من التاريخ

يا نفس (1)

 

الشيخ تقي الدين إبراهيم الكفعمي
يا نفس!
ما الدنيا غرّتك ولكن بها اغتررت، وما العاجلة خدعتك ولكن بها انخدعت.
واعلمي: أنّ مذيع الفاحشة كقابلها، وسامع الغيبة كفاعلها، وأن مداومَةَ المعاصي تقطع الرزق، ومقارنة السفهاء تفسد الخلق، ومواصلة الأفاضل توجب السمو، ومباينة الدنيا تكبت العدو.
يا نفس!
مُصاحِب الأشرار كراكب البحار، إن سلم من الغرق، لا يسلم من الفرق [الخوف]، ومجالسة أبناء الدنيا منساة للإيمان، قائدة إلى طاعة الشيطان، وموافقة الأصحاب تديم الاصطحاب، ونيل المآثر ببذل المكارم، ونيل الجنة بالتنزّه عن المآثم.
واعلمي: أنّ مصيبة يُرجى أجرها، خيرٌ من نعمة لا يؤدّى شكرها.

يا نفس!
ويح النائم ما أخسره، وثوابه ما أنزره، قَصُر عمره، وقلّ أجره، وويح ابن آدم ما أغفله، وعن رشده ما أذهله، وعن حظّه ما أعدله. وفيما أوصى الله إلى موسى عليه السلام: كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عني. وإيّاك أن تخيبي المضطر وإن أسرف، أو تحرمي المحتاج وإن ألْحف، أو تصحبي أبناء الدنيا فإنّك إن أقللت استقلّوك، وإن أكثرت حسدوك، ولا تعملي شيئاً من الخير رياءً، ولا تتركيه حياءً.
يا نفس!
لا كرم كالتقوى، ولا عدوّ كالهوى، ولا عزّ كالطاعة، ولا كنز كالقناعة، ولا هداية كالذكر، ولا رُشد كالفكر، ولا زينة كالآداب، ولا رِبح كالثواب، ولا غناء مع إسراف، ولا فاقة مع عفاف، ولا ثواب لمن لا عمل له، ولا عمل لمن لا نيّة له، ولا نيّة لمن لا عِلم له، ولا عِلم لمن لا بصيرة له، ولا بصيرة لمن لا فكرة له، ولا فكرة لمن لا اعتبار له، ولا اعتبار لمن لا ازدجار له، ولا ازدجار لمن لا إقلاع له.
يا نفس!
ما لي أراك إذا قرب إليك الطعام في الليل الداجي، تكلّفت إنارة السراج، لتبصري ما يدخل بطنك من المأكول والمشروب، ولا تهتمين بإنارة لبك بالعلم والتقوى [لتسلَمي] من لواحق الجهالة والذنوب، فنزّهي نفسك عن المآثم والعيوب.
واعلمي: أنّ أعظم الخطايا عند الله تعالى اللسان الكذوب، وعليكِ بالتقوى وصحّة النيّة في العلوم والأعمال، فإن دخلها الرياء ضاع الربح ورأس المال، فبالإخلاص يُعرف الصواب من الزّلل، والاستقامة من الخطل، وكلّما امتدت المعارف، اشتدت المخاوف.
وإيّاك واتباع إبليس الذي رضي بهلاك نفسه، واختار من كل شيء أقبح جنسه، [أترين] من غرّ أباك ينصحك، ومن أفسد شأن نفسه يصلحك، فما يغتر بالدنيا غير غر [المخدوع]، لا يعرف هَرا من بر [مَن يكرهه ممن يبرّه].

يا نفس!
ينبغي لمن عرف سرعة رحلته أن يحسن التأهّب لنقلته، وأن يقدّم العمل الصالح لآخرته، ويعمّر دار إقامته، وأن لا يخلو في كل حال من مجاهدة نفسه، قبل حلول رمسه، فإذا كنتِ في النهار تشترين وتبيعين، وفي الليل على الفرش تتقلّبين وتنامين، وفيما بين ذلك عن الآخرة تلهين وتغفلين، فمتى تتفكرين الإرشاد، وتهتمين بأمر المعاد؟
يا نفس!
الحرص أحد الشقاءين، والبخل أحد الفقرين، والحسد ألأم الرذيلتين، والطمع أحد الذلّين، والجور أحد المرديين، والشهوة أحد المغويين، والخلق السيئ أحد العذابين، والهوى أحد العدوّين، والغدر أقبح الجنايتين، والنساء أعظم الفتنتين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد