من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

الصّحيفة الفاطميّة

الدعاء هو صلة بين العبد وربه، وحديث العبد إلى ربه، ومناجاة واتصال، وإذا جاء الدعاء من معصوم فإنه يحمل معانيَ كثيرة، ويزيد المعرفة بالدين والأخلاق وبالله عز وجل. ولذلك كانت الأدعية أحد مصادر المعرفة الدينية، بل إن بعض العلماء كانوا يستدلون ببعض ما ورد في الأدعية في بحوثهم الفقهية.

 

فمن باب المثال يستشهد بعض علمائنا بإحدى فقرات دعاء الندبة المنسوب إلى المعصومين عليهم السلام في مسألة فقهية دقيقة جدّاً في بحث المعاملات حول الشروط، وهل يشمل الشرط الشروط الابتدائية أو لا بد أن يكون الشرط تابعاً لأحد العقود؟ وذلك من خلال التأمل في فقرة: «بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة فشرطوا لك ذلك»[1] الواردة في ذلك الدعاء.

 

إذن الدعاء بحد ذاته ليس مجرد أن أقول (يا الله اعف عني)، وهذا ما يميز أدعية المعصومين عن أدعية غيرهم. وهناك من جمع أدعية الصديقة الزهراء عليها السلام في كتاب بعنوان الصحيفة الفاطمية، محاولاً أن يتتبع ما هو موجود من أدعية للزهراء عليها السلام، وحبذا لو قام بعض المؤمنين بطباعة الصحيفة الفاطمية وتوزيعها على الناس حبّاً بالزهراء ولإظهار شيء من فضلها، ونشر علومها عليها السلام. فإننا نجد مثلاً أن الصحيفة السجادية منتشرة بين المؤمنين ولله الحمد، وينتفعون بها، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للصحيفة الفاطمية.

 

تحوي هذه الصحيفة الفاطمية أدعية الأيام الخاصة بالصديقة الزهراء عليها السلام وأدعية في طلب الحوائج، وهناك أدعية في المناجاة والتضرع إلى الله عز وجل، وهناك دعاء طويل ومفصل في كيفية الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله، لأن أمر تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وإعلاء منزلته واحترام ذكره، يخالف ما سلكه الطواغيت والمنحرفون في تاريخ الإسلام من أنهم أرادوا القضاء على ذكر النبي صلى الله عليه وآله.

 

فقد قال أحدهم: "وهذا ابن أبي كبشة[2]- يقصد النبي صلى الله عليه وآله - يصرخ به في كل يوم خمس مرات"، فكأن القائل يصعب عليه أن يذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله، ويصعب عليه أن يوصف بالرسالة والنبوة في الأذان!. وشبيه بهذا ما قاله الحجاج الثقفي حين خطب بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة، فقال: «تبًّا لهم! إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية! هلّا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك! ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله»[3]!

 

بل إلى يومنا هذا لا تزال بقايا الآثار الأموية (والزبيرية)، من تعمّد فصل آل النبي عنه في الصلاة عليه وعليه، مع وجود أحاديث تنهى عن الصلاة البتراء، تجري في هذا التيار. ولذلك التزم شيعة أهل البيت عليهم السلام بالصلاة الكاملة على النبي مقروناً به عترته وذريته، وهذا لا ينقص من قدر النبي ولا شأنه ومنزلته. وفي هذا الإطار تعلمنا السيدة الزهراء عليها السلام في دعائها الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، وتعدد بمناسبة ذلك أدوار النبي وأفضاله على الأمة وتبالغ في الدعاء له برفيع المنزلة، فكان من دعائها في الصلاة عليه ما يلي:

 

«اللهم صلّ على محمد كما هديتنا به، وصلّ على محمد كما رحمتنا به، وصلِّ على محمد كما عززتنا به، وصلِّ على محمد كما فضلتنا به، وصلِّ على محمد كما شرفتنا به، وصَلِّ على محمد كما بصرتنا به، وصلِّ على محمد كما أنقذتنا به من شفا حفرة من النار، اللهم بيض وجهه وأعل كعبه وأفلج حجته وأتمم نوره وثقّل ميزانه وعظم برهانه وافسح له حتى يرضى، وبلّغه الدرجة والوسيلة من الجنة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، واجعله أفضل النبيين والمرسلين عندك منزلة ووسيلة، واقصص بنا أثره، واسقنا بكأسه، وأوردنا حوضه، واحشرنا في زمرته، وتوفنا على ملته، واسلك بنا سبله، واستعملنا بسنّته غير خزايا ولا نادمين ولا شاكين ولا مبدلين».

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنصاري؛ الشيخ مرتضى: كتاب المكاسب، ج ٥، الشيخ الأنصاري، ص ٢١: "لكن لا يبعد منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائية، بل المتبادر عرفاً هو الإلزام التابع، كما يشهد به موارد استعمال هذا اللفظ حتى في مثل قوله عليه السلام في دعاء التوبة: “ولك يا رب شرطي أن لا أعود في مكروهك، وعهدي أن أهجر جميع معاصيك”، وقوله عليه السلام في أول دعاء الندبة: “بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا”، كما لا يخفى على من تأملها.

(2) قيل إن أحد أجداد النبي من جهة أمه رفض عبادة الأصنام وما كانت عليه قريش، فنعتوه بالتمرد عليها، ولما جاء النبي صلى الله عليه وآله بدعوته من الله، أعادوا ذكر أبي كبشة، وكأنهما على نفس المسار وشتان! وقد ذكر هذه التسمية عن النبي صلى الله عليه وآله أبو سفيان عندما كان في مجلس هرقل الروم كما جاء في صحيح البخاري برقم 2978: "أن هرقل.. دَعَا بكِتَابِ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، فَلَمَّا فَرَغَ مِن قِرَاءَةِ الكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، فَارْتَفَعَتِ الأصْوَاتُ، وأُخْرِجْنَا، فَقُلتُ لأصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لقَدْ أمِرَ أمْرُ ابْنِ أبِي كَبْشَةَ، إنَّه يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأصْفَرِ..»، يعني أن دولة النبي أصبحت قوية!" ونفس التسمية أعادها ابنه معاوية بالنص الذي قلناه في المتن كما نقله الزبير بن بكار في الموفقيات..

(3) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة ١٥/ ٢٤٢.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد