سبب التشيع
قال الذين يتبعون الظن، ويقيسون الغائب على الشاهد: إن السبب الأول للتشيع سياسي محض لا يمتّ إلى الدين بسبب، وهذا خطأ، فإن سبب التشيع ديني صرف، ولا صلة له بالسياسة من قريب أو بعيد، إنه فعل النبي وقوله.
أما الفعل فقد اختار النبي عليًّا أخًا له ونجيًّا، وقام بتربيته وتنشئته منذ عهده بالحياة، واهتم بتعليمه وتهذيبه، حتى أصبح كما يشاء الرسول، لم يؤاخذه أو يعاتبة على شيء في حياته كلها، وقد اعتمد عليه النبي في المهمات وساعة العسرة، فبلغ عنه سورة براءة، وندبه إلى قتال عمرو بن ود ومرحب؛ وباهل نصارى نجران به وبزوجته فاطمة، وولده الحسن والحسين، وارتقى على متنه لكسر الأصنام، وانضوى وإياه تحت كساء واحد، إلى غير ذلك من المناقب التي لا يبلغها الإحصاء، والتي لو كانت منقبة واحدة منها لصحابي غير الإمام لدقوا له الطبول، ورفعوا له الأعلام، وبلغوا به سدرة المنتهى.
أما القول فقد نص النبي عليه بمناسبات شتى، أولها حين نزلت الآية: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» حيث جمع من أهله ثلاثين رجلاً فأكلوا وشربوا وقال لهم الرسول: هذا وارثي ووزيري ووصيي وخليفتي عليكم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، وأخيرها حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، وبين هذين الحديثين صدرت أحاديث كثيرة، كحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وحديث علي مع الحق والحق مع علي، وحديث الثقلين، إلى غير ذلك مما أثبته السنّة في كتبهم.
وقد جمع علماء الإمامية هذه الأحاديث في كتب ومجلدات تعد بالعشرات، وطبعت أكثر من مرة وهي في منال كل راغب، وأيسرها تناولًا، وأوضحها تعبيرًا نقض الوشيعة والجزء الأول والثالث والرابع من أعيان الشيعة للأمين وكتاب «المراجعات» لشرف الدين، وكتاب «دلائل الصدق» للمظفر...
هذا، وما رأيت أحدًا من علماء السنة يشكك في سند أحاديث الولاية والوصية لعلي من النبي، ولكنهم تمحلوا وتألوا الولاء بالحب والإخلاص لا بالحكم والسلطان، والوصية بالعهد إلى الامام بتجهيز النبي ودفنه؛ وما إلى ذلك من التكلف والتعسف الذي لا يشعر به اللفظ من قريب أو بعيد، وليس من شك إنه لو جاء حديث واحد منها في حق صحابي غير الإمام لكتبوه بماء الذهب، وأكثروا حوله الحواشي والشروح.
لقد والى الشيعة عليًّا، وقالوا بالنص عليه من الرسول، وأوجبوا له العصمة والسبب في كل ذلك هو النبي دون سواه، هو حديث «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» الذي رواه الطبري في تاريخه ص 17 ج 3، وابن الأثير في كامله ص 74 ج 3، وحديث «علي مع الحق والحق» الذي ذكره ابن أبي الحديد والترمذي والحاكم «1».
على هذه الأحاديث وأمثالها اعتمد الشيعة في ولائهم لعلي، ولم يعتمدوا على الظن والتخمين، ولا على العاطفة والتعصب، ولا على التقليد والوراثة. إذن فسبب التشيع ديني لا سياسي، وعلم لا أهواء.
بدء التشيع
قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب «المذاهب الإسلامية» ص 51؛ «الشيعة أقدم المذاهب السياسية الإسلامية. وقد ظهروا بمذهبهم في آخر عصر عثمان، ونما وترعرع في خلافة علي، إذ كلما اختلط بالناس ازداد اعجابًا بمواهبه، وقوة دينه وعلمه». وقال آخر: إن مذهب التشيع ظهر يوم وقعة الجمل، وقال ثالث: بل يوم ظهور الخوارج. وقال طه حسين في كتاب «علي وبنوه»: إن فرقة الشيعة أصبحت حزبًا سياسيًّا منظمًا لعلي وبنيه في عهد الحسن بن علي.
والحقيقة اأ تاريخ التشيع يقترن بتاريخ نص النبي على الإمام بالخلافة، وقد كان جماعه من الصحابة يرون أن عليًّا أفضل أصحاب الرسول على الإطلاق، ذكر ذلك ابن أبي الحديد، وعد منهم عمار بن ياسر، والمقداد بن الأسود، وأبا ذر، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد اللّه؛ وأبي بن كعب، وحذيفة اليمان، وبريدة، وأبا أيوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وأبا الهيثم بن التيهان، وأبا الطفيل، وجميع بني هاشم.
وجاء في كتاب «تاريخ الشيعة» للشيخ محمد حسين المظفر ص 9. «قال محمد كرد علي في كتابه خطط الشام (5: 251 - 256) عرف جماعة من كبار الصحابة بمولاة علي في عصر رسول اللّه (ص) مثل سلمان الفارسي القائل: بايعنا رسول اللّه على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن طالب والمولاة له. ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع، وتركوا واحدة، ولما سئل عن الأربع قال: الصلاة والزكاة والصوم والحج. قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب. قيل له: وإنها لمفروضة معهن؟! قال: نعم هي مفروضة معهن. ومثل أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة اليمان، وذي الشهادتين، وأبي أيوب الأنصاري، وخالد بن سعيد، وقيس بن سعد بن عبادة..
أما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن التشيع من بدعة عبد اللّه ابن سبأ فهو وهم؛ وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة، وبراءتهم منه ومن أقواله واعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم علم مبلغ هذا القول من الصواب.. إن محمد كرد علي ليس من الشيعة، ولا من أنصارهم غير أنه رأى أن من الأمانة إبداء هذه الحقيقة، ناصعة دون أن يشوبها بغرض».
وإذا كان معنى التشيع هو الإيمان بوجود النص من النبي على علي كما أسلفنا فمن الطبيعي أن يبتدئ تاريخ التشيع من حين النطق بهذا النص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر دلائل الصدق للمظفر ج 3 ص 303 طبعة 1953.
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ باقر القرشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب