من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

تاريخ الشيعة في القطيف والأحساء (2)

عبد القيس في خط الصادقين عليهما السلام

في أيام الصادقين (الإمام محمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام، كان من العبديين محدثون وشعراء على خط الولاية، مثل سفيان بن مصعب ويحيى بن بلال وغيرهما وقد قال الإمام جعفر الصادق (ع) في سفيان: عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ شِعْرَ الْعَبْدِيِّ فَإِنَّهُ عَلَى دِينِ الله.. وله في المناظرات شعر، وأمره الصادق(ع) فقال: قل شعرُا تنوح به النساء.. وقد أنشد أمام الصادق(ع) قصيدته في رثاء الحسين (ع) التي مطلعها: فَروّ جودي بدمعك المسكوب. فارتفعت أصوات النساء بالبكاء.

وأما الرواة فيكثر عددهم حتى لو أردنا الاستقصاء لخرجنا عن مجال الحديث فمنهم، ربعي بن عبد الله، ومسعدة بن صدقة، وعروة بن جميع، وأبو الصباح الكناني إبراهيم بن نعيم، وعلي بن الحسين.

 

ومنهم بالولاء عبد الصمد بن بشير، وعبد الله بن أبي يعفور والحسين بن حماد بن ميمون العبدي، والمثنى بن عبد السلام العبدي، وأبان بن أبي عياش فيروز.. وغيرهم.

وقد استمروا في ولائهم حين تكرس حكم الدولة الأموية وفي أيامها كانوا بين المطرقة والسندان، أو بين نارين: نار الخوارج الذين نشطوا في سواحل عُمان وجنوب البصرة حيث كان هؤلاء يعتقدون بكفر أمير المؤمنين علي (ع)، وأن هؤلاء الذين يوالون عليًّا يوالون رجلاً كافرًا فلا بد من قتالهم.

ونار الأمويين الذين كانوا حانقين على أهل المنطقة خصوصًا وإنهم لم يبايعوا الأمويين ولم يسلموا لهم بالإتباع. ويظهر أن المنطقة في العهد الأموي تحولت إلى مكان يلجأ إليه المعارضون للحكم الأموي فيجدون فيه الجو المنسجم مع توجهاتهم، وخصوصًا أنها كانت ذات طرفين، فالبحرين كانت تمثل الموئل الخلفي لمن يفر من القطيف، وبالعكس.. مما حدا بعبد الملك بن مروان أن يبعث بالمبلغين والدعائيين فلما لم ينجحوا جرّد حملة للعقوبة فقامت تلك الفئات العسكرية بتخريب في المنطقة، وبطمر للعيون التي كانت تروي مزارعها، وبالذات عين تسمى عين السيجور في البحرين.. واستغل حربه مع الخوارج لتصفية حساباته مع الشيعة..

 

أيام العباسيين أيضًا كانت الأمور تراوح واستمرت الأمور هكذا، بحيث يقوم خليفة ويسقط آخر، وكل شيء يتغير غير شيء واحد ظل ثابتًا هو خط الولاء لأمير المؤمنين.. وشهدت بعض الثورات ضد العباسيين ولكنها كانت تخمد..

وكانت محاولات من قِبَل صاحب الزنج للسيطرة على المنطقة في حوالي سنة 249 هـ، واستقطاب أهلها باعتبارهم غير منسجمين مع الخلافة العباسية، لكن صدور توقيع عن الإمام الهادي (ع) بشأنه وأن صاحب الزنج ليس منّا أهل البيت جعل هذه المحاولات عقيمة. بل تصدى له العريان في بني عبد القيس وأخرجوه من بلادهم.

 

العيونيون يهزمون القرامطة:

وحصل في المنطقة في وقت متأخر حوالي سنة 285 هـ مجيء القرامطة إلى المنطقة واستفحل وجودهم، واحتلوا القطيف، وتوجهوا لاحتلال الأحساء وقتلوا جمعًا كبيرًا من عبد القيس بعد قتل زعمائهم.. والعجيب أن هناك من الجهلة والطائفيين من يدّعي بأن القرامطة هم من الشيعة مع أنهم عندما وصلوا إلى المنطقة، فتكوا بأهلها فتكًا ذريعًا حتى أحرقوا بعض زعمائها أحياء. وإلى هذا المعنى يشير الشاعر علي بن المقرب العيوني في قصيدته التي بين فيها بعض ما ارتكبه القرامطة بحق عبد القيس - شيعة أهل البيت:

وحرّقوا عبد قيس في ديارهمُ

وصيروا الغرّ من ساداتهم حممـا

 

فكان العيونيون وهم من شيعة أهل البيت (ع) من 460 هـ إلى حوالي 200 سنة بعد ذلك وهم الذين قاوموا القرامطة واستطاعوا إخراجهم بعد جولات عنيفة من القتال المستمر لمدة سبع سنوات وقد سجل الشاعر العيوني علي بن المقرب هذا في قصيدته المذكورة حيث قال:

وحرّقوا عبد قيس في ديارهمُ

وصيروا الغرّ من ساداتهم حممـا

سل القرامط من شظّى جماجمهم

فلقًا وغادرهم بعد العلا خدما

وحكموا المنطقة طيلة هذه الفترة.

 

ولكي يتبين لك مدى تغلغل منهج أهل البيت واستحكامه في المنطقة، ننقل لك ما ذكره ابن بطوطة في كتابه المعروف (رحلة ابن بطوطة) ففيه يقول: ثم سافرنا إلى مدينة القطيف كأنه تصغير قطف (!)، وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير يسكنها طوائف العرب وهم رافضية (3) غلاة!! يظهرون الرفض جهارًا ولا يتقون أحدًا ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين أشهد أن عليًّا ولي الله، ويزيد بعد الحيعلتين (حي على الصلاة حي على الفلاح) حي على خير العمل...

ثم يسترسل ويذكر عن مدينة الأحساء، ويؤكد على أن سكانها عرب (لا كما يشوش البعض فيربط بين التشيع وبين الانتماء غير العربي) وأنهم من عبد القيس.. فيقول:

ثم سافرنا منها إلى مدينة هجر وتسمى الآن بالحسا وهي التي يُضرب المثل بها فيقال كجالب التمر إلى هجر، وبها من النخيل ما ليس ببلد سواها، ومنه يعلفون دوابهم، وأهلها عرب وأكثرهم من قبيلة عبد القيس بن أفصى.

وأنت تلاحظ أن هذه الشعائر المعروفة عن شيعة أهل البيت، كانت سائدة في المنطقة منذ ما يقارب السبعة قرون من الزمان.

 

التعاون مع العثمانيين لصد البرتغاليين

ونظرًا لكون المنطقة ذات خيرات كثيرة، فقد أُغري بها الطامعون من مختلف الآفاق فجاء البرتغاليون واحتلوا المنطقة، ولهذا ترون أن قسمًا من الآثار الباقية تعود لهؤلاء الغزاة، وهنا موقف يبين منهاج شيعة أهل البيت: في مقاومة التحديات التي تواجههم، فإن المنطقة لما احتُلَّت من قِبَل البرتغاليين، قام أهل المنطقة بالاتصال بالأتراك العثمانيين ولم يمنع الخلاف المذهبي الموجود (باعتبار كون الأتراك حنفيي المذهب) من ذلك التواصل والتعاون على طرد المستعمر الأجنبي الكافر، وبالفعل كان نتيجة ذلك أن أخرج البرتغاليون من المنطقة، مع أنه كان يمكن لأهل المنطقة أن يضمنوا لأنفسهم حماية قوة كبرى تصد عنهم غارات البدو وأعداء المحيط. ولكنهم ضمن ثوابتهم الدينية رأوا أن عليهم أن يتحالفوا مع الأتراك المسلمين ضد الكفار الأجانب... وبقي الأتراك فيها إلى حوالي سنة 1080 هـ مع أن الأتراك قد أساؤوا إلى أهل البلاد في فترات مختلفة، واضطهدوهم.

 

استمر الأتراك في حكم المنطقة مدة 120 سنة، ثم ضعف أمرهم، فاستطاع بنو خالد السيطرة على المنطقة، وأيضًا بقوا يحكمونها مدة 120 سنة تقريبًا، وقد تداخلوا في هذه الفترة مع الأهالي مما جعلهم يتأثرون بطريقة حياتهم، وثقافتهم، وكان نتيجة ذلك التداخل الاجتماعي والتأثر الثقافي أن وجدنا قسمًا من بني خالد قد تأثروا بمذهب أهل البيت: ولعل الناظر إلى العوائل والقبائل هنا يلحظ عددًا من القبائل لم يكن التشيع فيها قبل ثلاثمائة سنة لكن بدأ فيها خلال هذه الفترة، فتشيعت قبائل بكاملها أو نسبة منها، ولا يزالون إلى يومنا هذا.

 

ويرجع سبب ذلك إلى القاعدة الاجتماعية في أن الفكر الصحيح أقوى من الآلة العسكرية، وهو نفس الأمر الذي جعل المغول يتأثرون بالإسلام ويسلمون مع أنهم جاؤوا فاتحين في الأصل هذا مع الفارق بين المثالين ولكن الغرض هو الاستشهاد. وهناك سبب آخر محتمل وهو أن الخوالد قد تعاملوا مع المنطقة بحالة منفتحة، دون أن يكون هناك شحن طائفي يُقصد منه فصل الفئات عن بعضها، ومنع التأثر والتأثير بينها! بخلاف ما صار موجودًا في أزمنة متأخرة.

 

غير أن الأمر لم يستمر لبني خالد، فعاد الأتراك مرة أخرى وسيطروا على المنطقة، وقد شهد عهدهم الجديد حالة من الانفتاح الثقافي والحرية، وحصل في وقت متأخر انتشار الحوزات والمدارس العلمية إلى حد أن المنطقة كان يوجد فيها عدد من المجتهدين، رجع الأهالي في التقليد إليهم وكان في البلاد حركة ثقافية وأدبية متميزة شهدت الكثير من التأليفات، ووجد فيها الكثير من الشعراء والأدباء مما يحتاج له إلى حديث خاص به. واستمر هذا الحال إلى سنة 1331هـ.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد