الشيخ جعفر السبحاني
أبو محمّد الحسن بن علي الهادي ـ عليهما السلام ـ العسكري
أبو محمّد: الحسن بن علي الهادي بن محمّد الجواد، أحد أئمّة أهل البيت، والإمام الحادي عشر، الملقّب بالعسكري ولد عام 232 1، وقال الخطيب في تاريخه 2وابن الجوزي في تذكرته 3 أنّه ولد عام 231، وأشخص بشخوص والده إلى العراق سنة 236، وله من العمر أربع سنين وعدّة شهور وقام بأمر الإمامة والقيادة الروحية بعد شهادة والده، وقد اجتمعت فيه خصال الفضل، وبرز تقدّمه على كافة أهل العصر، واشتهر بكمال الفعل والعلم والزهد والشجاعة 4 روى عنه لفيف من الفقهاء والمحدّثين ما يربو على 150 شخصاً 5 وتوفّي عام 260، ودفن في داره الّتي دفن فيها أبوه بسامراء.
وخلّف ابنه المنتظر لدولة الحق، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت، وشدّة طلب السلطة، واجتهادها في البحث عن أمره ولكنّه سبحانه حفظه من شرار أعدائه كما حفظ سائر أوليائه كإبراهيم الخليل وموسى الكليم، فقد خابت السلطة في طلبهما والاعتداء عليهما.
وقد اشتهر الإمام بالعسكري لأنّه منسوب إلى عسكر ويراد به سرّ من رأى الّذي بناها المعتصم، وانتقل إليها بعسكره، وأمّا نسبة الإمام لأنّ المتوكّل أشخص اباه عليّاً إليها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر فنسب هو وولده إليها 6.
وقال السبط ابن الجوزي: كان عالماً ثقة روى الحديث عن أبيه عن جدّه ومن جملة مسانيده حديث في الخمر عزيز.
ثمّ ذكر الحديث عن جدّه أبي الفرج الجوزىّ في كتابه المسمّى بتحريم الخمر ثمّ ساق سند الحديث إلى الحسن العسكري وهو يسند الحديث إلى آبائه إلى علي بن أبي طالب وهو يقول: أشهد باللّه لقد سمعت محمّداً رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول: أشهد باللّه لقد سمعت جبرائيل يقول: أشهد باللّه لقد سمعت ميكائيل يقول: أشهد باللّه لقد سمعت إسرافيل يقول: أشهد باللّه على اللوح المحفوظ أنّه قال: سمعت اللّه يقول: «شارب الخمر كعابد الوثن» 7.
إنّ الإمام أسند الحديث إلى النبيّ الأكرم ولعلّ السبط ابن الجوزي زعم انّه مختص بهذا المورد، ولكن الحقيقة غير ذلك، فإنّ أحاديث أئمّة أهل البيت مروية كلها عن النبىّ الأكرم، فهم لا يروون في مجال الفقه والتفسير والأخلاق والدعاء إلاّ ما وصل إليهم عن النبىّ الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عن طريق آبائهم وأجدادهم، ومروياتهم لا تعبّر عن آرائهم الشخصية، فمن قال بذلك وتصوّر كونهم مجتهدين مستنبطين، فقد قاسهم بالآخرين ممّن يعتمدون على آرائهم الشخصية وهو في قياسه خاطئ، فهم منذ نعومة أظفار هم إلى أن لبّوا دعوة ربّهم لم يختلفوا إلى أندية الدروس، ولم يحضروا مجلس أحد من العلماء ولا تعلّموا شيئاً من غير آبائهم فما يذكرونه من علوم ورثوها من رسول اللّه وراثة غيبية لا يعلم كنهه إلاّ اللّه سبحانه والراسخون في العلم.
وهذا جابر الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر الباقر ـ عليه السلام ـ : إذا حدّثني بحديث فأسنده لك؟ فقال: حدّثني أبي عن جدّي عن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عن جبرئيل عن اللّه تبارك وتعالى، فكل ما أحدثك بهذا الإسناد. ثمّ قال: لحديث واحد تأخذه من صادق عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها 8.
وروى حفص ابن البختري، قال: قلت لأبي عبداللّه الصادق ـ عليه السلام ـ : أسمع الحديث منك فلا أدري منك سماعه أو من أبيك؟ فقال: ما سمعته منّي فاروه عن أبي، وما سمعته منّي فاروه عن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ 9.
فأئمة المسلمين على حد قول القائل:
ووال أناسًا نقلهم وحديثهم *** روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري
ولقد عاتب الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ سلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة حيث كانا يأخذان الحديث من الناس ولا يهتمان بأحاديث أهل البيت، فقال لهما: شرقّا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ أشياء خرج من عندنا أهل البيت.
رغم أنّ الخلفاء وضعوا الإمام تحت الإقامة الجبرية وجعلوا عليه عيوناً وجواسيس ولكن روى عنه الحفّاظ والرواة أحاديث جمّة في شتى المجالات نذكر أسماء الرواة عنه:
قال ابن شهرآشوب: من ثقاته علي بن جعفر، وأبو هاشم، داود بن القاسم الجعفري وقد أدرك خمسة من الأئمّة ـ عليهم السلام ـ وداود بن أبي يزيد النيسابوري، ومحمّد بن علي بن بلال، وعبداللّه بن جعفر الحميري القمّي، وأبو عمر عثمان ابن سعيد العمري، وإسحاق بن ربيع الكوفي، وأبو القاسم جابر بن اليزيد الفارسي، وإبراهيم بن عبدة بن إبراهيم النيسابوري و... 10.
ثمّ إنّ الكلام في أخلاقه وأطواره، ومناقبه وفضائله، وكرمه وسخائه، وهيبته، وعظمته، ومجابهته للخلفاء العباسيين بكل جرأة وعزّة. وما نقل عنه من الحكم والمواعظ والآداب، يحتاج إلى تأليف مفرد وكفانا في ذلك علماؤنا الأبرابر بيد أنّا نشير هنا إلى لمحة من علومه :
1- لقد شغلت الحروف المقطّعة بال المفسّرين فضربوا يميناً ويساراً وقد أنهى الرازي أقوالهم فيها في أوائل تفسيره الكبير إلى قرابة عشرين قولًا، ولكن الإمام ـ عليه السلام ـ يعالج تلك المعضلة بأحسن الوجوه وأقربها للطبع، فقال: كذبت قريش واليهود بالقرآن، وقالوا سحر مبين تقوّله.
فقال اللّه: ﴿ ... الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ ... ﴾ 11 (فقل) يا محمّد، هذا الكتاب الّذي نزّلناه عليك هو الحروف المقطّعة الّتي منها «ألف»، «لام»، «ميم» وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثمّ بيّن أنّه لا يقدرون عليه بقوله: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ 1213.
وقد روي هذا المعنى عن أبيه الإمام الهادي ـ عليه السلام ـ 14.
2- كان أهل الشغب والجدل يلقون حبال الشك في طريق المسلمين فيقولون: إنّكم تقولون في صلواتكم ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ 15 أولستم فيه؟
فما معنى هذه الدعوة؟ أو أنّكم متنكّبون عنه فتدعون ليهديكم إليه؟ ففسّر الإمام الآية قاطعاً لشغبهم فقال: «أدم لنا توفيقك الّذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمالنا» .
ثمّ فسّر الصراط بقوله: الصراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة أمّا الأوّل فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل، وأمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة الّذي هو مستقيم، لا يعدلون عن الجنّة إلى النار ولا إلى غير النار سوى الجنّة 16.
وقد استفحل أمر الغلاة في عصر الامام العسكري ونسبوا إلى الأئمّة الهداة أموراً هم عنها براء، ولأجل ذلك يركّز الإمام على أنّ الصراط المستقيم لكل مسلم هو التجنّب عن الغلو والتقصير .
3- ربّما يغتر الغافل بظاهر قوله سبحانه: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ... ﴾ 17 ويتصوّر أنّ المراد من النعمة هو المال والأولاد وصحّة البدن، وإن كان كل هذا نعمة من اللّه، ولكن المراد من الآية بقرينة قوله:﴿ ... غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ 17 هو نعمة التوفيق والهداية .
ولأجل ذلك نرى أنّ الإمام يفسّر الأنعام بقوله: «قولوا اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك وهم الذين قال اللّه عزّوجلّ: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾ 18 ثمّ قال: ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحّة البدن وإن كان كلّ هذا نعمة من اللّه ظاهرة»19.
4- لقد تفشّت فكرة عدم علمه سبحانه بالأشياء، قبل أن تخلق استلهاماً من بعض المدارس الفكرية الفلسفية الموروثة من اليونان، فسأله محمّد بن صالح عن قول اللّه:﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ 20 فقال: هل يمحو إلاّ ما كان وهل يثبت إلاّ ما لم يكن؟ فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقوله هشام الفوطي. إنّه لا يعلم الشيء حتّى يكون، فنظر إلىَّ شزرًا، وقال:
«تعالى اللّه الجبّار العالِم بالشيء قبل كونه، الخالق إذ لا مخلوق، والربّ إذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه» 21 22.
ـــــــــــــ
• 1. الكليني: الكافي 1 / 503.
• 2. الخطيب: تاريخ بغداد 7 / 366.
• 3. سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص 322.
• 4. المفيد: الارشاد 335.
• 5. العطاردي: مسند الامام العسكري وقد جمع فيه كل ما روي عنه وأسند إليه.
• 6. ابن خلكان: وفيات الأعيان 2 / 94.
• 7. تذكرة الخواص 324.
• 8. الحر العاملي: وسائل الشيعة ج 18، الباب الثامن من أبواب صفات القاضي الحديث 67.
• 9. المصدر نفسه، الحديث 86.
• 10. المناقب 4 / 423.
• 11. القران الكريم: سورة البقرة (2)، من بداية السورة إلى الآية 2، الصفحة: 2.
• 12. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 88، الصفحة: 291.
• 13. الصدوق: معاني الأخبار 24، والحديث ذيل فمن أراد فليرجع إلى الكتاب.
• 14. الكليني: الكافي ج 1 كتاب العقل والجهل الحديث 20 / 24 ـ 25.
• 15. القران الكريم: سورة الفاتحة (1)، الآية: 6، الصفحة: 1.
• 16. الصدوق: معاني الأخبار 33.
• 17. . القران الكريم: سورة الفاتحة (1)، الآية: 7، الصفحة: 1.
• 18. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 69، الصفحة: 89.
• 19. الصدوق: معاني الأخبار 36.
• 20. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 39، الصفحة: 254.
• 21. المسعودي: اثبات الوصية 241.
• 22. من كتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان