من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ باقر القرشي
عن الكاتب :
الشيخ باقر بن الشيخ شريف بن الشيخ مهدي بن الحاج ناصر بن الشيخ قاسم بن الشيخ محمد بن الشيخ مسعود بن عمارة القرشي .rn عالم عراقي بارز، و كاتب و محقق متخصص في التاريخ الإسلامي وسيرة المعصومين عليهم السلام.rn ولد عام 1344 هـ في النجف الأشرف / العراق .rn التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف فدرس الفقه و الأصول و العلوم الإسلامية فتخرج منها برتبة عالية .rn من أساتذته: آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره، آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس سره.rn مؤلفاته تجاوزت السبعين منها: حياة الرسول الأعظم (٣ مجلدات)، موسوعة حياة اهل البيت (٤٢ مجلداً).rn توفي يوم الأحد 26 رجب سنة 1433 هـ في النجف الأشرف فصلى عليه المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره .rn دفن في مكتبته الخاصة ( مكتبة الامام الحسن عليه السلام ) في النجف الأشرف عصر يوم الأثنين الموافق 18/6/2012.rn

في رحاب مولد الإمام الحسين (ع) (1)

الوليد المبارك:

 

وضعت سيدة نساء العالمين وليدها العظيم (الحسين عليه السلام) الذي لم تضع مثله سيدة من بنات حواء لا في عصر النبوة، ولا فيما بعده، أعظم بركة ولا أكثر عائدة على الإنسانية منه، فلم يكن أطيب، ولا أزكى ولا أنور منه.

 

لقد أشرقت الدنيا به، وسعدت به الإنسانية في جميع أجيالها، واعتز به المسلمون، وعمدوا إلى إحياء هذه الذكرى، افتخارًا بها في كل عام، فتقيم وزارة الأوقاف في مصر احتفالًا رسميًّا داخل المسجد الحسيني اعتزازًا بهذه الذكرى العظيمة كما تقام في أكثر مناطق العالم الإسلامي.

 

وتردد في آفاق يثرب صدى هذا النبأ المفرح فهرعت أمهات المؤمنين وسائر السيدات من نساء المسلمين إلى دار سيدة النساء، وهن يهنئنها بمولودها الجديد، ويشاركنها في أفراحها ومسراتها.

 

وجوم النبي (ص) وبكاؤه:

 

ولما بشر الرسول الأعظم بسبطه المبارك خف مسرعًا إلى بيت بضعته فاطمة (ع) وهو مثقل الخطى قد ساد عليه الوجوم والحزن، فنادى بصوت خافت حزين النبرات. «يا أسماء هلمي ابني». فناولته أسماء، فاحتضنه النبي، وجعل يوسعه تقبيلًا، وقد انفجر بالبكاء فذهلت أسماء، وانبرت تقول: «فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟!!». فأجابها النبي (ص) وقد غامت عيناه بالدموع. «من ابني هذا ».

 

وملكت الحيرة إهابها فلم تدرك معنى هذه الظاهرة ومغزاها فانطلقت تقول: «إنه ولد الساعة». فأجابها الرسول بصوت متقطع النبرات حزنًا وأسى قائلًا: «تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم اللّه شفاعتي...». ثم نهض وهو مثقل بالهمّ وأسرّ إلى أسماء قائلًا: «لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادة...» «1».

 

وانصرف النبي (ص) وهو غارق بالأسى والشجون، فقد استشف من وراء الغيب ما سيجري على ولده من النكبات والخطوب التي تذهل كل كائن حي.

 

سنة ولادته:

 

واستقبل سبط النبي (ص) دنيا الوجود في السنة الرابعة من الهجرة «2» وقيل في السنة الثالثة «3» واختلف الرواة في الشهر الذي ولد فيه فذهب الأكثر إلى أنه ولد في شعبان، وأنه في اليوم الخامس منه «4» ولم يحدد بعضهم اليوم، وإنما قال: ولد لليالي خلون من شعبان «5» وأهمل بعض المؤرخين ذلك مكتفيًا بالقول أنه ولد في شعبان «6» وذهب بعض الأعلام إلى أنه ولد في آخر ربيع الأول إلا أنه خلاف المشهور فلا يعنى به «7».

 

مراسيم ولادته:

 

وأجرى النبي (ص) بنفسه أكثر المراسيم الشرعية لوليده المبارك، فقام (ص) بما يلي:

 

أولا: الأذان والإقامة: واحتضن النبي وليده العظيم فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى «8» وجاء في الخبر «أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم» «9». إن أول صوت اخترق سمع الحسين هو صوت جده الرسول (ص) الذي هو أول من أناب إلى اللّه، ودعا إليه، وأنشودة ذلك الصوت: «اللّه أكبر لا إله إلا اللّه...».

 

لقد غرس النبي (ص) هذه الكلمات التي تحمل جوهر الإيمان وواقع الإسلام في نفس وليده، وغذاه بها فكانت من عناصره ومقوماته، وقد هام بها في جميع مراحل حياته، فانطلق إلى ميادين الجهاد مضحيًا بكل شيء في سبيل أن تعلو هذه الكلمات في الأرض، وتسود قوى الخير والسلام وتتحطم معالم الردة الجاهلية التي جهدت على إطفاء نور اللّه.

 

ثانيًا: التسمية: وسماه النبي (ص) حسينًا كما سمى أخاه حسنًا «10» ويقول المؤرخون لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتى تسمي أبناءها بهما، وإنما سماهما النبي (ص) بهما بوحي من السماء «11». وقد صار هذا الاسم الشريف علمًا لتلك الذات العظيمة التي فجرت الوعي والإيمان في الأرض، واستوعب ذكرها جميع لغات العالم، وهام الناس بحبها حتى صارت عندهم شعارًا مقدسًا لجميع المثل العليا، وشعارًا لكل تضحية تقوم على الحق والعدل.

 

ثالثًا: العقيقة: وبعد ما انطوت سبعة أيام من ولادة السبط أمر النبي (ص) أن يعق عنه بكبش، ويوزع لحمه على الفقراء كما أمر أن تعطى القابلة فخذًا منها «12»، وكان ذلك من جملة ما شرعه الإسلام في ميادين البر والإحسان إلى الفقراء.

 

رابعًا: حلق رأسه: وأمر النبي (ص) أن يحلق رأس وليده، ويتصدق بزنته فضة على الفقراء «13» فكان وزنه - كما في الحديث - درهمًا ونصفًا «14» وطلى رأسه بالخلوق «15» ونهى عما كان يفعله أهل الجاهلية من إطلاء رأس الوليد بالدم «16».

 

خامسًا: الختان: وأوعز النبي (ص) إلى أهل بيته بإجراء الختان على وليده في اليوم السابع من ولادته، وقد حث النبي (ص) على ختان الطفل في هذا الوقت المبكر لأنه أطيب له وأطهر «17».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسند الإمام زيد (ص 468) وفي أمالي الصدوق (ص 120) أن النبي (ص) أخذ الحسين بعد ولادته، ثم دفعه إلى صفية بنت عبد المطلب وهو يبكي ويقول: لعن اللّه قومًا هم قاتلوك يا بني قالها: ثلاثًا، قالت فداك أبي وأمي، ومن يقتله؟ قال تقتله الفئة الباغية من بني أمية.

(2) تاريخ ابن عساكر 14 / 313، تهذيب الأسماء 1 / 163، مقاتل الطالبيين (ص 78) خطط المقريزي 2 / 285، دائرة المعارف للبستاني 7 / 48، جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام (ص 116). الإفادة في تاريخ الأئمة السادة ليحيى بن الحسين المتوفى سنة (424 ه) من مصورات مكتبة الإمام الحكيم، الذرية الطاهرة من مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة، مجمع الزوائد 9 / 194، أسد الغابة 2 / 18 ، الإرشاد (ص 18).

(3) أصول الكافي 1 / 463، خطط المقريزي 2 / 285، الاستيعاب المطبوع على هامش الإصابة 1 / 377.

(4) المعجم الكبير للطبراني من مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام تحفة الأزهار وزلال الأنهار من مخطوطات مكتبة الإمام كاشف الغطاء العامة، خطط المقريزي 2 / 185.

(5) إمتاع الأسماع (ص 187)، أسد الغابة 2 / 18، الذرية الطاهرة.

(6) فتح الباري في باب مناقب الحسن والحسين.

(7) المقنعة، التهذيب، الدروس.

(8) كشف الغمة 2 / 216، تحفة الأزهار وزلال الأنهار.

(9) روى علي (ع) أن رسول اللّه (ص) قال: «من ولد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى، وليقم في اليسرى فإن ذلك عصمة له من الشيطان الرجيم» وقد أمرني بذلك في الحسن والحسين، وأن يقرأ مع الأذان والإقامة فاتحة الكتاب وآية الكرسي، وآخر سورة الحشر، وسورة الإخلاص والمعوذتين، جاء ذلك في دعائم الإسلام 1 / 178

(10) الرياض النضرة.

(11) أسد الغابة 2 / 11، وفي تاريخ الخلفاء (ص 188) روى عمران بن سليمان قال: الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة، ما سمعت العرب بهما في الجاهلية.

(12) مسند الإمام زيد (ص 468)، تحفة الأزهار وزلال الأنهار، وجاء في الذرية الطاهرة عن عائشة أن رسول اللّه (ص) عقّ عن الحسن والحسين شاتين شاتين، وذبح عنهما يوم السابع، وقال: اذبحوا على اسمه فقولوا: «بسم اللّه اللهم لك وإليك هذه عقيقة فلان» وروى هذه الرواية الحاكم في المستدرك 4 / 237، وطعن بها شمس الدين الذهبي في تلخيص المستدرك 4 / 237 وقال: إن راويها سوار وهو ضعيف، وذهب مشهور الفقهاء إلى استحباب ذبح شاة واحدة في العقيقة.

(13) الرياض النضرة، صحيح الترمذي، نور الأبصار.

(14) دعائم الإسلام 2 / 185.

(15) الخلوق: طيب مركب من زعفران وغيره.

(16) البحار 10 / 68.

(17) جواهر الأحكام كتاب النكاح، وجاء فيه أن رسول اللّه (ص) قال: «طهروا أولادكم يوم السابع فإنه أطيب وأطهر، وأسرع لنبات اللحم، وأن الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين يومًا...».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد