من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

تحولات الخلافة في بداية العصر الأموي


السيد محمد حسين الطبطبائي ..

بعد استشهاد أمير المؤمنين علي عليه السلام, تصدى لمنصب الإمامة الحسن بن علي (ع) وذلك وفقًا لوصية الإمام علي (ع) ومبايعة الناس له, ويعتبر الإمام الثاني للشيعة الاثنى عشرية, ولكن معاوية لم يستقر ويهدأ لهذا الأمر, فجهز جيشه واتجه به إلى العراق مقر الخلافة, معلنًا الحرب على الحسن بن علي (ع).
أفسد معاوية رأي أصحاب الحسن (ع) بمختلف الطرق والدسائس, ومنح الأموال الطائلة لهم وأجبر الإمـام الحسن (ع) على الصلح معه, وأن تصير الخلافة إليه, على شرط أن تكون للحسن (ع) بعد وفاة معاوية, وألا يتعرض إلى شيعته, فصارت الخلافة لمعاوية وفقًا لشروط.
اسـتـولى معاوية على الخلافة (سنة 40 للهجرة), فاتجه إلى العراق, فخطب فيهم قائلاً: ((يا أهل الـكوفة أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج ولكني قاتلتكم لأتامر عليكم وقد آتاني اللّه ذلك, وأنتم كارهون)).
وقال أيضاً: ((ألا إن كل دم أصيب في هذه مطلول, وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين)).
ومـعاوية بكلماته هذه يشير إلى أنه يريد أن يفصل السياسة عن الدين, فهو لا يريد إلزام أحد بأحكام الدين, وإنما كان اهتمامه بالحكومة فحسب, واستحكام مقوماتها, وبديهي أن مثل هذه الحكومة ملوكية ولـيست خلافة واستخلافاً لمنصب الرسول الكريم (ص) وقد حضر بعض الناس مجلسه, فسلموا عـلـيـه بـسلام الملوك وكان يعبر في بعض مجالسه الخاصة, عن حكومته بالملوكية علماً بأنه كان يـعرف نفسه خليفة في خطبه. والملوكية التي تقام على القوة تتبعها الوراثة. وفي النتيجة كان الأمر كـما أراد ونوى فاستخلف ابنه يزيد وجعله خليفة له من بعده وكان شاباً لا يتصف بشخصية دينية إذ قام بأعمال وجرائم يندى لها الجبين.
فـمـعاوية مع بيانه السالف, كان يعني أنه لم يرغب في أن يصل الحسن (ع) إلى الخلافة بعده أي أنه كـان يـفـكر في موضوع الخلافة بشي آخر وهو دس السم إلى الحسن (ع)، فهو بهذا الأمر قد مهد الـسبيل إلى ابنه يزيد. ومع إلغائه معاهدة الصلح كان يهدف إلى اضطهاد الشيعة, ولن يسمح لهم بالحياة المطمئنة أو أن يستمروا كما في السابق في نشاطهم الديني ووفق في هذا المضمار أيضاً.
وصـرح مـعـاوية في خصوص مناقب أهل البيت, بأن كل ناقل لحديث في هذا الشان لم يكن بمأمن في حياته وماله وعرضه, وأمر أن تعطى الهدايا والجوائز لكل من يأتي بحديث في مناقب سائر الصحابة والخلفاء, وكانت النتيجة أن توضع أخبار كثيرة في مناقب الصحابة, وأمر أن يسب الإمام علي (ع) في جـمـيـع الأقـطـار الإسلامية على المنابر (وهذا الأمر كان سارياً حتى زمن عمر بن عبدالعزيز الخليفة الأموي سنة99 -110هـ).
فقتل جماعة من خاصة شيعة علي (ع) بمساعدة عماله, وكان بعضهم من الصحابة, ورفعت رؤوسهم عـلى الرماح, تنقل من بلد لآخر, وكلف عامة الشيعة بسب علي (ع), والتبري منه, فكان القتل حليف من خالف وأبى.

الأيام العصيبة التي مرت بالشيعة
مـن أشـد الأيام التي مرت بها الشيعة قساوة, هو زمن حكومة معاوية بن أبي سفيان, والتي استمرت زهـاء عشرين عاماً, لم تكن الشيعة بمأمن, وكان أغلب رجال الشيعة يشار إليهم بالبنان ـ ولم تكن لدى الـحسن والحسين عليهما السلام, اللذين عاصرا معاوية, أدنى الوسائل تمكنهم من القيام والقضاء على الأوضـاع الـمؤلمة. والإمام الحسين (ع) عندما نهض في الأشهر الأولى من حكومة يزيد, استشهد ومن كان معه من أولاد وأصحاب.
فـبـعـض إخواننا أهل السنة يذهبون إلى التوجيه والتأويل في سفك الدماء هذه, وما شابهها من أعمال إجـرامـيـة, كان يقوم بها بعض الصحابة, وخاصة معاوية, مبررين أعمالهم ومواقفهم هذه, بأنهم من صحابة الرسول (ص). ووفقاً للأحاديث المروية عنه (ص), إن الصحابة مجتهدون معذورون, وإن اللّه جل وعلا راض عنهم, لكن الشيعة ترفض هذا بأدلة:
أولا: يستحيل على قائد كالنبي (ص) الذي نهض لإحياء الحق والحرية والعدالة الاجتماعية, واتبعه جمع من الناس, فضحوا بما لديهم في سبيل تحقق هذا الهدف المنشود, وعند تحققه, يترك العنان لهم, ويـمنحهم الحرية المطلقة, أمام الأحكام المقدسة, كي يقوموا بأي عمل شاؤوا, وهذا يعني أن ينهار البناء الشامخ بتلك الأيدي التي ساهمت في إقامته وتشييده.
ثـانـيـاً: إن الـروايـات التي تقدس الصحابة وتنزههم, وتصحح أعمالهم غير المشروعة وتوجهها, وتـعـتـبـرهـم من الذين قد كفر اللّه عنهم سيئاتهم, وأنهم مصونون وما إلى ذلك, هذه الروايات قد وضـعـت من قبل هؤلاء الصحابة أنفسهم, والتاريخ يشهد أن الصحابة, لم يكن أحدهم ليحترم الآخر, ولـم يـغـض الـنـظـر عن أعماله القبيحة, وإنما كان يشهر به ويعرفه للملأ، فقد قام بعضهم بالقتل الجماعي واللعن والسب وفضح الآخرين, ولم تكن هناك أية مسامحة أو غضاضة فيما بينهم.

ووفـقـاً لما ذكرنا فإن الصحابة يشهدون أن هذه الروايات غير صحيحة, وإذا ما تحققت صحتها فإن المراد منها معنى آخر, غير التنزيه والتقديس القانوني للصحابة.
ولـو قدر أن اللّه سبحانه وتعالى قد مدحهم ورفع شانهم في بعض آياته, فإن هذا يدل على ما قدموه مـن خدمات في سابق حياتهم, وتنفيذاً لأوامر اللّه تعالى, فطبيعي أن يتحقق رضى اللّه تعالى, ولم يكن الـمراد من أنهم يستطيعون القيام بكل ما تراودهم نفوسهم في المستقبل, وإن كان خلافاً لأحكام اللّه تعالى.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد