من التاريخ

ما طلبته الزهراء (عليها السلام) قبل شهادتها

          
جاء في كتاب علل الشرائع عن المفضل قال: قلت للصادق (عليه السلام): جعلت فداك من غسل فاطمة (عليها السلام)؟ قال: ذاك أمير المؤمنين، قال: فكأني استعظمت ذلك من قوله فقال: كأنك ضقت مما أخبرتك به؟ قلت: قد كان ذلك جعلت فداك؟ قال: لا تضيقن فإنها صديقة لا يغسلها إلا صديق، أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى (عليه السلام)[1].
وعن أبي الحسن الخزاز القمي في كتاب الأحكام الشرعية: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن فاطمة من غسلها؟ فقال: غسلها أمير المؤمنين (عليه السلام)، إنها كانت صديقة ولم يكن ليغسلها إلا صديق[2]، والأخبار كثيرة في أن عليًّا (عليه السلام) غسلها.
وروي أيضًا أنها أوصت عليًّا (عليه السلام) وأسماء بنت عميس أن يغسلاها[3]. وعن أسماء بنت عميس قالت: أوصتني فاطمة (عليها السلام) أن لا يغسلها إذا ماتت إلا أنا وعلي، فغسلتها أنا وعلي[4].

وورد أيضًا أنه قالت فاطمة (عليها السلام) لأسماء بنت عميس حين توضأت وضوءها للصلاة: هاتي طيبي الذي أتطيب به، وهاتي ثيابي التي أصلي فيها، فتوضأت ثم وضعت رأسها فقالت لها: اجلسي عند رأسي فإذا جاء وقت الصلاة فأقيميني، فإن قمت وإلا فأرسلي إلى علي. فلما جاء وقت الصلاة
قالت: الصلاة يا بنت رسول الله، فإذا هي قد قبضت، فجاء علي (عليه السلام) فقالت له: قد قبضت ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: متى؟ قالت: حين أرسلت إليك، قال: فأمر أسماء فغسلتها، وأمر الحسن والحسين (عليهما السلام) يدخلان الماء، ودفنها ليلًا وسوى قبرها، فعوتب فقال: بذلك أمرتني[5].

وفي كتاب البلاذري أن أمير المؤمنين (عليه السلام) غسلها من معقد الإزار، وأن أسماء بنت عميس غسلتها من أسفل ذلك[6]. وقالت أسماء بنت عميس: أوصت إلي فاطمة (عليها السلام) أن لا يغسلها إذا ماتت إلا أنا وعلي، فأعنت عليًّا على غسلها[7]. وفي أمالي الشيخ عن سلمى امرأة أبي رافع قالت: مرضت فاطمة (عليها السلام) فلما كان اليوم الذي ماتت فيه قالت: هيئي لي ماء، فصببت لها فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت: ائتيني بثياب جدد فلبستها، ثم أتت البيت الذي كانت فيه فقالت: افرشي لي في وسطه، ثم اضطجعت واستقبلت القبلة ووضعت يدها تحت خدها وقالت: إني مقبوضة الآن فلا أكشفن فإني قد اغتسلت، قالت: وماتت، فلما جاء علي (عليه السلام) أخبرته فقال: لا تكشف، فحملها بغسلها[8]. وروى أحمد بن حنبل، وأبو عبد الله البصري، وابن بطة بأسانيدهم عن أم سلمى امرأة أبي رافع مثله بأدنى زيادة ونقيصة[9]. وروى الدولابي حديث الغسل الذي اغتسلته قبل وفاتها، وكونها دفنت به ولم تكشف[10].

وقال الفاضل المجلسي (رحمه الله): وروي مرفوعا إلى سلمى أم بني رافع قالت: كنت عند فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) في شكواها التي ماتت فيها، قالت: فلما كان في بعض الأيام وهي أخف ما نراها فغدا علي بن أبي طالب في حاجته وهو يرى يومئذ أنها أمثل ما كانت، فقالت: يا أم اسكبي لي غسلًا، ففعلت فاغتسلت كأشد ما رأيتها، ثم قالت لي: أعطيني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبست، ثم قالت: ضعي فراشي واستقبليني، ثم قالت: إني قد فرغت من نفسي فلا اكشفن أني مقبوضة الآن، ثم توسدت يدها اليمنى واستقبلت القبلة فقبضت، فجاء علي (عليه السلام) ونحن نصيح، فسأل عنها فأخبرته فقال: إذا والله لا تكشف، فاحتملت في ثيابها فغيبت[11]. ثم قال: أقول: هذا الحديث قد رواه ابن بابويه كما ترى. 

وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن أم سلمى قالت: اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه فكنت أمرضها، فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها ذلك، قالت: وخرج علي لبعض حاجته، فقالت: يا أماه اسكبي لي غسلًا، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أماه أعطيني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبست، ثم قالت: يا أماه قدمي لي فراشي وسط البيت ففعلت، واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أماه إني مقبوضة الآن وقد تطهرت فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، قالت: فجاء علي فأخبرته[12].
واتفاقهما من طرق الشيعة والسنة على نقله مع كون الحكم على خلافه عجيب، فإن الفقهاء من الطريقين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلا في مواضع ليس هذا منه، فكيف رويا هذا الحديث ولم يعللاه، ولا ذكرا فقهه، ولا نبها على الجواز ولا المنع، ولعل هذا أمر يخصها (عليها السلام)، وإنما استدل الفقهاء على أنه يجوز للرجل أن يغسل زوجته بأن عليا (عليه السلام) غسل فاطمة، وهو المشهور[13].
 ــــــــــ
كتاب: اللمعة البيضاء 
[1] - علل الشرائع: 184 ح 1 باب 148، عنه البحار 43: 206 ح 32، وفي الكافي 1: 459 ح 4.
[2] - راجع المناقب لابن شهرآشوب 3: 364، عنه البحار 43: 184 ح 16.
[3] - كشف الغمة 2: 126، عنه البحار 43: 189 ح 19.
[4] - كشف الغمة 2: 122، عنه البحار 43: 185 ح 18.
[5] - كشف الغمة 2: 122، عنه البحار 43: 185 ح 18.
[6] - راجع المناقب لابن شهرآشوب 3: 364، عنه البحار 43: 184 ح 16.
[7] - المصدر نفسه.
[8] - أمالي الطوسي: 400 ح 41 مجلس 14، عنه البحار 43: 172 ح 12.
[9] - المناقب لابن شهرآشوب 3: 364، عنه البحار 43: 183 ح 16، مسند أحمد 6: 461 و 462.
[10] - الذرية الطاهرة: 154 ح 206.
[11] - البحار 43: 187 ح 18، عن كشف الغمة 2: 124.
[12] - البحار 43: 188 ح 18، عن كشف الغمة 2: 124، عن مسند أحمد 6: 461 و 462.
[13] - راجع البحار 43: 188، عن كشف الغمة 2: 125.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد