإنّ الدافع لذلك حب الدنيا، والتهالك على الجاه، وحب الظهور.
  3. طلب العلم لدعوة الناس إليه، والالتفاف حوله، أعاذنا الله تعالى – بلطفه وفضله – من هذه الآفات التي تحول بين الإنسان وربه.

 

الوصية السابعة

 

قال النبي محمد (ص) في وصيته السابعة للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، بَادِرْ بِأَرْبَعٍ قَبْلَ أَرْبَعِ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِناكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَحَياتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ[7].

 

إن من بادر لاعتناق هذه الصفات فقد فاز فوزاً مبيناً، ونجا من مآثم الحياة.

 

الوصية الثامنة

 

قال النبي محمد (ص) في وصيته الثامنة للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، أَحْسِنْ خُلُقَكَ مَعَ أَهْلِكَ وَجِيرَانِكَ وَمَنْ تُعَاشِرُ، وَتُصَاحِبُ مِنَ النَّاسِ تُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلى[8].

 

إن الأخلاق الكريمة من أبرز الصفات الرفيعة التي يتحلى بها الإنسان، ومن أجملها حسن الأخلاق مع الأهل والجيران والأصحاب.

 

الوصية التاسعة 

 

قال النبي محمد (ص) في وصيته التاسعة للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، ثَلَاثَ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ: سَخاءُ النَّفْسِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَذى[9].

 

إن هذه الخصال الثلاثة من أبرز أبواب البر والإحسان، فسخاء النفس، وطيب الكلام والصبر على الأذى والمكروه هي من الأسس التربوية التي تبناها الإسلام.

 

هذه بعض وصايا النبي محمد (ص) إلى باب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (ع)، وكلها تتعلق بآداب السلوك، ومحاسن الصفات والأعمال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  الحرّاني، تحف العقول، ص٦ – ٩.
[2]  الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص355.
[3]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج٦، ص٣٣٣.
[4]  المجلسي، بحار الأنوار، ج77، ص53.
[5]  المجلسي، بحار الأنوار، ج77، ص53.
[6]  المجلسي، بحار الأنوار، ج77، ص54.
[7]  المجلسي، بحار الأنوار، ج77، ص49.
[8]  المجلسي، بحار الأنوار، ج77، ص67.
[9]  المجلسي، بحار الأنوار، ج77، ص62.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد