بيان الشبهة
قد يُشكل البعض فيقولون: لماذا امتنع الإمام الصادق عليه السلام عن قبول البيعة؟! ولماذا ترك الأمّة المسكينة فريسةً بِيَدِ الفراعنة والعفاريت والجبّارين؟! ولِمَ تخلّى عن الاضطلاع بهذه المسؤوليّة الإلهيّة؟!
إذا كان شرط الإمامة هو النصّ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد أجمعت الأمّة على أنّه منصوص عليه. وإذا كان شرطها وصيّة الإمام السابق، فقد أوصى الإمام محمّد الباقر عليه السلام له بالإمامة. وإذا كان شرطها هو الأعلميّة، فقد كان عليه السلام أعلم الأمّة غير منازَع.
وحينئذٍ فالأرضيّة مُمهَّدة، والأمّة مستعدّة للقبول. وقام المسلمون في خراسان بنسف صرح الاستبداد والظلم الأمويّ لمصلحة العلويّين، وألحقوا الهزائم بالأمويّين من خلال حروبهم المتوالية المستمرّة. أي: أنّهم قضوا على عدوّهم الوحيد السفّاك وخصمهم العنيد المستبدّ «بني أميّة» ومَن مَتَّ إليهم بصلة من قرابتهم وأتباعهم وشيعتهم. فهل هناك أفضل من هذه الفرصة؟ وهل ثمّة أنسب من هذا الوضع؟ وهل هناك إمكانيّات متاحة كهذه الإمكانيّات؟
ولو كان الإمام عليه السلام قد تقلّد أمر الخلافة، وأحقَّ الحقوق الضائعة، فهل هناك شيء أفضل من هذا العمل؟ وهل هناك أحسن من بسط العدل وتحرير الأمّة الإسلاميّة من نير الطغيان؟ أليس من الأولى أن يهتمّ الإمام بشؤون الضعفاء والمعوزّين الذين ضاعت حقوقهم خلال قرن من الزمان! أليس من الأمثل أن يُخرِج الأمّة من نير الاستعباد والاسترقاق الذي مارسه سلاطين الجور، ويمنّ عليها بالحرّيّة؟ أليس من الأفضل أن يجعل الجهاد مبتنياً على أساس جهاد رسول الله، ويصنع من العالَم كلّه عالماً إسلاميّاً؟ وهَلُمَّ جَرّاً فَأحْصِ ما شئتَ أن تحصيه من هذه الأسئلة!
الإجابات
ويبدو الجواب عن هذه الإشكالات والأسئلة يسيراً نوعاً ما.
الجواب الأول: الإمام عليه السلام واع لرفضه مصرّ عليه رغم المشكلات حتّى آخر عمره
أوّلًا: رفض الإمام عليه السلام الخلافة مع ما كان يتمتّع به من فهم ودراية وكياسة وقدرة علميّة وذكاء، ورفضه ليس سطحيّاً ساذجاً فيندم عليه ويقول وهو يرى جرائم المنصور بأمِّ عينيه: وَدِدتُ لو كنتُ قبلتُ الخلافة، ولم أدَعِ الأمّة تعاني من المشاكل والآلام.
وكان عليه السلام على تلك السجيّة حتّى آخر عمره، ولم يُرَ متأسِّفاً على ما فات، مؤمِّلًا الراحة والرخاء، مع أنّ المشكلات كانت تتفاقم يوماً بعد آخر في العصر العبّاسيّ، وجرائم المنصور قد فاقت جرائم غيره من الظالمين.
هذا الدليل مهمّ، لأنّ كلّ عمل يقوم به الإنسان إذا لم ينطلق فيه من تدبّر في عاقبته وتفكير بالمصلحة، فإنّه يندم ويأسف إذا واجه آثاره السلبيّة. بَيدَ أنّه لا ندم على العمل الصحيح على الرغم من ازدياد المشاكل والمشاقّ على مرّ الأيّام.
الجواب الثاني: الإمام أخبر بظروف عصره منّا
ثانياً: كان الإمام عليه السلام يعيش في ذلك العصر وما اتّصف به من خصائص وما لابسه من أوضاع اجتماعيّة وما كانت فيه من إمكانيّات ومتطلّبات، أمّا الذي نلحظه من ذلك فهو شَبَحٌ لا غير، فقد كان يرى، ونحن نسمع. وهو كان في العين والشّهود، ونحن في الأثر والخبر.
والشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الغَائِبُ.
والحال أشبه بواقف خارج الحلبة وهو ينادي: ابطحه على الأرض!
الجواب الثالث: الأمر الإلهيّ يقتضي بيان حقائق الدين وهو يحتاج إلى وقت طويل ولا يجتمع مع الاشتغال بإدارة الدولة والقتال
كان عليه السلام يدرك جيّداً أنّه لو قبل البيعة فلا يعني ذلك أنّ العالم الإسلاميّ يخضع له ويسلّم ويطيع، وأنّه كان ينتظر أوامره ردحاً من الزمن، بل لكان على العكس من ذلك ولخالفه وحاربه أوّلًا حثالات الأمويّين المنبثّين في أرجاء العالَم، ولضحّوا حتى بآخر قطرة من دمائهم للحؤول دون اعتلاء حكومته.
ثمّ يأتي بعدهم العبّاسيّون ثانياً، الذين يرون أنفسهم أولاد عمّ النبيّ ووارثيه، فقد ظهروا بألف دليل ودليل، وادّعوا وراثة المحراب والمنبر، والسلاح والسيف، والعصا والنصل، والعلم والراية، كما رأينا وقرأنا في التواريخ والسير، وشاهدنا في الآثار والأخبار أنّهم تربّعوا على العرش بهذه العناوين خمسمائة سنة، وأدانوا العلويّين بأباطيلهم وتُرَّهاتهم، ودعموا بيعتهم وإمارتهم وحكومتهم الغاصبة بأدلّة شاعريّة. وكان شعراؤهم ينشدون القصائد على هذا المنوال.
ولَمَا اكتفوا بإقامة الدليل والبرهان، بل لأظهروا طغيانهم بالسيف والسنان. وحينئذٍ يقف الإمام عليه السلام حياته كلّها على الحروب، ويُمضي عمره ووقته لقمع المعاندين والمعارضين، ثمّ لا يُعْلَم في أيّ حرب يُسْتَشْهَدُ.
ولا ننسى بعض العلويّين المطالبين بالإمارة ثالثاً، فإنّهم يرفعون لواء المعارضة ضدّه. وما عليه إلّا أن يقاتلهم أو يُسكتهم بتوليتهم الأمصار، أو بتفويض القضاء أو صلاة الجمعة والجماعة إليهم، أو بجعلهم على بيت المال، وأمثال ذلك مكافأة لسكوتهم.
ولا يمكن أن نتصوّر الخيار الثاني لوليّ الله الذي كان يمارس أعماله على أساس الحقّ، أمّا الخيار الأوّل فإنّه يؤدّي إلى القتل الاعتباطيّ وارتكاب المذابح في غير موضعها، وإتلاف النفوس في غير المسار الحقيقيّ.
ولو تغاضينا عن ذلك كلّه، فقد كانت للإمام عليه السلام مهمّة إلهيّة خاصّة تتمثّل في إحياء الشريعة المندرسة. وإذا فرضنا أنّه تمكّن من جميع أعدائه ومعارضيه، وتقلّد الأمر، فغاية ما يستطيع أن يقوم به هو النظر في الشؤون العامّة، وفصل الخصومات ورفع المنازعات الشخصيّة، والإفتاء في الحلال والحرام. أمّا إغاثة الشريعة المندرسة والدين المنقلب فلا تتحقّق أبداً، إذ ذكرنا أنّ ذلك يحتاج حاجة ماسّة إلى سنين طويلة من التدريس والتربية والتعليم والبحث والنقد والحلّ والإبرام. من هنا، لا بدّ أن يشمّر عليه السلام عن ساعد الجدّ ويستفرغ همّته لهذا الأمر الخطير، ويبذل وقته كلّه من أجل ازدهار مدرسة العلم والفهم والبيان والقلم.
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
الشيخ نجم الدين الطبسي
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد جعفر مرتضى
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
شبهة امتناع الإمام الصادق عن استلام الخلافة
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}
العالم قبل الظهور
الأدوار الزينبية
الإمام الصادق (ع) والتصدي لتيار الغلاة
في رثاء الصّادق عليه السّلام
الصادق (ع) في آراء العلماء (1)
عقيلة الوحي
المراد من العلم النافع
ما هي حقيقة الذكاء؟ وكيف نزيده قوّة؟