من التاريخ

موعظة النبيّ صلّى الله عليه وآله لأهل الصُّفَّة


قال جعفر الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: إِنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كان يأتي أهلَ الصُّفّةِ وكانوا ضِيفانَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، كانوا هاجروا مِن أهاليهِم وأموالِهِم إلى المدينَةِ، فأسكنَهُم رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ صُفّةَ المسجدِ وهم أربَعُمائةِ رجلٍ، يُسلّمُ عليهم بالغُدْوَةِ والعَشِيِّ، فأتاهمْ ذاتَ يومٍ، فمنهم مَن يَخصِفُ نَعْلَهُ، ومنهم مَن يَرقَعُ ثَوْبَهُ، ومنهم من يَتَفَلّى، وكانَ رسولُ اللهِ يَرْزُقُهُمْ مُدّاً مُدّاً من تمرٍ في كلِّ يوم، فقامَ رجلٌ منهم، فقال: يا رسولَ اللهِ! التمرُ الذي تَرْزُقُنا قد أحرقَ بُطونَنا.
فقال رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: أَما إِنّي لَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أُطْعِمَكُمُ الدُّنْيا لَأَطْعَمْتُكُمْ، وَلَكِنْ مَنْ عاشَ مِنْكُمْ مِنْ بَعْدي فَسَيُغْدى عَلَيْهِ بِالجِفانِ وَيُراحُ عليه بالجِفانِ، وَيَغْدو أحدُكُمْ في قَميصةٍ وَيروحُ في أُخرى، وَتُنَجِّدونَ بيوتَكُمْ كَما تُنَجَّدُ الكَعْبَةُ.
فقامَ رجلٌ فقالَ: يا رسولَ اللهِ! إنّا على ذلكَ الزمانِ بِالأشواقِ، فمتى هو؟
قالَ صلّى الله عليه وآله: زَمانُكُم هذا خيرٌ من ذلِكَ الزَّمانِ، إنَّكم إنْ مَلأتُمْ بطونَكم مِنَ الحَلالِ توشِكونَ أَنْ تَمْلأوها مِنَ الحَرامِ.
فقامَ سعدُ بنُ الأشجِّ فقال: يا رسولَ الله! ما يُفعلُ بنا بعدَ الموتِ؟
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: الحِسابُ والقَبْرُ، ثُمَّ ضِيقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ سَعَتُهُ.
فقال: يا رسولَ اللهِ! هلْ تخافُ أنتَ ذلك؟!
فقال: لا، ولكنْ أستحي مِنَ النِّعمِ المُتظاهرةِ التي لا أُجازيها ولا جُزْءاً من سَبعة.
فقال سعدُ بْنُ الأَشجّ: إِنّي أُشهِدُ اللهَ وأُشهِدُ رسولَهُ، ومَنْ حَضَرَني؛ أنَّ نوْمَ اللَّيلِ عليَّ حرامٌ، والأكْلَ بالنّهارِ عليَّ حرامٌ، ولباسَ اللَّيلِ عليَّ حرامٌ، ومخالطةَ الناسِ عَليَّ حرامٌ، وإتْيانَ النِّساءِ عليَّ حرامٌ.
فقال رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: يا سَعْدُ، لَمْ تَصْنَعْ شَيْئاً، كيفَ تأمرُ بالمعروفِ وَتَنْهى عَنِ المُنكرِ إذا لم تُخالِطِ النّاسَ؟ وَسكونُ البَرِّيَّةِ بَعْدَ الحَضَرِ كُفْرٌ للنّعمَة؛ نَمْ باللَّيلِ وكُلْ بالنّهارِ، والبَسْ ما لم يَكنْ ذَهَباً أو حَريراً أو مُعَصْفَراً، (مصبوغ بصفرة) وَائتِ النِّساءِ. "..."
ثم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ:
بئْسَ القوْمُ قومٌ لا يَأمرونَ بالمعروفِ ولا يَنهوْنَ عنِ المُنكر، بئسَ القوْمُ قومٌ يَقْذِفونَ الآمرينَ بالمعْروفِ والنّاهينَ عنِ المُنْكرِ، بئسَ القوْمُ قوْمٌ لا يَقومونَ للهِ تعالى بالقِسْط،ِ بئسَ القوْمُ قومٌ يَقْتُلوَن الّذينَ يَأمرونَ النّاسَ بِالقِسطِ في النّاسِ، بئسَ القوْمُ قومٌ يكونُ الطّلاقُ عندَهم أوثقَ من عهْدِ الله تعالى، بئسَ القوْمُ قومٌ جعلوا طاعةَ أيمانِهم (في نُسَخ: آبائهم أو إمامهم) دونَ طاعَةِ الله، بئسَ القوْمُ قومٌ يختارونَ الدُّنْيا على الدِّينِ، بئْسَ القوْمُ قوْمٌ يستحلّونَ المحارِمَ والشَّهواتِ والشُّبُهاتِ.
قيل: يا رسولَ الله! وأيُّ المؤمنينَ أَكْيَسُ؟
قال: أَكثرُهُمْ للموتِ ذِكراً، وأحسنُهُمْ له استِعْداداً، أولئكَ همُ الأَكياسُ.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد