المسند في تعبير أهل الحديث ما كان الحديث فيه ينتهي إلى راوٍ محدّد كابن عباس مثلاً، فيجمع المؤلف الأحاديث التي تنتهي إلى هذا الراوي ثم لرسول الله، وعلى هذا الأساس صنف المؤلفون كتبهم فهو هنا مثلاً لا يأتي بحديث يرويه أبو سعيد الخدري حتى لو كان يتصل بموضوع الحديث الآخر، وإنما يعتمد على الحديث المنتهي باسم فلان من الرواة.
وعندما يقال مسند فاطمة، يقصد بذلك الأحاديث التي روتها فاطمة عليها السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أو هي قالتها بنفسها كما هو رأي الإمامية حيث يرون حجية قولها هي كقول النبي صلى الله عليه وآله لا بما هي راوية فقط خلافًا للمدرسة الأخرى.
وقد صنّف الحافظ السيوطي من علماء مدرسة الخلفاء (توفي سنة 911 ه) كتابًا باسم مسند فاطمة وأورد فيه (٢٨٠) حديثاً. ولكن لاحظ عليه بعض العلماء أنه ليس كلّ الأحاديث الموجودة فيه قد روته فاطمة عليها السلام، وإنما كان قد يضع أي حديث فيه اسم فاطمة في هذا الكتاب.. فإذا رأى حديثًا فيه حب النبي لفاطمة عليها السلام فإنه يضعه في هذا الكتاب، وهذا مخالف لاصطلاح المسند الذي عرّفناه آنفًا.
كما يلاحظ عليه أنه أغفل ما يعد أهم أقوالها وأحاديثها مضمونًا وأسلوبا وهو خطبتاها اللتان خطبتهما؛ في المسجد والأخرى أمام نساء المهاجرين والأنصار... ولعل موقف السيوطي العقدي منعَه من إيراد هاتين الخطبتين، وإلا فقد كانتا مشهورتين قبل زمانه.
وأما عند الشيعة فقد كتب العلامة السيد حسين التويسركاني كتابًا بعنوان مسند فاطمة الزهراء عليها السلام في نحو 450 صفحة أورد فيه 260 حديثًا مما روته السيدة الزهراء أو ورد قولها وكلامها فيه أو كان يخصها بنحو من الأنحاء[1]. كما كتب العلامة الشيخ عزيز الله عطاردي كتابًا بنفس العنوان اشتمل على عرض لحياة السيدة الزهراء عليها السلام وفضائلها ومناقبها وما جرى عليها بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وفي فصله الثاني أورد الروايات الواردة عن فاطمة الزهراء عليه السلام حول الأحكام والسنن. كما عرض في فصله الثالث: إلى الذین رووا عن الزهراء عليها السلام مع شرح بسيط لهم.
وسنعرض لبعض تلك الروايات التي نقلت عنها عليها السلام:
باب العقائد:
فقد روي عنها حديث الثقلين الذي تدور عليه رحى المناقشات العقائدية وإثبات حقانيّة مذهب أهل البيت ولزوم اتباع سنتهم كاتباع القرآن حيث هما العاصمان من الضلال..
حديث الثقلين:
عن فاطمة الزهراء قالت: سمعت أبي صلى الله عليه وآله في مرضه الذي قبض فيه يقول، وقد امتلأت الحجرة من أصحابه: أيها الناس يوشك أن أقبض قبضًا سريعًا وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا وإني مخلف فيكم كتاب ربي عز وجل وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد عليٍّ فقال: «هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فأسألكم ما تخلفوني فيهما»[2].
وكان النص على الأئمة المعصومين مكان في حديث فاطمة عليها السلام. فقد نقلت عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله : «أن الأئمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل» قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا}.
وحديث اللوح عن جابر بن عبد الله الأنصاري عنها عليه السلام مشهور ومعروف، وقد نقله إمام عن إمام؛ فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (جعفر بن محمد الصادق) عليه السلام، قَالَ: «قَالَ أَبِي لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَمَتى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا؟ فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ: أَيَّ الْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَهُ، فَخَلَا بِهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَابِرُ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ عليها السلام بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، ومَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ أُمِّي أَنَّهُ فِي ذلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ. فَقَالَ جَابِرٌ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي دَخَلْتُ عَلى أُمِّكَ فَاطِمَةَ عليها السلام فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، فَهَنَّيْتُهَا بِوِلَادَةِ الْحُسَيْنِ عليه السلام، ورَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ، وَرَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً أَبْيَضَ شِبْهَ لَوْنِ الشَّمْسِ، فَقُلْتُ لَهَا: بِأَبِي وأُمِّي يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا هذَا اللَّوْحُ؟ فَقَالَتْ: هذَا لَوْحٌ أَهْدَاهُ اللَّهُ إِلى رَسُولِهِ صلى الله عليه وآله، فِيهِ أَبِي واسْمُ بَعْلِي واسْمُ ابْنَيَّ واسْمُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي، وأَعْطَانِيهِ أَبِي لِيُبَشِّرَنِي بِذلِكَ.
قَالَ جَابِرٌ: فَأَعْطَتْنِيهِ أُمُّكَ فَاطِمَةُ عليها السلام ، فَقَرَأْتُهُ، واسْتَنْسَخْتُهُ. فَقَالَ أَبِي: فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَمَشى مَعَهُ أَبِي إِلى مَنْزِلِ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، انْظُرْ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَ عَلَيْكَ، فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَتِهِ، فَقَرَأَهُ أَبِي، فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً، فَقَالَ جَابِرٌ: فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي هكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً.. » [3]، ونقل تمام الحديث وفيه أسماء المعصومين عليهم السلام.
في الفقه والتشريع:
عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَضَاءِ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ تَقْضِي الصِّيَامَ؟. قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَقْضِيَ الصَّلَاةَ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَقْضِيَ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَانَ يَأْمُرُ بِذلِكَ فَاطِمَةَ عليها السلام ، وَكَانَتْ تَأْمُرُ بِذلِكَ الْمُؤْمِنَات» [4].
وهذه الرواية مما يستدل به بالإضافة إلى المسألة الفرعية وهي قضاء الحائض الصوم دون الصلاة، يستدل به في النقض على أصحاب منهج القياس وتحكيم العقل في غير مجاله كالأمور العبادية، فإنه لو نظرنا بحسب القياسات العادية لكان يجب أن تقضي الصلاة فإن الصلاة عمود الدين وأكثر أهمية من الصوم في منظومة التشريع لكنها تقضي الصوم (الذي فرض أنه أقل أهمية) ولا تقضي الصلاة (التي فرضت أنها أهم من الصوم).
في الأخلاق والتربية الروحية:
نقل الطبراني بسنده عن عبد الله بن مسعود فقال: جاء رجل إلى فاطمة فقال: يا بنت رسول الله هل ترك رسول الله صلى الله عليه وآله عندك شيئًا تطرفينيه؟ فقالت: يا جارية هات تلك الجريدة! فطلبتها فلم تجدها. فقالت: ويحك اطلبيها فإنها تعدل عندي حسنًا وحسينًا! فطلبتها فإذا هي قد قمّتها (أي كنستها) في قمامتها! فإذا فيها قال النبي محمد صلى الله عليه وآله:
ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه.
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره.
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت.
إن الله يحب الحيي الحليم العفيف المتعفف ويبغض الفاحش البذي السؤال الملحف.
إن الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والفحش من البذاء والبذاء في النار[5].
وفي هذا الحديث ما يدل على القيمة العالية التي تراها فاطمة الزهراء عليها السلام لأحاديث أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حد أنها (تعدل حسنًا وحسينًا)! وتشير أيضًا إلى أن الأحاديث الأخلاقية لا ينبغي التعامل معها على أنها أمور مستحبة فقط وإنما هي قبل ذلك منهاج حياة وطريقة عيش يقررها الدين للإنسان. بدءًا من العلاقة الآمنة مع الجار، وإكرام الضيف إلى السلوك الشخصي بحيث يضبط كلامه بضابط (فليقل خيرًا أو ليصمت)!
ويقينًا لو أن كل إنسان التزم بمثل هذه التوصية وضبط بها كلماته ومناقشاته في المجتمع لاستراح المجتمع من كثير من النزاعات والمشاكل الاجتماعية ولتوفر الكثير من وقت الناس فيما هو النافع والمفيد.
وفي مجال التربية الروحية لها أدعية[6] وأحاديث؛ منها ما نقلته عن أبيها رسول الله فقالت: «دخل عليّ أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وإنّي قد افترشت الفراش وأردت أن أنام، فقال: يا فاطمة، لا تنامي حتّى تعملي أربعة أشياء: حتّى تختمي القرآن، وتجعلي الأنبياء شفعاءك، وتجعلي المؤمنين راضين عنك، وتعملي حجّة وعمرة، ودخل في الصلاة، فتوقّفت على فراشي حتّى أتمّ الصلاة.
فقلت: يا رسول الله، أمرتني بأربعة أشياء لا أقدر في هذه الساعة أن أفعلها، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إذا قرأت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاث مرّات فكأنّك قد ختمت القرآن، وإذا صلّيت عليّ وعلى الأنبياء من قبلي فقد صرنا لك شفعاء يوم القيامة، وإذا استغفرت للمؤمنين، فكلّهم راضون عنك، وإذا قلت: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) فقد حججت واعتمرت»[7].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جاء في محتوياته عناوين مثل: فضائل الزهراء: في أنها سيدة النساء وأنها في درجة النبي في الجنة وفي دعاء النبي لها وزهدها وخشيتها من الله وكذلك في زواجها وما روته عن أبيها ومن ذلك حديث الثقلين، وفي بيانها للأحكام الشرعية، وفي حجها وأحاديث حول أمها خديجة وزوجها أمير المؤمنين وأبنائها وأختها رقية.
(2). نقله التويسركاني في مسند الزهراء، عن ينابيع المودة لذوي القربى، ج ١، القندوزي، ص ١٢٤.
(3). الكليني، الكافي (دار الحديث)٢/ ٦٨٢
(4). الكليني، الكافي (دار الحديث) ٥/ ٢٨٥
(5). نقله التويسركاني في مسند فاطمة، والطبراني في المعجم الكبير ١٠/ ١٩٦.
(6). جمعها السيد محمد باقر الموحد الأبطحي في كتاب بعنوان الصحيفة الفاطمية الجامعة، كما جمع بعض الأفاضل بعض أدعيتها في كتاب صغير بعنوان صحيفة فاطمة الزهراء عليها السلام .
(7). اليزدي، عباس الإسماعيلي، ينابيع الحكمة ٥/ ١٩١ ونقله في مسند الزهراء عن خلاصة الأذكار.
الشيخ محمد جواد مغنية
محمود حيدر
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الفيض الكاشاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (1)
انتظار المخلّص بين الحقيقة والخرافة
تلازم بين المشروبات المحلّاة صناعيًّا أو بالسّكّر وبين خطر الإصابة بمرض الكلى المزمن
أسرار الحبّ للشّومري في برّ سنابس
الميثاق الأخلاقي للأسرة، محاضرة لآل إبراهيم في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
الشيخ عبد الكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (9)
البسملة
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية؟