من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

دنيا عليّ عليه السّلام (1)

لباسه:

 

كان لباس عليّ يتألف من ثلاثة أثواب:

 

(1) القميص إلى فوق الكعب. (2) الإزار إلى نصف السّاق. (3) المدرعة: وهي ثوب من صوف. وكان ثمن لباسه كاملًا دينارًا واحدًا «1». وقال الإمام؛ «واللّه لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها. ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها عنك؟ فقلت: اغرب عنّي، فعند الصّباح يحمد القوم السّرى» «2».

 

قيل: وكان راقع المدرعة ولده الحسن، وكان يرقعها بجلد تارة، وبليف أخرى. أمّا حذاؤة فمن ليف، وكان يصلحه بيده «3»، وقال له آخر: بدّل ثوبك هذا. فقال له: وأي ثوب أستر منه للعورة «4»؟!. وقال له ثالث مثل ذلك. فأجابه الإمام: هذا أبعد لي عن الكبر، وأجدر أن يقتدي به المسلم «5».

 

وعن إحياء العلوم للغزّالي كان عليّ بن أبي طالب يمتنع من بيت المال حتّى يبيع سيفه «6». ولا يكون له إلّا قميص واحد، لا يجد غيره في وقت الغسل، وقال عليّ مرّة: «من يشتري سيفي هذا، فو الّذي فلقّ الحبّة لطالما كشفت به الكروب عن وجه رسول اللّه، فواللّه لو كان عندي ثمن إزار ما بعته» «7». وقال لأهل البصرة: ماذا تنقمون منّي؟ أنّ هذا من غزل أهلي، وأشار إلى قميصه «8».

 

وعن الإمام الباقر أنّ أمير المؤمنين ذهب مع قنبر إلى سوق البزازين، وطلب من رجل يبيع الملابس أن يبيعه ثوبين، فقال له: يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، ولـمّا أيقن الإمام أن الرّجل يعرفه تركه ومضى، وأبى أن يشتري منه خشية أن يتساهل معه في الثّمن، ثمّ وقف على غلام واشترى منه ثوبين: أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين، وبعد أن قبض الغلام الّثمن جاء أبوه، وعرف الإمام، فقال له: يا مولاي إنّ ابني لا يعرفك، وهذان درهمان ربحهما منك. فقال له: ما كنت لأفعل لقد اتفقنا مع ولدك على رضى.

 

وأعطى الإمام الثّوب الّذي بثلاثة دراهم لقنبر، وأبقى الّذي بدرهمين لنفسه، فقال قنبر: أنت أولى به منّي، إنّك تصعد المنبر، وتخطب النّاس. فقال له: وأنت شاب، ولك شره الشّباب، وأنا أستحي من ربي أن أتفضل عليك، سمعت رسول اللّه يقول: ألبسوهم ممّا تلبسون، وأطعموهم ممّا تأكلون «9».

 

ومن أقواله: «ألا وإنّ لكلّ مأموم إمامًا يقتدي به ويستضيء بنور علمه؛ ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه» «10».

 

وجاء في وصفه: يعجبه من اللّباس ما خشن، ومن الطّعام ما جشب، اللّه أكبر!... عليّ خليفة المسلمين في العراق، وفارس، والحجاز، واليمن، ومصر، يبيع سيفه ليشتري إزارًا بدرهمين!... عليّ والدّنيا في يده يتصرف فيها كيف شاء، ومتى شاء يكتفي منها بطمرين وقرصين!... أجل، لقد اكتفى عليّ بطمريه من هذه الدّنيا، ولكنّه لم يكتف من الفضائل والمناقب إلّا بكاملها وأكملها، فلقد ضمّ ذلك المئزر البالي شريك التّنزيل، ومستودع التّأويل، وقسيم الجنّة والنّار «11»، وسيّد الكونين، وحجّة اللّه على خلقه بعد الرّسول الأعظم.

 

وهل يهتّم الإمام بالملابس، وهو القائل: «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه» «12»؟!. وهل تدل مفاخر الثّياب على العظمة والقداسة؟! وهو القائل في وصف دخول موسى وهارون على فرعون:

 

«ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون - عليهما السّلام - على فرعون، وعليهما مدارع الصّوف، وبأيديهما العصيّ، فشرطا له، إن أسلم - بقاء ملكه، ودوام عزّه، فقال: «ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ، وبقاء الملك، وهما بما ترون من حال الفقر، والذّلّ، فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب»؟ إعظامًا للذّهب وجمعه، واحتقارًا للصّوف ولبسه» «13». هذا منطق من استحوذ عليه الشّيطان، وكان له قريبًا، يزدري الفضيلة وأهلها، ويقدر أصحاب المال والجاه!.

 

جاء رجل موسر إلى رسول اللّه، وكان نقي الثّوب، فجلس إلى جنبه، ثمّ جاء رجل معسر درن الثّوب، فجلس إلى جنب الرّجل الموسر، فقبض الموسر ثيابه وضمها، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله: «أخفت أن يمسك من فقره شيء؟! قال: لا. قال: أخفت أن يوسخ ثوبك؟! قال: لا، قال: فما حملك على ما صنعت؟!. فقال: يا رسول اللّه إنّ لي قرينا يزين لي كلّ قبيح، ويقبح لي كلّ حسن، وقد جعلت لهذا الرّجل نصف ما أملك. فقال الرّسول للموسر: أتقبل؟ قال: لا. فقال له الرّجل الموسر: ولماذا؟!. فقال: أخاف أن يدخلني ما دخلك، ويزين لي الشّيطان ما زين لك» «14».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر، الكافي: 6 / 456 ح 2 ، وسائل الشّيعة : 3 / 366 ح 7 ، مكارم الأخلاق ، الطّبرسي : 113.

(2) انظر، نهج البلاغة: الخطبة (160).

(3) انظر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1 / 26 ، ينابيع المودّة : 1 / 452.

(4) انظر، مناقب آل أبي طالب : 1 / 366 ، مكارم الأخلاق : 99.

(5) انظر، ذخائر العقبى : 102 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب : 1 / 366 ، تأريخ دمشق لابن عساكر الشّافعي : 42 / 485 ، حلية الأولياء : 1 / 82 ، الغارات : 1 / 108 ، ينابيع المودّة : 2 / 199.

(6) انظر، المصادر السّابقة نقلاً عن إحياء علوم الدّين.

(7) انظر، ذخائر العقبى : 107 ، مناقب أحمد : ح 20 ، سبل الهدى والرّشاد : 16 / 30.

(8) انظر، نهج السّعادة : 1 / 413 ، تأريخ دمشق ، ترجمة الإمام عليّ : ح 1232.

(9) انظر، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب : 1 / 366 ، روضة الواعظين : 108.

(10) انظر، نهج البلاغة : الرّسالة ( 45 ).

(11) انظر، كشف الغمّة : 1 / 93 ، المناقب للخوارزمي : 40 طبعة جماعة المدرّسين في قم.

(12) انظر، نهج البلاغة : الحكمة ( 79 ).

(13) انظر، نهج البلاغة : الخطبة ( 192 ) .

(14) انظر، الكافي : 2 / 263 ح 11 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد