من التاريخ

مصير الرأس العظيم


الشيخ باقر شريف القرشي
انطوت السنون والأجيال والناس يتساءلون بلهفة أين دفن رأس الحسين؟ بعد ما أصبح جسده الطاهر مزارًا في كربلاء يطيف به الناس متفقين ومختلفين وقد كثرت أقوال المؤرخين في المكان الذي حظي به وهذه بعضها :
1 ـ في كربلاء : المشهور عند الشيعة الإمامية أن الرأس العظيم أعيد إلى كربلاء ودفن مع الجسد الطاهر وقد ذكر السيد رضي الدين علي بن طاوس أن عمل الطائفة على ذلك وممن نص على ذلك المجلسي وابن نما كما اشتهر ذلك عند فريق كبير من علماء السنة منهم الشبراوي وابن الجوزي والبيروني والقزويني وغيرهم ومما لا شبهة فيه أن علماء الشيعة الإمامية معنيون بالاهتمام والبحث عن هذه الجهة أكثر من غيرهم فهم أدرى بواقع الحال وأكثر وقوفًا عليه من أي باحث آخر.
أما كيفية نقل الرؤوس الشريفة إلى كربلاء ودفنها مع الأجساد الطاهرة ففيما نحسب أنه يحتمل أحد أمرين :
الأول ـ أن الإمام زين العابدين التمس من يزيد أن يسمح له بذلك فأجابه إليه وقد أخذ يزيد يتطلب مرضاة الإمام بعد أن نقم عليه المسلمون وكرهوا خلافته وعلى هذا فيطرح ما روي أن الإمام (عليه السلام) لما طلب منه أن يريه وجه أبيه فلم يجبه إلى ذلك ويحتمل أنه أجابه إليه بعد رفضه.
الثاني ـ أن الإمام زين العابدين طلب من حاكم المدينة حينما حملت إليه الرؤوس أن يواريها مع الأجسام فأجابه إلى ذلك فأخذها ورجع إلى كربلاء وواراها مع الأجساد الطاهرة.
2 ـ في البقيع : ذهب فريق من المؤرخين إلى أن الرأس الشريف دفنه حاكم المدينة في البقيع إلى جانب أمه (عليه السلام).
3 ـ في النجف : أثرت مجموعة من الأخبار عن الإمام الصادق (عليه السلام) تنص على أن الرأس الشريف دفن في الغري وهذه بعضها :
1 ـ روى عمرو بن طلحة قال : قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) : وهو بالحيرة أما تريد ما وعدتك قلت : بلى ـ يعني الذهاب الى قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) - قال فركب وركب اسماعيل وركبت معهما حتى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل اسماعيل ونزلت معهما فصلى وصلى اسماعيل وصليت فقال لإسماعيل : قم فسلم على جدك الحسين فقلت جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟ فقال : نعم ولكن لما حمل رأسه سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين .


2 ـ روى إبان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبد اللّه (عليه السلام) فمر بظهر الكوفة فصلى ركعتين ثم تقدم قليلاً فصلى ركعتين ثم سار قليلاً فنزل فصلى ركعتين ثم قال هذا موضع قبر أمير المؤمنين قلت : والموضعين اللذين صليت فيهما قال : موضع رأس الحسين وموضع منزل القائم .
3 ـ روى علي بن أسباط بسنده قال : قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين قبرًا كبيرًا وقبرًا صغيرًا أما الكبير فقبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وأما الصغير فرأس الحسين (عليه السلام) .
هذه بعض الأخبار التي تصرح بأن الرأس الشريف قد دفن في الغري ولكن التعبير في بعضها بأنه موضع الرأس لا يدل على أنه قد دفن فيه.
4 ـ في دمشق : ذهب جمهور من المؤرخين إلى أن الرأس الشريف قد دفن في دمشق وقد اختلفوا في المكان الذي حظي به وهذه بعض الأقوال :
أ ـ ذفن في حائط بدمشق .
ب ـ في دار الإمارة .
ج ـ في المقبرة  .
د ـ في داخل باب الفراديس ويعرف بمسجد الرأس .
ه‍ ـ في جامع دمشق ؛ وهناك أقوال أخر غير هذه .
5 ـ في فارس : ذكر ذلك أحمد عطية وهو قول شاذ لم يذكره أحد من المؤرخين.
6 ـ في مصر : وذهب بعض المؤرخين إلى أن الرأس الشريف قد حظيت به القاهرة أما كيفية نقله لها ففيها قولان :
1 ـ ما ذكره الشعراني أن العقيلة زينب (عليه السلام) نقلته إلى مصر ودفنته فيه وهذا القول شاذ لا يعول عليه.
2 ـ ما أفاده المقريزي أنه نقل من عسقلان إلى مصر سنة 548هـ في اليوم العاشر من شهر جمادى الآخرة وقد نقله سيف المملكة مع القاضي المؤتمن بن مسكين وجرى له استقبال ضخم .
هذه بعض الأقوال التي ذكرت في مواراة الرأس العظيم وقد شيد في أغلبها مزار يطوف به المسلمون وهو من مواضع الاعتزاز والفخر لكل بلد حظي بهذه النسبة.
وعلى أي حال فالحسين قائم في عواطف الناس وقلوبهم ففي أعماق النفوس قبره وذكره فهو أسمى صورة قدسها الناس في جميع الأحقاب والآباد.


وقد سئل أبو بكر الآلوسي عن موضع رأس الحسين فقال :
لا تطلبوا رأس الحسين           
بشرق أرض أو بغرب
ودعوا الجميع وعرجوا                    
نحوي فمشهده بقلبي
وقال الحاج مهدي الفلوجي :
لا تطلبوا رأس الحسين فإنه      
لا في حمى ثاو ولا في واد
لكنما صفو الولاء يدلكم                     
في أنه المقبور وسط فؤادي

لقد احتل الإمام الحسين (عليه السلام) مشاعر الناس وثوى في أفئدتهم فهاموا في حبه وتقديسه وقد فجعوا بما جرى عليه من عظيم الرزايا والخطوب وظلت رزيته تنخر في القلوب وتذوب النفوس من هولها أسى وحزنًا وهم يحجون لكل مرقد يحمل شرف الانتساب بأنه مرقد رأس الامام (عليه السلام) وقد ازدحم المرقد العظيم بالقاهرة بالزائرين وهم يتبركون به ويعدون زيارته من أفضل الطاعات والقربات إلى اللّه تعالى.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد